بقلم: ديفيد جاردنر
تعتمد فرص إنهاء المذبحة فى سوريا والعراق والعودة إلى شيء من الاستقرار على إبرام اتفاق دولى بشأن الطموح النووى الإيرانى، والذى سيفتح باب التقارب بين الولايات المتحدة وطهران، وهذا بدوره سيؤدى إلى وقف الحرب بالوكالة الدائرة فى الشرق الأوسط بين إيران الشيعية والسعودية السنية.
وينبغى أن يدرك هؤلاء المتنافسون الإقليميون، أن التكتيكات الطائفية السامة ارتدت عليهم على الأقل فى صورة ظهور الدولة الإسلامية فى العراق والشام أو «داعش» والتى تمثل تهديداً قاتلاً لهما معاً.
ولكن ماذا بعد ذلك؟ فقد تحطم العراق وسوريا نتيجة عواصف الطائفية التى عصفت بالشرق، فهل يمكن جمع هاتين الدولتين وغيرهما من دول فن الفسيفساء المنهارة فى المنطقة من ليبيا إلى اليمن معا مرة أخرى؟ هناك فرصة ضئيلة لتحويل هذا التفكك إلى نقل مؤسسى للسلطة فى إطار ميثاق وطنى يحفظ الوحدة ولا يفرض التماثل.
وتحوم الجملة الماضية حول كلمة «الفيدرالية»، وينظر معظم اللاعبين السياسيين فى الشرق الأوسط على أنها كلمة ضارة تعنى «مؤامرة أجنبية لتفكيك الدولة»، وكان هناك أمثلة كثيرة على هذه الفكرة، فالعراق تحطم بعد غزو 2003 بقيادة الولايات المتحدة، وحل محل سلطة الأقلية السنية الظالمة ما بدا فيما بعد كقادة طائفيين مدمرين من الشيعة.
أما فى سوريا، فبمجرد توقف الغرب عن الدعم الضرورى للمتمردين الوسطيين للأغلبية السنية فى الدولة، واستخدام بشار الأسد التكتيكات الطائفية لإغراق المتمردين فى الدم، اكتسبت أفكار داعش زخماً.
وتروج الدولة الإسلامية لفوقية السنة، كما تعززت الفكرة الخيالية بأن المليار المسلم السنى فى العالم هم ضحايا للشيعة الأقلية بسبب شعور السنة فى العراق بانتزاع ملكيتهم وشعورهم بالخيانة فى سوريا.
وهذه الأفكار الخيالية تحتاج فى المقابل إلى أفكار مضادة مقنعة، وإلى تحقق التقارب الإيرانى الأمريكى والانفتاح السعودى الإيراني، فبعد استيلاء داعش على مساحات واسعة من العراق هذا العام، توصلت واشنطن وطهران إلى ضرورة استبدال نورى المالكي، الشيعى الطائفى الذى اضطهد السنة، وهمّش الأكراد العراقيين، برئيس وزراء جديد، حيدر العبادي.
ويوجد بعض العلامات على أن هذا الاستبدال قد يحشد بعض القبائل السنية ضد داعش، ولكن فرص تحول المتمردين الوسطيين فى سوريا ضد داعش ضئيلة فى حال استمرار بشار الأسد فى السلطة بمساندة إيران وحلفائها، وإذا كانت إيران ترغب بالفعل فى الاندماج إقليمياً ودولياً فعليها التخلص من الأسد وزمرته، كما فعلت مع المالكي.
وتعد المركزية الفائقة فى الدول الأمنية العربية– والتى تظهر فى فاشية الأحزاب التابعة لحزب البعث العراقي، ونظام الأسد فى سوريا، والحكم المطلق الدينى الوهابى فى السعودية– جزءاً من المشكلة وليست حلاً، فهذه الأنظمة المغلقة تدفع بالمزيد من المجندين إلى داعش.
وعلاوة على ذلك، لثقافة المركزية تلك جذور، فعندما انهارت الإمبراطورية العثمانية منذ قرن مضى، أسس مصطفى كمال أتاتورك جمهورية تركيا، كما أسس آل سعود المملكة الوهابية باستخدام القوة المركزية، مع التجاهل التام للأقليات.
ولكن لم يعد تفضيل المؤسسات المركزية أو النموذج المغرى القديم للرجل القوى كضامن للاستقرار مفيداً فى جمع دول المنطقة معاً، فقد انهارت معظم المؤسسات باستثناء قوة القبيلة والطائفة، وأصبح الأمن فى أيدى السكان المحليين فى معظم أنحاء المنطقة، ومعظمهم جنرالات حرب.
ويكمن الحل حالياً فى إيجاد طرق لتحويل القوى المحلية لمؤسسات منظمة وجعلها مقبولة عبر طوائف المجتمع المختلفة من خلال أمور مثل جعل الشرطة فى منطقة ما من أفراد الطائفة المحلية أو تقاسم الموارد الوطنية بعدل.
وقد دفع رئيس الوزراء العراقى الجديد، العبادي، بالفعل باتجاه الحل الفيدرالى من خلال اتفاق بشأن مشاركة إيرادات البترول مع الأكراد، ومن خلال اتفاقات الأمن المقبولة مع السنة حيث تحفظ الكيانات المحلية الأمن بدلاً من فرضه من الخارج بواسطة طائفة واحدة.
وبإعلانه اتفاق البترول الشهر الجاري، رفض العبادى بوضوح عقلية الرابح الوحيد، وقال: «حتى فى حال حصولى على مكسب أكبر بقليل من الطرف الآخر أو العكس، فعلى الأقل لم نخسر نحن الاثنان».
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز