«تسيبراس» تلميذ «بوتين» في صناعة العداء مع الشركاء الأوروبيين
صندوق النقد: اليونان بحاجة إلي التمويل أكثر من الصراع
فشل رئيس وزراء اليونان أكسيس تسيبراس في كل شيء، عدا أنه أبهر العالم بقدراته علي فقد الأصدقاء، فبينما تمد أوروبا كلها إليه يدها لإنقاذ بلاده من الإفلاس، سار هو علي طريق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صناعة الأعداء.
ففي الوقت الذي رصدت دول الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد اليوناني مقابل حزمة من الإصلاحات لإعادة هيكلة واحدة من أكبر الدول التي تشهد ميزانيتها إهداراً للمال، وسوء توزيع للثروة، تعنتت حكومة تسيبراس مصممة علي أن تحصل علي كل شيء مقابل لا شيء، حتي نصيحة الألمان لليونانيين بالاستيقاظ مبكراً للعمل قوبلت باستهجان كبير!!.
ولا يختلف ذلك كثيراً عما فعله بوتين وأدي لتدمير أوكرانيا، فبدلاً من تشجيع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش علي تطبيق إصلاحات فورية في البلاد، دعم بوتين حكمه الفاسد، بل زاد الطين بلة عندما دعم المسلحين المتمردين في شرق البلاد والحركات الانفصالية هناك، ناهيك عن الاستيلاء علي جزيرة القرم باستفتاء مصنوع بطريقة سوفيتية بحتة، فاتحاً بذلك جبهة عداء موحدة له في أوروبا، أحد أهم أسواق الطاقة لبلاده.
والاستفتاء المفاجئ الذي دعا إليه بعد تعثر المفاوضات مع الدائنين في البلاد محاولة من رئيس الوزراء اليوناني لخوض مرحلة من التحدي الجديد حث فيها اليونانيين علي التصويت بـ»لا» للتقشف والابتزاز من الدائنين الأوروبيين.
وأبلغ تسيبراس عشرات الآلاف من مؤيديه في أثينا مساء الجمعة أن التصويت بالرفض في استفتاء الأحد سيمثل خياراً للعيش بكرامة في أوروبا، لكن بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء سواء كانت بنعم أم لا، فإن ثمن إضاعة الوقت سيكون باهظاً جداً حتي لو تحقق أمل قادة الاتحاد الأوروبي، بالتصويت بـ«نعم» من أجل بقاء الدولة ضمن منطقة اليورو والأسرة الأوروبية الأوسع نطاقاً.
وبحسب تحليل لصندوق النقد الدولي، فإن عواقب تصرفات الحكومة الحالية مأساوية، فبعد تحسن أداء الدين الأساسي، وبالتالي تحسن الاقتصاد، عادت اثينا لتحتاج مزيداً من تمويل الإنقاذ من الدائنين الرسميين، إلي جانب المزيد من تخفيف عبء الديون، أكثر من حاجتها إلي خلق الصراع والعداء.
والأسوأ من ذلك، أن هذه الحسابات تدهورت أكثر بعد القرار المتهور الذي أصدره تسيبراس، بالدعوة إلي استفتاء علي شروط الإنقاذ والحملة الكبيرة لرفض هذه الشروط. وبدورها ألحقت هذه الحملة مزيداً من الأضرار بالاقتصاد من خلال إغلاق البنوك في البلاد، ومفاوضاتها مع الدائنين علي حد سواء، وتسببت في أن تكون اليونان أول دولة متقدمة تتخلف عن سداد مستحقات صندوق النقد الدولي.
وبنظرة سريعة علي البيانات يتضح التحسن الملحوظ بفضل خطة الإنقاذ التي يرفض النظام اليوناني الحالي مواصلتها، فبالتأكيد انخفض حجم الانكماش اليوناني بنحو 27.4% من الناتج المحلي الإجمالي من ذروته في ربيع عام 2007، في حين عانت بعض الدول في المنطقة مثل البرتغال، علي سبيل المثال، انخفاضاً 9.6% بين أوائل عام 2008 وبداية عام 2013.
خلال الربع الثالث من العام الماضي كانت اليونان واحدة من الاقتصادات الأقوي نمواً في منطقة اليورو، فقد أشار التقرير إلي أن أداء الصادرات، التي كانت كئيبة معظم السنوات الخمس الماضية بسبب الركود العالمي في صناعة النقل البحري، تحسنت كثيراً.
وارتفعت الصادرات من حيث القيمة الحقيقية بنسبة 9% في العام الماضي، وساعد ذلك علي تمتعها بموسم سياحي مزدهر.
ومع ذلك عادت البلاد للأزمة مرة أخري، واحتلت لقب صاحبة أكبر تعثر في التاريخ، ورابع أشد إعادة هيكلة للدين العام في البلدان المتوسطة إلي المرتفعة الدخل منذ عام 1975.
وذكرت مجلة الإيكونوميست أنه في مواجهة أزمة الديون لم تتوصل اليونان ودائنوها إلي اتفاق بشأن توسيع عملية الإنقاذ، حيث إن البلاد بحاجة إلي الاستمرار في دفع فواتيرها.
وانهارت الثقة بين الجانبين بالكامل تقريباً، وفشلت اليونان في دفع 1.72 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، وهو أكبر تعثر عن السداد في تاريخ الصندوق.
وبعد خمس سنوات من أزمة الديون، عانت البلاد من فقدان 25% من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدل البطالة الذي يبلغ حالياً أكثر من 50% بين الشباب ومن المرجح أن تترك اليونان منطقة اليورو، وربما الاتحاد الأوروبي.