بقلم: تونى بلير
رئيس الوزراء البريطانى الأسبق
تمر الأنظمة الديمقراطية بمرحلة غير جيدة، فيبدو أن العديد منها غير قادر على أداء وظيفته سواء الكونجرس فى الولايات المتحدة أو الحكومة الائتلافية فى بريطانيا كما أن عدداً من الحكومات الأوروبية يواجه صعوبات فى ايجاد طريق للعودة للنمو الاقتصادي.
كما يبدو أن بعض الديمقراطيات الناشئة، على الأقل على المدى القصير أضعف قدرة فى الوفاء باحتياجات مواطنيها مقارنة ببعض الأنظمة الاستبدادية.
بالإضافة إلى ما سبق تظهر تحديات عميقة فى الآونة الأخيرة مثل التطرف الذى يهز دولاً بأكملها فى الشرق الأوسط وخارجه والأزمات المالية الحالية فى أوروبا بجانب الصراع فى شرق أوكرانيا وضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
ليس من المستغرب أيضاً مشاهدة صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا وشعور عام بالضيق وخيبة الأمل من السياسات الديمقراطية. وفجأة بات لدى البعض جاذبية لظاهرة «بوتينزم» (نسبة إلى الرئيس الروسى فلاديمير بوتن) التى يتجلى فيها عبادة الزعيم القوى الذى يذهب فى أى اتجاه يشاء ناظراً بازدراء للمعارضة.
ولكن خيبة الأمل إزاء أداء الحكومات الديمقراطية تنبع بالفعل من اعتقاد الناس أنهم بحاجة إلى تغييرات فى حياتهم، لا يمكن أن تحدث بالسرعة المطلوبة بما فيه الكفاية وهو تحد عملى لها. ويعبر الناس عن هذا بشكل مختلف، فيقولون إن الحكومة لا تُصغى لهم. وتفتقد الحكومات إلى القيادة التى يمكنها صنع القرار بطريقة فعالة، فلماذا؟
فى السنوات الأخيرة، شهدت الديمقراطيات الغربية تغييرات خفضت من فعاليتها، ففى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حيث يوجد نظام الدوائر الانتخابية التى تتوزع بحسب شعبية الأحزاب، لكى يفوز السياسى بترشيح الحزب يجب أن يتخذ مواقف ترضى أعضاءه المنوط بهم اختيار المرشحين وليس إرضاء عامة المواطنين، ولذلك فإن السياسيين يتحركون بعيداً عن أرض الواقع حيث توجد رغبات الجماهير لصنع السياسات.
فى هذا النظام، يتم التركيز على اتخاذ مواقف سياسية وليس على تقديم حلول قائمة على أدلة ففى الواقع يقوم أسلوب الحكم الحديث أساساً على الأعمال غير الأيديولوجية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن وسائل الإعلام فى العديد من البلدان الغربية أصبحت أكثر حزبية فى وقت تقل فيها نسبة المشاهدين التقليديين، ويبحث اصحاب المؤسسات الإخبارية عن أفضل الفرصة التجارية التى تهم مشاهديها الموالين لها والتى تمثل مصالحهم الخاصة.
كما شهدت الدول الغربية نمواً قوياً لجماعات المصالح التى يمكن أن تقف فى طريق الإصلاحات الأساسية والضرورية اللازمة وأى شخص حاول القيام بإصلاح نظام التعليم على سبيل المثال، يعرف إلى أى مدى يعتبر ذلك نضالاً صعباً ومريراً. فالبيروقراطية تحارب أى تغيير ونقابات المعلمين تحارب التغيير، كما تتعرض الجماهير لحملة شرسة لرفض التغيير حتى لو كان فى صالحها. كان أقرب سبب لفقدان وظيفتى كرئيس للوزراء فى بريطانيا ليس سياسات الحرب والسلام، ولكن بسبب إصلاحات التعليم وقد تكرر الأمر مع جهود إصلاح برامج الرعاية الصحية بنفس الظروف.
انظروا إلى الدول الأوروبية مثل فرنسا وايطاليا وإسبانيا واليونان، والتى تكافح من أجل إصلاح النظم الضريبية لتغيير كيفية توزيع المنافع العامة أو لتقليص الجهاز الادارى حيث جاء رد فعل الجماهير سلبياً ضد خطط الإصلاح دون ايجاد بديل. وفى الوقت نفسه، الاتحاد الأوروبى غير قادر على اتخاذ تدابير لتحفيز النمو كعنصر أساسى بجانب الإصلاح.
هناك حاجة لأشخاص لديهم قدرة على القيادة فى وقت تقلصت فيه جينات القادة السياسيين فكم عدد القادة واعضاء البرلمان أو الكونجرس ممن تمتعوا بتجارب من واقع الحياة خارج عالم السياسة؟ فالشائع حالياً أن يدرس الشاب السياسة فى الجامعة ويذهب إلى العمل السياسى كباحث أو محلل، ومن ثم الانتقال مباشرة إلى الترشح فى الانتخابات.
قضيت سبع سنوات كاملة فى العمل بالقطاع الخاص قبل دخولى معترك السياسة، لكنها كانت حاسمة ومثلت لى الوقت اللازم لتكوين شخصيتى حيث تعلمت الكثير عن الأعمال وعن الناس بطريقة مفيدة جداً لاحقا عندما دخلت الحكم. وقد تعلمت بصفة خاصة الفرق بين الأفكار السياسية الأكاديمية وبين السياسات المناسبة للتطبيق فى العالم الحقيقي.
لمواجهة الشعور بالضيق الديمقراطى يجب إحداث تغيير ولو جزئياً فى العلاقة بين الحكام والمحكومين، فيجب على الناس أن يقبلوا أن تدخل الحكومة فى خيارات صعبة وفى المقابل يجب أن يحترم الساسة الناس.
لم يعد حق التصويت كافياً، فيجب أن تقدم الأنظمة الديمقراطية للشعوب نتائج ملموسة وهو ما لا يحدث حالياً، ولا يجب ترك الناخبين بين خيارين أحدهما نظام ديكتاتورى أو آخر شعبوى. فإذا كنا نؤمن حقاً بالديمقراطية فقد حان الوقت لتطويرها.
إعداد: ربيع البنا
المصدر: صحيفة نيويورك تايمز