بقلم: ديفيد جاردنر
تتصرف السعودية بهدوء غير طبيعى فى الوقت الذى تراجعت فيه أسعار البترول لأدنى مستوى منذ خمس سنوات، لدرجة أن الأمير الوليد بن طلال آل سعود، أكثر المستثمرين فى المملكة شهرةً، قال إنه مندهش من الرضا الحكومى فى وجه هذه «الكارثة»، وحينها كانت الأسعار فوق مستوى 90 دولاراً للبرميل.
والآن، هناك أسباب تقنية لا شك فيها وراء التفاؤل السعودى رغم هبوط الأسعار دون مستوى 70 دولاراً بكثير، وقدم العاملون فى القطاع هناك بسخاء الكثير منها، فهم يقولون إن دورة السلع تلك لا تختلف عن أى دورة أخرى تحدد فيها الأسواق الأسعار.
وتقلق السعودية بشكل رئيسى على حماية حصتها السوقية، ويقول المحللون إنه إذا كان هناك أى «سياسة» معنية هنا، فهى محاولة إجبار منتجى الغاز الصخرى فى الولايات المتحدة على الخروج من السوق نظراً لارتفاع تكاليف الاستخراج.
وفى الواقع، السعوديون محقون فى مجادلاتهم بأن لا هم ولا الأوبك بإمكانهم تحديد السعر، ولكن هل يجادلون كثيرا بينما لا يفعلون شيئا لإبطاء سرعة هبوط الأسعار؟ وكما لو أن منظمة الأوبك، التى تتحكم فيها المملكة السعودية، لم ترفض تخفيض الإنتاج فى اجتماع الشهر الماضي.
ولم يتخل السعوديون يوماً عن استخدام إيرادات البترول لتحقيق غايات سياسية، بل هى سلاحهم الدبلوماسى الرئيسي، أما الآن فيبدو أنهم وحلفاءهم الخليجيين يستخدمون سعر البترول نفسه كسلاح سياسى يستهدف إيران فى الأساس.
وظهر استخدام الأموال لتهدئة المشكلات الاجتماعية السياسية بشكل خاص منذ سلسلة الانتفاضات العربية التى بدأت منذ 4 سنوات، وفى أوائل عام 2011، أطلق الملك عبدالله برنامج رفاة اجتماعية بقيمة 130 مليار دولار لتجنب انتقادات رعاياه السعوديين، وبعد ذلك تم تصدير النموذج التقليدى لشراء الولاء سريعاً إلى الدول المجاورة التى تتعرض لضغوط ثورية من شعوبها.
وخلال ساعات من الإطاحة بالإخوان المسلمين فى مصر، تعهدت السعودية والإمارات بحزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار جاهزة للجنرالات، أى أعلى 10 مرات تقريبا من قيمة المساعدات الأمريكية السنوية.
ومع ذلك، فإن المنافس الإقليمى الأكثر تهديداً لآل سعود ولنسختها السنية من الإسلام هو إيران، والتى أسست حكومة شيعية فى العراق منذ الغزو الذى قادته الولايات المتحدة هناك.
وبتأسيس تلك الحكومة الشيعية فى العراق، أقامت إيران محور شيعة عربياً من بغداد إلى بيروت، والذى يتمتع بنفوذ أيضاً فى الدول المجاورة للسعودية مثل اليمن والبحرين.
وينبغى أن نأخذ فى الاعتبار فى المعادلة البترولية، الكراهية الوهابية السعودية للشيعة، فضلاً عن التنافس مع الجمهورية الإسلامية الفارسية على الهيمنة فى منطقة الخليج والشام، فالرياض التى تجلس على احتياطيات نقدية أجنبية بقيمة 750 مليار دولار بإمكانها تحمل الإيرادات البترولية الأقل، أما إيران التى تحتاج أن يكون السعر ضعف مستواه الحالى لكى تتمكن من استيفاء متطلبات الموازنة، فستستمر فى النزيف.
وعلاوة على تعثرها اقتصاديا بالفعل بسبب العقوبات الاقتصادية، تنفق إيران – وفقا لبعض التقديرات – 1.5 مليار دولار شهريا لدعم حلفائها فى سوريا والعراق.
وبالطبع، تنحاز إيران للولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين والعرب بل وتتحالف معهم، بمن فيهم السعوديون، فى الحرب ضد الدولة الإسلامية فى العراق والشام، ويواصل الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، سعيه وراء تقارب مع إيران من خلال المفاوضات بشأن طموحها النووي.
ومع ذلك، لا ينبغى أن يساور الولايات المتحدة أى شك فيما يتعلق بمشاعر السعودية تجاه إيران الشيعية أو بذوبان الجليد فى المنطقة بين الدولتين.
وحسبما قالت شخصية عربية مطلعة، إن أحد كبار المسئولين فى السعودية قال لجون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، عندما كان الأخير يتناقش مع الزعماء السنة فى المنطقة هذا الصيف بشأن التحالف ضد الجهاديين: «داعش هى الرد على دعمكم للدعوة»، وهو الحزب الشيعى الحاكم فى العراق والموالى لطهران.
وكما تؤثر الأسواق فى سعر البترول، تفعل البطانة السعودية كذلك.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز







