التجربة الدنماركية فى الإقتصاد قد تحمل جمال كثير يقارب ما عرضة الفنان الكبير عادل إمام فى فيلمة الشهير, الدنمارك واحدة من أغنى دول العالم بمتوسط دخل الفرد يتجاوز ال44 ألف دولار سنويا و نظام عدالة إجتماعية متطور جدا و شامل
الظاهر مبدئيا عن تجربة الدنمارك الإقتصادية ان الضرائب تفوق ال55% و هو رقم كبير جدا, تبدو هذة الضرائب المرتفعة ضد التوجهات الإقتصادية الداعية لتشجيع القطاع الخاص لتنشيط التوظيف و خلق النمو فى الإقتصاد , لكن مع ذلك يستمر إقتصاد الدنمارك فى خلق وظائف جديدة بشكل جيد و نسبة البطالة تدور حول ال5% و هو رقم معقول جدا ” وصلت حول ال8% فى الأومة المالية و كانت قبلها فى حدود ال3% ”
يعتمد إقتصاد الدنمارك غلى ثقة شديدة بين الحكومة و الشعب, حيث توظف الحكومة 700 ألف مواطن من اصل 6 مليون, هى نسبة توظيف فى الحكومة تفوق النسبة فى مصر, حيث مصر الجهاز الحكومى بة حوالى 7 مليون موظف من اصل 90 مليون مصرى, مما يعنى أن الدنمارك توظف ما يقارب 12% من سكانها فى الحكومة بينما فى مصر النسبة أقل من 8% , حيث الحكومة هى أكبر صاحب عمل فى الدنمارك
لكن أكثر من 60% من العاملين فى الجهاز الحكومى الدنماركى هم عاملين فى الصحة و التعليم, بمستوى خدمة مرتفع جدا على الرغم ان القطاعين الصحى و التعليمى معظمهم قطاع حكومى و تواجد ضعيف للقطاع الخاص, لذا تصبح الضرائب المرتفعة كوسيلة توظيف هامة فى المجتمع و لكن مع جهاز حكومى كفؤ يجعل هذا التوظيف فى قطاعى الصحة و التعليم بجودة عالية
تهتم الحكومات الدنماركية جدا بالتعليم بدل من إهتمامها بتقديم حوافز للقطاع الخاص, حيث أن نظرتهم تقوم على فكرة أنة كلما أنتجت المؤسسات التعليمية شباب متعلم متطور كلما ظهرت وظائف تستوعب هؤلاء الشباب, مع إهتمام كثير بإخراج شباب جامعى متخصص فى مجالات متطورة و ذات قيمة مرتفعة, مثلا بدل من الإهتمام بعلوم الزراعة التقليدية حيث الدنمارك تقليديا بلد زراعى تهتم الجامعات بعلوم إنتاج الأنزيمات و بدل من علوم الهندسة التقليدية تهتم الجامعات بعلوم الطاقة المتجددة, مما جعل صادرات الدنمارك تمثل 55% من حجم الإقتصاد ومعظمها مواد و خدمات ذات قيمة مرتفعة تحتاج لشباب مدرب على أعلى مستويات التعليم
مثلا فى مجال الطاقة المتجددة قررت الدنمارك الإستغناء تماما عن إستخدام الفحم بعد 10 سنوات بحلول 2025, مع فرض ضرائب مخصصة لتوليد طاقة من الرياح التى اصبحت تمثل حوالى 40% من الطاقة المولدة فى الدنمارك, كما اصبحت الدنمارك من اكبر مصدرى العالم فى توربينات و تكنولوجيا إستخدام طاقة الرياح, على الرغم من قرار الدنمارك التوقف عن إستخدام الفحم و لكن الدنمارك لديها اشهر شركات العالم فى إنتاج مطاحن الاسمنت فى توليد الطاقة باقل ضرر بيئى و قامت شركة دنماركية بالتعاقد مع شركات اسمنت مصرية لتستخدم هذة التكنولوجيا الدنماركية
لكن النقطة الأهم فى تجربة الدنمارك التى تجمع بين الضرائب العالية و دولة الرفاة مع الرأسمالية هى سهولة التوظيف و الرفد, لا توجد أى قوانين تعقد عملية التوظيف أو قوانين تعقد عملية تقليل عدد الموظفين إلا لو كان الأمر متعلق بأى نوع من أنواع التمييز العرقى أو الدينى, يسهل جدا على أى شركة صغيرة أو متوسطة “تمثل حوالى 70% من الشركات” التخلص من موظفيها نتيجة الظروف ثم يسهل جدا توظيفهم بعد ذلك حين تتحسن الأمور, طبعا نتيجة دولة الرفاة التى تجعل الناس تدفع مالا يقل عن 50% من دخلها ضرائب فتقوم الحكومة بدفع إعانة بطالة تمثل 90% من أخر دخل, مما يجعل التوتر المتعلق بتخفيض عدد العمال يقل جدا, لكنة يخلق سهولة التوظيف و الرفد وهو أمر جاذب جدا للشركات لما يتيحة من سهولة حركة
أما عن المرتبات و الدخول فى الدنمارك فهى تمثل طريقة قد تستفيد منها مصر جدا, حيث التفاوض حول المرتبات هو تفاوض جمعى و ليس فردى مما يقلل جدا من فرص أن يظلم العامل أو يشعر صاحب العمل أن طلبات العمال سوف تدمرة, كل مهنة يوجد لديها نقابة أو إتحاد قوى يمثلها كما أن كل صاحب عمل يوجد لدية نقابة أو إتحاد يمثلة, يعتبر التفاوض على الأاجزر هو تفاوض بين نقابات تمثل العمال و نقابات تمثل أصحاب العمل, القانون يقر أن نتيجة التفاوض الجمعى ملزم للجميع, لذا لا يوجد مثلا إضراب للأطباء لأن النقابة الممثلة لهم بشكل حقيقى هى من تتفاوض نيابة عنهم مع نقابة تمثل اصحاب المستشفيات, فى حالة تعثر المفاوضات تتدخل الحكومة كوسيط محايد لا ينحاز لأى طرف و يؤمن الطرفين بحياديتة
يمكن تلخيص التجربة الدنماركية الإقتصادية فى عدة عوامل, ثقة شديدة بين الشعب و حكومتة, حكومة تستخدم أكثر من نصف دخل الشعب لتخلق فرص توظيفية كثيرة لكن معظمها خدمات صحية و تعليمية مرتفعة الجودة لهذا الشعب, إهتمام مرتفع بخلق إقتصاد قائم على القيمة المرتفعة و ليس ايدى عاملة رخيصة, تفاوض جمعى يحمىة القانون و يقلل من فرص أم يتعرض العامل للظلم أو يتعرض صاحب العمل لضغط غير مبرر من العمال.
المقال بقلم مالك سلطان خبير الاستثمار المباشر