تواجه دول العالم أزمات متكررة بشأن سداد ديونها منذ عهد المغامرات التجارية للملوك القدامى، إلى أزمة الأرجنتين الأخيرة وفشلها في الوفاء بالتزاماتها.
وقد تكرر فشل الدول في سداد ديونها مرارًا على مر التاريخ، حيث فشلت إسبانيا في القرن السادس عشر في عهد الملك “فيليب الثاني” في سداد ديونها لأكثر من 4 دول مدينة، كما تخلفت الأرجنتين واليونان مؤخرًا التزاماتهما أمام حملة السندات نحو 8 مرات خلال مائتي عام الماضية، بحسب مجلة “الإيكونوميست”.
وأشارت المجلة إلى أن معظم دول العالم تخلفت عن سداد ديونها مرة واحدة على الأقل في تاريخها، موضحة أنه عندما تتخلف دولة عن تسديد ديونها في الموعد المحدد يقال إنها “تخلفت عن السداد”، وهو المقابل لعبارة “أعلنت إفلاسها”.
والتخلف عن سداد الديون السيادية يختلف عن إفلاس الشركات، حيث إنه من الصعب على المقرضين أن يستعيدوا ملكيتهم من الدول المتخلفة عن السداد، مقارنة بالشركات التي لا تلتزم بسداد التزاماتها.
وتميل الدول المتعثرة إلى إعادة هيكلة ديونها، بدلا من إعلان نيتها عدم السداد نهائيا، وهو الإجراء الذي يمثل تقليص مقدار الدين بالاتفاق مع مشتري السندات السيادية، ما قد يمثل ضربة موجعة للمستثمرين.
وأوضحت “الإيكونوميست” أنه في عام 2001، وبعد تخلف الأرجنتين عن سداد ديونها، عرضت على دائنيها شراء الديون مقابل ثلث المبلغ الأصلي، حيث وافق 93% من المقرضين في النهاية على الاتفاق، بينما يظل “الرافضون” ويمثلهما صندوق “فينشر” الاستثماري ومستثمران آخران في انتظار سداد الأرجنتين لهم 1.3 مليار دولار مع الفوائد.
وفي تجربة اليونان، فشلت الدولة الأوروبية في سداد ديونها في عام 2012، ليضطر حاملو السندات إلى قبول 50% من قيمة استثمارتهم.
وتشير “الإيكونوميست” إلى أن في حالات أقل حدة، تطلب الدول إعادة هيكلة ديونها عن طريق منحها مزيدا من الوقت للسداد، وهو ما يخفض من القيمة الحالية للسندات، ويمثل ضربة موجعة أخرى للمستثمرين، وهو الرأي الذي يشير إليه محللون لحل أزمة الديون الأوكرانية.
ويمكن للتخلف عن السداد أن يكون أمرًا موجعًا بالنسبة للدولة المصدرة للسندات، خاصة في حال إذا كان الإجراء غير منظم أو متوقع، حيث يمكن للأفراد المحليين والمستثمرين الذين يخشون من تراجع قيمة العملة المحلية أن يتجهوا لسحب مدخراتهم من البنوك ونقلها لخارج البلاد.
ويمكن للحكومات أن تغلق البنوك وتفرض ضرائب على رأس المال، لمنع هروب المدخرات من البنوك والهبوط السريع للعملة المحلية.
وكإجراء عقابي لعدم السداد، ستتوقف أسواق رأس المال عن إقراض الدولة، أو ستفرض عليها معدلات فائدة مرتفعة للموافقة على الإقراض، كما أن مؤسسات التصنيف الائتماني ستطلق تحذيرات ضد الاستثمار في الدولة، وإن كان التاريخ يشير إلى أن المقرضين يميلون لمنح الدول أموالًا أخرى طالما يحصلون على مقابل للمخاطرة.
ونوه التقرير إلى خطورة غياب قانون أو محكمة دولية بشأن تسوية قضايا التخلف عن سداد الديون السيادية، وهو ما يفسر التباين في حدة وطول تسوية قضايا الديون السيادية، مطالبًا لمزيد من التنظيم الدولي بشأن سوق السندات السيادية العالمية.
وتوجد اقتراحات دولية مؤخرًا بشأن وجود سلطات لمنع سيطرة الأقلية في حال عدم القدرة على السداد، وكان أول طروحات السندات وفقًا للاقتراحات الجديدة تم طرحها عن طريق كازاخستان وفيتنام، وإن كانت هذه الاقتراحات لا تقدم حلولا للوضع القائم بالفعل بشأن سوق السندات السيادية العالمية الذي يتجاوز 900 مليار دولار.