بقلم: أليكس دى وول
فى آخر المناسبات الذى زار فيها رئيس مصرى أديس أبابا، لم يذهب لأبعد من طريق المطار، ففى عام 1995، تعرض موكب الرئيس حسنى مبارك لإطلاق نار من قبل جهاديين مصريين، وأنقذت السيارة المضادة للرصاص ومهارة السائق والقناصة الإثيوبيون حياة مبارك.
بعد ذلك، تعاون ضباط الاستخبارات الإثيوبيون والمصريون معاً؛ لاستئصال الإرهابيين من القرن الأفريقي، وساهموا– بضغط من الولايات المتحدة– فى طرد أسامة بن لادن من السودان فى 1996، ولكن كان ذلك آخر تعاون بينهم.
وخاضت مصر وإثيوبيا منافسةً منخفضة الحدة بشأن الهيمنة على المنطقة، وتقويض مصالح كل منهما فى إريتريا والصومال وجنوب السودان، ورغم هدوء هذه المنافسة، وندرة ملاحظتها، فإنها تمثل صدعاً مهماً فى العلاقات الدولية يسمح بظهور صراعات أخرى.
ومن المتوقع أن يطير الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا، هذا الأسبوع لحضور قمة الاتحاد الأفريقي، وسوف يلتقى رئيس الوزراء الإثيوبي، هايله مريم ديسالغنه، فيما يعد فرصة نادرة لتحويل المشهد السياسى فى شمال أفريقيا.
وتقع كيفية مشاركة مياه نهر النيل الغالية فى قلب المنافسة، ويعد انخفاض معدل المياه الجارية فيه بمثابة كابوس لمصر، وتأتى 80% من مياه النيل من الأمطار التى تهطل على مرتفعات إثيوبيا، ثم يحملها شمالاً النيل الأزرق سريع الجريان.
وتلقب إثيوبيا ببرج المياه لأفريقيا، ومع ذلك، تخضع إدارة النيل رسمياً لمعاهدة عام 1929 بين مصر وبريطانيا الاستعمارية، واتفاقية 1959 بين مصر والسودان والتى أعطت معظم حقوق المياه لمصر وبعضها للسودان، ولا شيء لإثيوبيا وغيرها من دول المنبع.
وينظر كثيرون إلى هذه الاتفاقية الأخيرة على أنها غير عادلة خاصة لإثيوبيا التى لم تستعمر مطلقاً، والتى لم تستطع بريطانيا الادّعاء بأنها تحدثت نيابة عنها، ويحد هذا الإطار القانونى من حق الدول الجنوبية فى بناء السدود أو استخدام أنظمة الريّ رغم تهميشها عند صياغة هذه الاتفاقية.
وفى عام 1999، وضعت إثيوبيا وثماني دول أخرى «مبادرة حوض النيل» لتطوير شراكة تعاونية ومنصفة لإدارة مواد نهر النيل (وتعد مصر والسودان عضوين اسميين غير فاعلين، وانضمت جنوب السودان للاتفاقية فى 2012).
وحتى الآن، تمثلت أكثر الأعمال الملموسة للمبادرة فى مكافحة تآكل أحواض التصريف للنيل، وتشجيع الإدارة المستدامة للبحيرات وأفرع النيل.
وشرع رئيس الوزراء ملس زيناوي، الذى كان فى السلطة منذ 1991 وحتى وفاته فى 2012، فى عدة مشاريع سدود ضخمة، كان أكبرها «سد النهضة العظيم» على النيل الأزرق، ويعد هذا السد نقطة فخر وطني، وتم تمويله من خلال إصدار سندات خاصة.
ولم تتقبل مصر فكرة السد بشكل جيد، وخلال اجتماع ترأسه الرئيس محمد مرسى فى يونيو 2013 – ونقل هذا الاجتماع على التليفزيون، دون معرفة المشاركين فيه على ما بدا– اقترح ساسة مصريون تخريب مشروع السد، ولكن الرئيس السيسى يعلم أن إثيوبيا لن تغير مسارها.
كما يعلم أن تهديد السد لمصر رمزي أكثر منه حقيقياً، (ورغم معرفة أسلافه بذلك أيضاً، بمن فى ذلك مرسي، فإنهم بدوا أكثر استمتاعاً بتغذية المشاعر المناهضة لإثيوبيا بين المصريين).
ويتم بناء سد النهضة الإثيوبى على بُعد أميال قليلة من الحدود مع السودان فى تضاريس صخرية غير مناسبة للزراعة، وسوف يولد هذا السد الكهرباء، ما يعنى أن إثيوبيا مثل مصر تريد للمياه أن تتدفق وليس أن تتوقف.
وعلاوة على ذلك، يتم بناء السد فى ممر ضيق على ارتفاع عال، وسوف يتم تخزين كميات كبيرة من المياه فى مساحة أقل ومناخ أبرد من بحيرة ناصر فى مصر، ما سيقلل معدل تبخر المياه ويحفظ المياه، وهذا من شأنه تحقيق استفادة لمصر أيضاً.
وبالنظر إلى هذه المصالح المشتركة، ينبغى أن تتعاون مصر مع إثيوبيا لإدارة مياه النيل، وقد قام السيسى ببداية قوية على هذا الصعيد العام الماضي، عندما أسست الدولتان لجنة ثنائية الجانب لبحث جميع جوانب سد النهضة الإثيوبي.
وحان الوقت لمصر أن تنضم لاتفاقية إطار التعاون الخاصة بمبادرة حوض النيل، والتى تم توقيعها فى 2012 لتعزيز «الإدارة المتكاملة، والتطوير المستدام، والانتفاع المتآلف» للنيل، وحمايته «لمصلحة أجيال الحاضر والمستقبل».
وقد تكون العلاقات الأفضل مع إثيوبيا، تذكرة مصر لإصلاح علاقاتها المتعثرة مع الحكومات الأخرى فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، خاصة أن هناك تعاطفاً قليلاً من القارة مع القاهرة؛ بسبب موقفها من نهر النيل حيث تبدو وكأنها تعوق تطور إثيوبيا بموجب اتفاقيات تعود للعصر الاستعماري.
وينبغى على السيسى، أن يستفيد من زيارته القادمة لأديس أبابا ليحقق أخيراً تقدماً بشأن الإدارة المشتركة للنيل، وهذا قد يفتح الطريق أمام مصر وإثيوبيا لإيجاد أرض مشتركة بشأن القضايا الشائكة مثل كيفية التعامل مع الصراعات الداخلية فى الصومال وجنوب السودان، وهذا بدوره، قد يشكل خطوةً إلى الأمام فى طريق الاستقرار الأكبر فى المنطقة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: نيويورك تايمز