بقلم: نيكولاس كريستوف
من كان يعتقد أن هناك قصةً قد تبعث على الأمل فى سوريا ؟
ولكن يظهر- بجانب أسوأ ما فى البشرية- أفضلها، وفى سوريا يتمثل هذا الأفضل فى مجموعة من المتطوعين يطلق عليهم «الخوذ البيضاء»، يندفع أعضاؤها لكل قصف، يخرجون الناجين من تحت الأنقاض.
ويبلغ عدد المتطوعين فى حركة «الخوذ البيضاء» أكثر من 2200 متطوع، ومعظمهم رجال، ولكن هناك عدداً متزايداً من النساء أيضاً، وهم-جميعاً- لا يتقاضون أجراً، وغير مسلحين، ويخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين، وقالت الحركة إن أكثر من 80 منهم قتلوا أثناء تأدية الواجب، بسبب عودة الطائرات العسكرية السورية فى «غارة مزدوجة» فى معظم الأحيان، ملقيةً قنابل على المنقذين.
ويرتدون خوذاً بيضاء بسيطة كحماية ضعيفة لهم من القصف المزدوج، وهم حركة إنسانية بحتة، حتى أنهم أنقذوا بعضاً من ضباط جيش نظام الرئيس بشار الأسد، الذين كانوا يقصفونهم.
وهناك عدد كبير من التفجيرات والهجمات الصاروخية عبر سوريا كل يوم، وعلى مدار شهور، تعرضت المدينة الجميلة القديمة، حلب، إلى 50 قصفاً فى اليوم، وفى كل مرة كان أصحاب الخوذ البيضاء يطفئون الحرائق، ويساعدون الجرحى.
ومنذ تأسيس هذه الحركة فى 2013، أنقذ أعضاؤها أكثر من 12،500 شخص، وفقاً لحساباتها.
وأظهر فيديو صورته الحركة مجموعة من الخوذات البيضاء ترفع الأنقاض بسرعة بحماس، حيث كانوا يسمعون بكاء رضيع تحتها، وفى النهاية تمكن أحد المنقذين من مد يده فى صدع عميق وجذب الطفل الذى كان يبكى بشدة، ولكنه لم يتعرض لجراح خطيرة.
وسمحت لهم سمعتهم الإنسانية غير السياسية بالعمل عبر صفوف الميليشيات المتنافسة، بما فى ذلك الدولة الإسلامية، ففى أرض تفتقر إلى الأبطال وعانت طويلاً من العنف، يجتمع الكثيرون حول الخوذ البيضاء.
وربما تتوفر الوحشية والمعاناة بغزارة فى سوريا اليوم، ولكن هؤلاء الرجال والنساء هم بمثابة تذكير بالقدرة الإنسانية على الشجاعة والقوة والمرونة.
وأحد قيادات حركة الخوذ البيضاء يدعى فاروق الحبيب، ويبلغ من العمر 33 عاماً، وهو مصرفى سابق يتكلم الإنجليزية، وحاصل على دكتوراه فى الأعمال، وعندما بدأت الثورة السورية بشكل سلمى فى 2011، ظهر كقائد للحركة فى مدينة حمص، معتقداً أنه سيتم الإطاحة بنظام الأسد خلال أشهر قليلة.
ولكن لم يسر الأمر على هذا النحو، ودخل حبيب السجن، وتعرض للتعذيب فى 2012، واستطاع الأصدقاء رشوة السلطات لتخفيف التعذيب وإطلاق سراحه فى النهاية، وقال إن كل يوم تزهق الأرواح بسبب التعذيب فى السجن.
والآن يشارك حبيب فى إدارة حركة «الخوذ البيضاء»، التى تعيش على تمويل متواضع من الولايات المتحدة، وبريطانيا، ومانحين آخرين، وانضمت النساء إلى الحركة العام الماضى، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بعض السوريين المتحفظين لم يرغبوا فى حفر الأنقاض ليجدوا امرأة غير مرتدية ملابسها بالكامل.
وتقوم حركة الخوذ البيضاء، والتى تعرف أيضاً بالدفاع المدنى السورى، بحملة للضغط على الرئيس الأسد لوقف إسقاط ما يعرف بالبراميل المتفجرة، والتى تمتلئ بالشظايا، وتحصد أرواحاً مدنية كثيرة، وتؤكد الحركة أن الغرب يركز على الدولة الإسلامية، متجاهلاً عمليات القتل الأوسع التى يقوم بها الأسد.
وتعد سوريا أكبر فشل فى السياسة الخارجية للرئيس الأمريكى باراك أوباما، وليس من الواضح إذا كانت المناهج الأخرى سوف تنجح، ولكن الواضح أن سياسته وسياسات العالم فشلت.
ويقول حبيب «عندما بدأت الثورة، اعتقدنا أننا نتشارك القيم نفسها مع الغرب، ولكن أنا أخجل من أن أقول إن أصدقاءنا خذلونا، كان يجب أن يكون لنا أصدقاء مثل الصين، وروسيا، وإيران، لأنهم كانوا أكثر مصداقية».
والآن يعمل أوباما وقادة آخرون على الحلول العسكرية فى سوريا، ولكن المشكلة تكمن فى أنه قد لا تكون هناك أى حلول من هذا النوع، فتسليح الثوار كان سيفلح فى 2012، أما الآن، فقد تأخر الوقت كثيراً، وللأسف، هناك مشكلات أكثر من الحلول فى العلاقات الدولية.
أما ما نستطيع فعله الآن فهو تقديم المزيد من المساعدات للخوذ البيضاء، وفوق ذلك، ينبغى القيام بأكثر من ذلك بكثير لمساعدة اللاجئين السوريين فى الأردن، ولبنان وتركيا، خاصة أن معظم أطفالهم لا يذهبون للمدرسة طبقاً للأمم المتحدة، كما أن جيلاً كاملاً من السوريين الشباب ينشأ فى فقر وبدون تعليم، وفى بعض الحالات يصبح متطرفاً.
وتسحب الولايات المتحدة الآن القوات من مكافحة الإيبولا فى غرب أفريقيا- وهو انتشار ناجح للغاية يستحق أوباما عليه الثناء- فلماذا لا يتم إرسالهم فى مهمة مؤقتة إلى الأردن لبناء المدارس للاجئين السوريين؟
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «نيويورك تايمز»