بقلم: ستيفن إس روتش
تواجه اليابان تحديها الأخير أمام الركود المطول الذى يجر حاليا معظم الدول المتقدمة الكبرى، ورغم الجلبة التى تحيط بسياسات «الأبينوميكس»، لا يزال الاقتصاد اليابانى مريضا، وخلال الأرباع الستة الماضية منذ تولى شينزو آبى منصب رئيس الوزراء، كان متوسط نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى السنوى %1.4، أى أعلى قليلا من المتوسط الضعيف بعد عام 1992 عند %1.
وكان من المفترض أن تنهى سياسات الأبينوميكس – الخليط القوى من المحفزات النقدية والمالية – عقدا ضائعا من الانكماش.
وللأسف لم يؤت الخليط الثمار المرجوة منه، باستثناء البنك المركزى اليابانى الذى يتقدم بثبات نحو تحقيق أهداف أول سهم وهو تبنى ما يطلق عليه التيسير الكمى والكيفى وهو برنامج قد يفوق حجمه بكثير ذلك الخاص ببنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكي.
أثار آبى فى الأيام الماضية تساؤلات خطيرة بشأن المرحلة الثانية من رفع ضريبة المستهلك التى تم تشريعها مسبقا والتى يُنظر إليها منذ وقت طويل على أنها محور استراتيجية توحيد المديونية.
وأخفق آبى لأن الاقتصاد مازال ضعيفا، ما ينذر بانتكاسة انكماشية. وفى الوقت نفسه، لم يقترب السهم الثالث حتى من هدفه وهو المتعلق بالإصلاحات الهيكلية، خاصة الضرائب والتعليم والهجرة.
وقد يستنتج البعض أن الأبينوميكس فى الأساس نسخة يابانية عن خليط السياسة الفاشل الذى تم تطبيقه فى الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ضخ البنوك المركزية سيولة غير تقليدية (حيث يبدو أن المركزى الأوروبى يستعد ليحذو حذو الفيدرالي)، وفى الوقت نفسه، تطبيق القليل من الإصلاحات المالية والهيكلية الأساسية، وهو ما يؤدى إلى تحقيق انتصار سياسى نفعى قصير المدى.
وهذه المقامرة خطيرة بشكل خاص بالنسبة لليابان، ففى ظل شيخوخة السكان وتقلص عدد الأفراد فى سن العمل، لدى الدولة نطاق محدود للمناورة لإنعاش الاقتصاد، وينبغى على اليابان إما أن تضغط على قوتها العاملة لتعزز الإنتاجية وإما أن تستكشف مصادر أخرى للطلب محليا أو خارجيا.
ففى الداخل، يمكن للحكومة أن تزيد عدد العمالة إما من خلال تعزيز مشاركة المرأة فى القوة العاملة، والتى تبلغ %63 من النساء وهى أقل نسبة بين الدول المتقدمة، وإما أن تخفف القيود على الهجرة الوافدة، وللأسف لم يتم إحراز تقدم يذكر فى أى من الجبهتين.
وعلاوة على ذلك، إذا قويت الإرادة السياسية فجأة لتطبيق إصلاحات السهم الثالث، فإن انتعاش الإنتاجية سوف يأخذ وقتا طويلا ليتحقق.
أما الطلب الخارجى، فهو يسلط الضوء على أكثر العيوب الاستراتيجية خطورة لسياسات الأبينوميكس وهو أنها لا تأخذ فى الاعتبار بعض أكبر التغيرات التى من المرجح أن تحدث فى الاقتصاد العالمى، وهذا أمر مؤسف لأن اليابان بإمكانها الاستفادة من أحد أكثر الاتجاهات العالمية قوة وهو عودة التوازن للاقتصادين الصينى والأمريكي.
ولا تستطيع اليابان تحمل نتائج إهمال هذه الفرصة، فماذا يمكن أن يفيد الصادرات اليابانية أكثر من تحول المحرك الرئيسى للاقتصاد الصينى من الطلب الخارجى إلى الداخلى، وبالفعل تعد الصين هى أكبر وجهة حاليا للصادرات اليابانية، ومع ذلك، يمكن لطوكيو أن تكتسب حصة سوقية أكبر مع ازدياد الطلب الصينى على المنتجات والخدمات الاستهلاكية.
كما يمكن أن تستفيد اليابان أيضا من عودة التوازن الذى طال انتظاره فى الاقتصاد الأمريكى، فتحول الولايات المتحدة من الاستهلاك المفرط للبضائع التى يرجع مصدرها بنسبة كبيرة إلى البلدان النامية ذات الأجور المنخفضة إلى المعدات الرأسمالية التى يتطلبها الاقتصاد القائم على الاستثمار يمكن أن يشكل فرصة كبيرة لمواطن القوة فى اليابان باعتبارها الرائدة العالمية فى صناعة الماكينات المعقدة والمعدات المستخدمة فى مشروعات البنية التحتية، وينبغى على اليابان أن تكون قادرة على اقتناص تلك الفرصة.
وفى سعيها لجذب الطلب الخارجى، لا ينبغى أن تنسى اليابان انجازاتها القديمة، ففى السبعينيات والثمانينيات، كانت موضع حسد العالم بفضل ماكينة الصادرات القوية التى استغلت الطلب النامى سريعا من الاقتصاد العالمى، ومازالت اليابان تتمتع بذاكرة جيدة تمكنها من تذكر ما ينبغى فعله لتعزيز الطلب الخارجي.
وفى الوقت الذى ستجنى فيه الولايات المتحدة والصين الكثير من تحول اقتصاديهما، ينفد الوقت من اليابان، فبعد وقوعها فى قبضة عقدين ضائعين ومازال العد مستمرا، قد تكون هذه فرصتها الأخيرة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع «بروجكت سينديكيت»