بقلم: روبرت دى كابلان
تعد سياسة التهدئة أداةً دبلوماسيةً تستخدم منذ قديم الأزل، ويمكن أن تكون أداة مبررة، ولكنها لا ينبغى أن تكون إطاراً فكرياً لقارة بأكملها، ومع ذلك، فلا يوجد كلمة تصف المزاج العام فى أوروبا أفضل من التهدئة.
ويقال إن الأوروبيين يتمتعون بحرية عزيزة، ولكن، فى الواقع، هم لا يريدون التضحية بأى شىء فى سبيل الحفاظ عليها، ولا ينفق سوى حوالى 6 أعضاء من بين 28 عضواً فى حلف الناتو %2 من الناتج المحلى الإجمالى على الدفاع، وهو الحد الأدنى الذى يقره الحلف، وعندما حقّر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين من شأن دولة أوكرانيا الاستراتيجية، وقفت الدول الأعضاء وراقبت الموقف دون تحرك.
وهذا جزء من عدم قدرة الاتحاد الأوروبى على التعامل مع مشكلاته الاقتصادية الخاصة به، ومهما يدّعون، فكل دولة عضو فى الاتحاد لا تتبع سوى المصلحة الوطنية دون الاهتمام بما هو الأفضل لأوروبا.
ورغم العقود التى مرت فى المشروع الأوروبي، فلا يزال الولاء حتى النخاع للاتحاد غائباً، وببساطة لا يوجد هدف أكبر ولا شيء للقتال من أجله سوى تقديم حياة جيدة تحت أنظمة الرفاه الاجتماعية الحكومية.
وتقلص الدور الأوروبى على مدار العقود السابقة، وتحولت القارة إلى نظام تشريعي، ومع ذلك، النظام القائم على قواعد ليس بديلاً للقناعات، حتى وإن كان يعتمد أكثر على حماية حقوق الأفراد، وبدلاً من ذلك ينبغى أن يتطور هذا النظام، ويفرز هدفاً وطنياً قوياً ومحدداً، وقد يكون هناك هدف شامل فى بروكسل، ولكن ليس فى الشارع الأوروبي.
وبسبب شعورهم الهزيل بالهدف القومي، تنازلت النخب الأوروبية فى عدة دول عن جزء كبير من الساحة السياسية لليمين واليسار المتطرفين، ما أدى إلى ظهور قومية شعبوية، وعلِقت هذه النخب فى المنتصف، فهى تبحث عن طرق للتهدئة مع بوتين من ناحية، ومع الأحزاب المتطرفة فى شعوبهم من ناحية أخرى.
وتعيش النخب الأوروبية خارج العصر التاريخي، ويعنى العيش فى حدود التاريخ أن تعيش فى عالم التهديدات فيه متواصلة ولا يوجد حارس ليحفظ السلام بين الأمم، وبالتالى ينبغى على الأمم الحفاظ على سلامها بأنفسها من خلال موازنة القوى، لكن على مدار 70 عاماً، اعتمدت أوروبا على الولايات المتحدة لتكون حارساً للسلام، وضامناً لسلامة القارة، وبالتالى تنفق أوروبا القليل على الدفاع، والكثير على جودة الحياة.
ولكن مظلة الأمن الأمريكية تلك لن تستمر للأبد، فادّعاءات الرئيس الأمريكى باراك اوباما بأنه لا يمتلك حلاً للتعامل مع بوتين يخبر القليل عن السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي، والكثير عن التحول التدريجى فى الرأى الأمريكي، فلماذا ستدافع أمريكا عن قارة لن تدافع عن نفسها؟
وقريباً سيتوفى المحاربون القدامى المتبقون من الحرب العالمية الثانية، ويحل محل النخبة الأوروبية، التى أثرت فى السياسات الخارجية والدفاعية فى الولايات المتحدة، رجال ونساء شباب ومشرقون، ومعظمهم ذرية المهاجرين من آسيا وأمريكا الجنوبية، والذين يحملون معهم خبرات عائلية، وأولويات عاطفية مختلفة.
ويتزامن ذلك مع التحديات والفرص الأمنية التى تواجه الولايات المتحدة خارج أوروبا، خاصة فى آسيا حيث يرغب حلفاء أمريكا فى تطوير جيوش قوية.
فعلى سبيل المثال، أظهرت إسرائيل – التى تساندها الولايات المتحدة وتتعاطف معها بقوة منذ أكثر من نصف قرن، ورغم كل ما يفعله ساستها أحياناً لمضايقة السياسة الأمريكية – رغبة فى الدفاع عن نفسها وهذا ناتج عن العزم الوطنى القاسى والجرىء.
وكلمة الجرأة ليست الكلمة المناسبة لوصف الطبقة السياسية الأوروبية، وإذا لم يتغير ذلك، فلن يكون هناك رئيس أمريكى ملتزم تجاه أوروبا كما كان أسلافه خلال الحرب الباردة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»