خلافات الوزراء تطرح تساؤلات حول طريقة إدارة مجلس الوزراء
من يتحمل مسئولية خسائر الدولة والمستثمرين وتبديد نتائج المؤتمر الاقتصادى
احتفت البورصة أمس بقرار تأجيل الضريبة الرأسمالية لمدة عامين، وسجلت ثانى أعلى ارتفاع يومى لمؤشرها تاريخياً فى رد بالغ على من سعوا للتشكيك فى علاقة نزيف وخسائر السوق بسياسة الجباية والغموض والارتباك الذى صاحب فرض الضريبة وطريقة حسابها، وبالتأكيد ليست الضريبة الوحيدة المسئولة عن النزيف، ولكنها كانت القشة التى قصمت ظهر البعير وألحقت بالمتعاملين خسائر فادحة، وحولت السوق إلى أحد أسوأ البورصات عالمياً منذ بداية العام بعد كل الأزمات الاقتصادية والمالية التى تمر بها البلاد منذ سنوات.
ورغم افتتاح رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب لجلسة التداول أمس عقب قرار تأجيل الضريبة، فإن المسئول الأول عما جرى بالبورصة المصرية خلال الأشهر الماضية هو محلب ذاته وليس بالتأكيد وزير المالية هانى دميان الذى تمسك بالضريبة، ولم يحسم هو وفريق مصلحة الضرائب الجدل واللغط والغموض والتعارض فى طريقة حسابها لأشهر طويلة منذ صدور القانون فى يوليو 2014، وصدور اللائحة فى أبريل 2015 إلى توقيت التأجيل.
فترة التأجيل وبأى طريقة سيتم تطبيقها وهو ما يؤكد أن الحكومة لا تعرف إلى أين تتجه، فاختارت التأجيل، وهى سياسة لا تصلح مع دولة تسعى لبناء اقتصاد وجذب مستثمرين بلا وضوح فى الرؤية أو السياسات عكس كل ما يُقال وما يُصرح به.
لم يكن فرض ضريبة هو المشكلة الأساسية بدليل أن المتعاملين بالبورصة استوعبوا قبل ذلك فرض واحد فى الألف على التعاملات كضريبة دمغة بسهولة حسابها ومناسبتها لطبيعة السوق والمستثمرين، إلا ان سياسة العناد وعدم الاكتراث لرأى أصحاب الخبرات فى سوق الأوراق المالية أو الاستناد إلى دراسة علمية حقيقية وتعمد إرهاق وعقاب المتعاملين، أصابت جميع الأطراف بما فيها الدولة ذاتها.بخسائر فادحة
وزير المالية تمسك بموقفه رغم أنه فشل فى تبرير فرض الضريبة وطريقة حسابها التى لم يفهمها أحد وأكد واقع السوق أن الحصيلة المتوقعة من الضريبة ما هى إلا أوهام لم تنتج عن دراسة حقيقية لأداء السوق خلال السنوات الماضية، ورغم رفض وزراء بالمجموعة الاقتصادية للضريبة ومطالبتهم على الأقل بتعديل الغموض والازدواجية فيها فى أكثر من جهة والمحاولات العديدة من أطراف عديدة بالسوق لتوضيح الآثار السلبية لتلك الضريبة، إلا أن الوزير لم يحرك ساكناً لذلك فى تحدٍ للجميع.
جرى كل ما جرى حتى وصلت البورصة إلى انتحار مستثمر أمام مترو الأنفاق بعد أن فقد ما يملك ليس بسبب أنه لا يفهم قواعد الاستثمار فى البورصة أو لإساءته اتخاذ قرار الاستثمار، ولكن لأن الحكومة قررت أن تعصف بالقطاع الوحيد الذى ظلت تلجأ إليه باعتباره مؤشراً على جاذبية الاستثمار فى مصر، إنه الأداء القوى للبورصة ومؤشرها قبل أن تعاقب الحكومة نفسها والمستثمرين والاقتصاد المصرى بأن تصم أذنيها عما جرى بالسوق، وكأنها حكومة فى بلد آخر.
محلب بصفته رئيساً للوزراء هو المسئول عن التراخى فى حسم الجدل ووقف مهزلة الضريبة وأثارها ومحاسبة من اقترحها وقبل ذلك محاسبة نفسه كيف وافق على فرض هذه الضريبة بدون دراسة كافية، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول طريقة اتخاذ القرارات داخل مجلس الوزراء وهل تدار الحكومة بطريقة مؤسسية أم أن كل وزير يدير وزارته بسياسة وقواعد خاصة تتلاءم مع طبيعة الوزير ونرجسيته ومحاولة تلميع نفسه، وهو ما ظهر فى العديد من المشروعات التى يتبارى وزراء محلب فى الإعلان عنها وترويجها للإعلام بلا دراسة أو مصادر تمويل.
ولأن الحكومة تسير بسرعة السلحفاة وتصر على ذلك فإنها قررت أيضاً تأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية وليس إلغاءها حتى تتكرر مأساة السوق بعد أشهر مع إثارة مصير الضرائب وهل ستطبق أم لا؟
ألم تخسر الحكومة من فرض الضريبة بتراجع قيمة أسهم الشركات العامة والتأمينات وبنك الاستثمار القومى ومختلف تلك المؤسسات خسارة قيمة ضريبة الدمغة التى كانت تحتسب يومياً ويتم اقتطاعها وتوريدها وخسارة المصداقية أمام المستثمرين الأجانب وتبديد المناخ الإيجابى الذى خلقه المؤتمر الاقتصادى، فهل هناك أحد سيتم حسابه على تلك الخسائر؟
وهل خسارة المستثمرين هى خسارة لهم أم أيضاً للبلاد، فبعد تآكل قيمة أسهمهم وقيام المقرضين بالبيع للأسهم المشتراة بالمارجن والخسائر الفادحة التى تعرضوا لها هل مازالوا قادرين على المساهمة فى زيادة رؤوس أموال الشركات وتغطية الطروحات الجديدة بالطبع باتت قدرتهم أقل، لأن ما تعرضوا له من خسائر يحتاج لسنوات لتعويضه.
ما جرى فى البورصة يحدث فى شتى القطاعات يومياً مع الاستجابة البطيئة للحكومة وغياب الانسجام والتكامل بين وزرائها ولأن البورصة فضحت الأداء الحكومى على شاشاتها بالنزيف فقد اتضح حجم التخاذل الحكومى، إلا أن قطاعات كالصحة والتعليم والتصدير وغيرها تتعرض أيضاً لبطء الحكومة فى التعامل مع مشكلاتها وما تسببه يومياً من خسائر للمجتمع والمستثمرين.
تأجيل الضريبة الرأسمالية هو تجميل للوجه القبيح لسياسة الجباية والازدواجية فضريبة التوزيعات النقدية ازدواجية وعقاب للمستثمرين الذين يخاطرون بأموالهم، مقارنة بمن يضعون أموالهم فى البنوك من أجل أن تقرضها للحكومة التى تستهدف تحقيق معدلات أعلى للنمو لن تتحقق إلا بمزيد من الاستثمار الذى تقتله يوماً بعد يوم، ولأنه لا ضريبة سوى بقانون أو إلغاء إلا بقانون ومع عدم صدور قانون بالتأجيل حتى الآن، فعلى أطراف سوق المال والمستثمرين أن يطالبوا الرئيس بإلغاء الضريبة وليس تأجيلها حتى لا يكون السوق عرضة لمذابح أخرى مع تحديد مصير الضريبة المؤجلة ويكون ردهم بشكل واضح على قرار محلب بأن التأجيل لا يكفى وهذه معركة أخرى لابد أن يخوضها السوق خلال الايام المقبلة مع مؤسسة الرئاسة بعيدا عن الحكومة التى تسير بسرعة السلحفاة.