عدت هذا الاسبوع إلى أمام المحكمة لإثبات برائتي في إعادة محاكمتي بتهمة عضويتي في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، التي تم إعلانها منظمة إرهابية في مصر منذ ديسمبر 2013، وأنني سعيت للإضرار بسمعة وأمن البلاد، وأمضيت بالفعل 412 يوما في الحجز قبل إلغاء حكم الإدانة في المحاكمة الأولى في الاستئناف الذي قدمته أوائل العام الجاري، وثبت أن تهم الارهاب ضدي وضد زميلي باهر محمد لا أساس لها من الصحة، وتتعلق التهمة الثانية بعملنا في شبكة الجزيرة الإعلامية المملوكة لقطر.
وفي أعقاب الإطاحة بالرئيس المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، في عام 2013، بدأت مصر في حظر بث قناة الجزيرة العربية في البلاد المعروفة باسم مباشر مصر، لأنها كانت تعتبر دعاية لجماعة الاخوان المسلمين برعاية قطرية، وكنت رئيس مكتب قناة الجزيرة التي تبث بالانجليزية، وهي قناة منفصلة تلتزم بأعلى معايير الصحافة واعتقدنا أن ذلك سيحمينا من اتهامات الانحياز ولكننا كنا مخطئين.
ووجدت نفسي أنا وباهر في قفص الاتهام مرة أخرى نناضل من أجل تجنب السجن لمدة طويلة، ولكن صديقنا وزميلنا الصحفي في الجزيرة، بيتير جريستي، لن يكون معنا، بفضل جهود حكومته الاستراليه لحصوله على حريته.
وفي إعادة المحاكمة، سنقول إننا واصلنا العمل رغم حظر البث لأننا نؤمن أن قناة الجزيرة الناطقة باللغة الانجليزية كانت مستثناه والجزيرة فشلت في الحصول على توضيح قانوني من السلطات المصرية، وإذا كان هناك كان هناك أي انتهاكات نتيجة لذلك في قوانين الترخيص، والتي ستكون في أي حال من الأحوال مجرد جنحة، فالقائمين على شبكة قناة الجزيرة في قطر، هم من يتعين عليهم دفع الغرامة وليس نحن، وسيتم النطق بالحكم النهائي أواخر الشهر الجاري.
وتقترب محنتي التي استمرت 18 شهرا من نهايتها، إلا أنني أشعر بالاستياء لأن حياتي وحياة أسرتي انقلبت رأسا على عقب، ومع ذلك فإن غضبي ليس موجها في المقام الأول إلى النيابة العامة أو القضاء أو حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بل موجّه إلى قناة الجزيرة.
ومن المعروف أن شبكة قناة الجزيرة عملت على استعداء السلطات المصرية من خلال تحدي قرار المحكمة بحظر بث قناة الجزيرة التي تبث باللغة العربية، وأرى أن وراء ذلك كان يختفي رغبة العائلة المالكة القطرية في التدخل في شؤون مصر الداخلية، في حين استخدم القائمين على أعمال شبكة قناة الجزيرة في الدوحة مكتب الجزيرة الانجليزية لمنح مخططهم نوعا من الاحترام الدولي، وجعلتنا قطع شطرنج في لعبة قطر الجيوسياسية.
وفي منتصف طريق محاكمتنا الأولى العام الماضي، قوضت الجزيرة دفاعنا عندما رفعت دعوى قضائية ضد مصر وطالبتها بدفع غرامة تبلغ 150 مليون دولار تعويضا عن خسائرها التجارية في مصر، وانتقد محامي شبكة قناة الجزيرة الموكل بقضيتنا تلك الدعوى القضائية وانسحب من القضية، وقال للمحكمة: “إن الجزيرة تستخدم موكلي”، وذلك وفقا لوكالة فرانس بريس، وأضاف: ” لدي رسائل الكترونية من القناة تقول فيها إنها لا تأبه بموقف المتهمين ولكهم أكثر اهتماما بإهانة مصر”، ولهذا السبب رفعت دعوى قضائية في كندا ضد الجزيرة، نظرا لأنني أحمل الجنسية الكندية، وأعتزم تحميل شبكة قناة الجزيرة مسؤلية سلوكها المهمل، وأسعى للحصول على 83 مليون دولار تعويضا عن محنتي.
وعندما بدأ بث الجزيرة عام 1996، كان يُشاد بقطر على نطاق واسع بتفكيرها المستنير، وكانت تغطية شبكة قناة الجزيرة للأخبار على مدار 24 ساعة متنفسا جديدا على الساحة الإعلامية الخاملة في الشرق الأوسط، وتقوم الشبكات الإخبارية الدولية، مثل قناة الجزيرة الانجليزية، بتعيين أفضل الأسماء في الصحافة.
وانبهرت مثل الكثير من الشباب العربي بقناة الجزيرة، إذ كانت تبدو نموذجا للبث الشجاع في منطقة لا تتصف بدعم حرية التعبير، وظل هذا رأي حتى أصبحت مديرا لمكتب القناة في القاهرة في سبتمبر 2013، وأدركت حينئذ مدى انخداعي، مثل جمهور المشاهدين، ورأيت كيف تستخدم قطر قناة الجزيرة كأداة فعالة من أدوات سياساتها الخارجية.
وتجاهلت إدارة الجزيرة إخباري بأنها تمد نشطاء الإخوان المسلمين في مصر بكاميرات الفيديو وتدفع لهم مقابل تصوير الأحداث التي كانت تبث على قناة الجزيرة مباشر المحظورة دون توضيح مصدرها السياسي، وخلال احتجازي التقيت بعدد من المسجونين الذين شرحوا لي كيف كان يتم ذلك ورأيت وثائق قضائية تؤكد ذلك، وتخطى مدراء الجزيرة الخطوط الحمراء الأخلاقية، فمن خلال محاولاتها التلاعب بسياسة مصر الداخلية، عرّضوا موظفيهم للخطر.
وستواصل قطر والجزيرة حديثها عن القيم التقدمية ودعم حرية التعبير في المنطقة، فمنذ يومين فقط، قال سفير قطر لدى الأمم المتحدة لمجلس الأمن إن دولته تدعم مساعي تعزيز أمن الصحفيين وصوتت لصالح قرار يدعو لتوفير بيئة آمنة ونواتية للصحفيين والإعلاميين لإداء عملهم على نحو مستقل ودون تدخل غير مبرر.
وأتسائل كيف يشعر الشاعر القطري محمد العجمي وهو يقضي حكما بالسجن مدى الحياة لانتقاده الأمير في قصيده شعرية، ولن تلقي الجزيرة الضوء على قضيته في أي وقت قريب، وأدركت أن مطالبات الجزيرة التي تبدو نبيلة ليست سوى تمويه لامع.
بقلم محمد فهمى
المصدر: نيويورك تايمز