البنك الدولى: القارة بذلت جهداً كبيراً العامين الماضيين لتحسين القواعد التنظيمية
دفعت أسعار السلع النمو الاقتصادى فى أفريقيا لعقود عديدة، إذ تعد القارة موطناً لثلث الاحتياطيات المعدنية فى العالم، وعشر احتياطيات البترول العالمى، وتنتج ثلثى الألماس، ولا عجب إذن أن يكون النمو قوياً عندما ترتفع أسعار الموارد الطبيعية ومحاصيل التصدير، وأن يتباطأ النمو مع تراجعها.
وكانت أفريقيا خلال العقد الماضى واحدةً من أسرع القارات نمواً – تجاوز متوسط معدل النمو فيها %5- كما يعود انتعاشها جزئياً إلى تحسن أوضاع الحكم والإصلاحات الاقتصادية، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وكانت تنهار الدورات السابقة للاقتصاد الأفريقى عندما تنخفض أسعار المعادن والبترول وغيرهما من السلع الأساسية، ففى عام 1988-1999، وذلك خلال فترة تراجع أسعار البترول، خسر النايرا النيجيرى %80 من قيمته، وهبطت قيمة العملات الأفريقية مرة أخرى خلال فترة الاضطرابات التى شهدها سوق السلع عام 2009.
ومنذ العام الماضي، تراجعت أسعار البترول إلى النصف وانخفضت أيضاً أسعار العديد من المعادن مثل النحاس وخام الحديد انخفاضاً حاداً، جنبا إلى جنب انهيار أسعار السلع، فهل سيتباطأ النمو الأفريقي كالمعتاد؟
أوضحت مجلة الإيكونوميست، أن الانخفاض الكبير فى أسعار السلع أدى إلى هبوط العملات فى بعض الاقتصادات، فتراجعت قيمة عشر عملات أفريقية على الأقل بما يزيد على %10 فى عام 2014، ولكن الهبوط لم يكن كارثياً فى قيمة العملات سوى فى بعض منها، وهذا يشير إلى أن المستثمرين لم يعتبروا انخفاض أسعار السلع بمثابة قبلة الموت.
وربما يكون أحد أسباب ارتفاع قيمة العملات الأفريقية هو أن النمو الاقتصادى بدأ ينبع من قطاعات أخرى، إذ اتسع الناتج الصناعى فى القارة بنفس سرعة باقى جوانب الاقتصاد، حتى إن النمو كان أسرع فى قطاع الخدمات، الذى اتسع بمعدل %2.6 فى المتوسط فى أنحاء أفريقيا بين عامى 1996 و2011.
كما ازدهرت السياحة، إذ تضاعف عدد الزائرين الأجانب، وعائدات السياحة فى الفترة ما بين 2000 و2012، وراجعت العديد من الدول الأفريقية، بما فى ذلك، إثيوبيا وغانا وكينيا وموزمبيق ونيجيريا، تقديراتها للناتج المحلى الإجمالى ليتضمن نمو قطاعاتها الأخرى.
وعلى الرغم من انخفاض أسعار السلع، تبدو التوقعات جيدة، إذ يتوقع خبراء البنك الدولى أن يتوسع اقتصاد أفريقيا جنوب الصحراء بنحو %5 العام الجاري، ومن المتوقع أن يحفز قطاع الاتصالات والنقل والقطاع المالى النمو الاقتصادي.
والارتفاع الكبير فى حجم الاستثمارات يفسر التنويع الاقتصادى المتزايد فى أفريقيا، إذ يعود جزئياً هذا الازدياد فى الاستثمارات إلى المجهود الذى بذلته الحكومات الأفريقية لتوفر بيئةً استثماريةً أفضل للمستثمرين. وأفاد تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال» السنوى الصادر عن البنك الدولى بأن المنطقة الأفريقية بذلت جهداً أكبر فى 2013 ــ 2014 لتحسين القواعد التنظيمية عن المناطق الأخرى، واحتلت موريتانيا المرتبة 28 فى قائمة البنك لأسهل الأماكن للقيام بأعمال تجارية.
وتبدو رواندا، التى كانت تعانى منذ عشرين عاماً من الإبادة الجماعية الرهيبة، مواتية للاستثمار أكثر من إيطاليا.
وبعد عقدين من الأداء الضعيف، ارتفعت نسبة اجمالى الاستثمارات من الناتج المحلى الاجمالى بعد عام 2000، وازداد الاستثمار الأجنبى المباشر بنسبة %5 فى عام 2012، وبنسبة %10 فى عام 2013 رغم الركود العالمي.
وتبذل الاقتصادات الافريقية الغنية بالموارد قصارى جهدها لتنويع اقتصاداتها، فتجاوز النمو فى نيجيريا، أكبر اقتصاد فى أفريقيا، %5 خلال السنوات الثلاث الماضية، ورغم أنها تعد خامس أكبر مصدر للبترول، فقد جاء النمو فى السنوات الأخيرة من قطاعات أخرى مثل الاتصالات والإنشاء والقطاع المصرفي، وثمثل الخدمات الآن %60 من الناتج المحلى الاجمالي.
ورغم ذلك، ما زال الطريق طويلاً، فأفريقيا لا تزال القارة الأكثر اعتماداً على تصدير السلع، لكن هناك سبباً للقول بأن «لعنة الموارد» بدأت تفقد قوتها، فرغم الاضطرابات التى تعانيها أسواق السلع، ظلت أفريقيا واحدةً من أسرع المناطق نمواً فى العالم، ومع وجود نظم تعليمية أفضل والاستثمار فى البنية التحتية وإصلاحات تنظيمية معقولة، تستطيع القارة إبطال مفعول تعويذة الموارد التى غالبا ما أعاقت نموها فى الماضي.