بقلم: توماس فريدمان
فى مارس من العام الماضي، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلارى كلينتون، إن هجوم الرئيس الروسى على أوكرانيا، بزعم الدفاع عن المتحدثين بالروسية مثل ما فعله هتلر فى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما استخدم الأعراق الألمانية لتبرير غزوه لدول مجاورة.
حينها، اعتقدت أن هذه المقارنة مبالغ فيها، ولكنّى لا أعتقد ذلك اليوم، بل إننى أؤيد كلينتون؛ لأنها لفتت الانتباه للأشياء البغضية التى يقوم بها بوتين فى أوكرانيا، ناهيك عن دولته التى تم تخفيض تصنيفها الائتمانى دون الدرجة الاستثمارية.
واستخدام بوتين لقوات روسية ترتدى زياً عسكرياً دون شارة لتجتاح أوكرانيا وتساند سراً المتمردين الذين تدفع لهم موسكو، مغلفاً بشبكة من الأكاذيب التى كان جوزيف جوبلز، المروج للنازية، ليحمر خجلاً منها، وكل ذلك بهدف تدمير حركة الإصلاح الأوكرانية قبل أن تستطيع خلق نموذج ديمقراطي يستميل الروسيين أكثر من نظام بوتين المختلس، وهذا يعد أبشع نموذج للسطو الجيوسياسى فى العالم اليوم.
وفعلت الولايات المتحدة وألمانيا طيباً عندما نسقت عقوبات على روسيا، وبجانب قرار حكومة أوباما مؤخراً بنشر بعض القوات الأمريكية فى أوكرانيا فى الربيع لتدريب بعض الحرس الوطنى الأوكراني، أؤيد زيادة الدعم العسكرى للجيش الأوكرانى فى الوقت الحالى؛ حتى يدافع عن نفسه بشكل أفضل أمام الـ9000 جندى الذين سربهم بوتين إلى أوكرانيا.
كما تحتاج أوكرانيا أيضاً إلى 15 مليار دولار فى صورة قروض ومنح العام المقبل لبث الاستقرار فى اقتصادها، بالإضافة إلى حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وسقط الأوكرانيون فى حفرة عميقة للغاية حفرتها حكومات كييف ذات مستويات الفساد المرتفعة على مدار أكثر من 20 عاماً بعد استقلال الدولة عن الاتحاد السوفييتي.
ولكن هناك بصيصاً من الأمل لأن الثورة والانتخابات الأخيرة فى أوكرانيا جلبا جيلاً جديداً من الإصلاحيين الذين يصلحون الوزارات ويمررون قوانين الضرائب والشفافية سريعاً.
كما أنهم يرحبون بالمعايير الصعبة التى تعد شروطاً للحصول على مساعدات غربية، وبالتالى إذا أوفوا بوعودهم، فينبغى على الغرب أيضاً الوفاء بوعوده.
ويسافر وزير الخزانة الأمريكى جاك ليو عبر أوروبا الأسبوع الجارى؛ للاتفاق على حزمة المساعدات لكييف كأحد أسباب الزيارة، والتزمت الولايات المتحدة بالفعل بحصتها، ولكن لا يزال الاتحاد الأوروبى ممتنعاً قليلاً.
ويهدف بوتين إلى زعزعة الاستقرار بقدر كاف يجعل الغرب يمتنع عن تقديم المساعدة، وبالتالى يفشل الإصلاحيون الأوكرانيون ويفقدون مصداقيتهم، وهذا سيكون عاراً.
وقال الاقتصادى العالمي، جوروج سوروس، الذي يساعد على تعزيز الإصلاح الأوكراني، لمنتدى دافوس: «إن أوكرانيا الجديدة عازمة على أن تكون مختلفة عن أوكرانيا القديمة.. وما يجعلها فريدة من نوعها أنها ليست فقط راغبة فى المحاربة وإنما مصرة على الاشتراك فى تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الراديكالية».
وقد يكون لأوكرانيا تأثير على أسعار البترول ، فالعاملان الرئيسيان اللذان بإمكانهما تشكيل السعر اليوم، هما الملك الجديد للسعودية، سلمان، وقيصر روسيا، بوتين، فإذا قررت السعودية تخفيض الإنتاج بقدر كبير فسوف يرتفع السعر.
وإذا قرر بوتين احتلال أوكرانيا بأكملها، أو ربما أسوأ من ذلك، احتلال إحدى دول البلقان، واختبر إذا ما كان الناتو سيحاربه بالفعل ليدافع عنها، فإن سعر البترول سيرتفع.
ويعتمد نظام بوتين حاليا فى الغالب على صادرات البترول والغاز، خاصة أن الاقتصاد فى وضعٍ مزرٍ، وبالتالى هو يتضرر بشدة من انهيار أسعار البترول، ورغم أن احتمالات اجتياح بوتين لأوكرانيا أو إحدى دول البلقان منخفضة، لا يمكن استبعاد أي منهما.
ويعد إشعال فتيل أزمة جيوسياسية كبيرة مع الناتو طريقاً سهلاً لبوتين لرفع أسعار البترول، ولم ينجح التسلل السرى لقوات بوتين فى ذلك حتى الآن، وباختصار: ستتأثر أسعار البترول اليوم برجلين، الملك سلمان، وكيف يستخدم قدرته الفائضة فى إنتاج البترول، والقيصر بوتين، وكيف سيستخدم فائضه فى افتعال المشكلات.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: نيويورك تايمز