البترول شريان الحياة لكثير من البلدان التى تنتجه وتبيعه، ويبدو أن تحول أسعاره بسرعة كبيرة سوف يؤدى إلى لعنة اقتصادية لم نشهدها من قبل.
قبل عام، كان السعر العالمى لبرميل البترول حوالى 103 دولارات للبرميل وبحلول يوم الاثنين الماضى هبط السعر إلى حوالى 42 دولاراً بنسبة 6% عن يوم الجمعة.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، الأمريكية أن انخفاض أسعار البترول سوف تدفع المنتجين إلى حافة الهاوية، فعلى سبيل المثال يتزايد فى العراق، الدولة الغنية بالبترول، تمرد تنظيم الدولة وتتأرجح فيها تهديدات السياسة الطائفية المنقسمة واندلع فيها مصدر جديد لعدم الاستقرار الشهر الجارى بسبب الاحتجاجات العنيفة جرّاء فشل الحكومة فى توفير الكهرباء.
وفى روسيا، أكبر منتج للبترول فى العالم تشهد أزمة اقتصادية، حيث يتراجع فيها قيمة الروبل، وتشهد اضطرابات سياسية بعد أزمة شبه جزيرة القرم.
وفى نيجيريا وفنزويلا، اللتان تعتمدان بشكل شبه كامل على صادرات البترول يسيطران عليهما المخاوف من الاضطرابات وعدم الاستقرار الاقتصادى.
وفى الإكوادور، انخفضت عائدات البترول بمقدار النصف تقريباً منذ العام الماضى، وعشرات الآلاف من المتظاهرين يندفعون فى الشوارع أسبوعياً بسبب غضبهم من السياسات الاقتصادية للحكومة.
حتى المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للبترول فى منظمة الأوبك، والتى تنفق فيها الأسرة الحاكمة أموال البترول بسخاء للحفاظ على شرعيتها، تحرق الحكومة ما يقرب من 10 مليارات دولار شهرياً من الاحتياطيات الأجنبية للمساعدة فى دفع النفقات وتقترض فى الأسواق المالية للمرة الأولى منذ عام 2007.
وتواجه دول عربية أخرى والتى تعتمد على صادرات البترول بما فى ذلك الكويت وعمان، والبحرين، العجز المالى للمرة الأولى منذ عقدين من الزمن. كانت تراجعات الاسعار منذ شهور تتحوط دائماً بافتراض أن البترول سوف يستقر فى نهاية المطاف أو على الأقل لا تظل أسعاره منخفضة لفترة طويلة، إلا أن المخاوف الجديدة بشأن الضعف فى الصين، والمستهلكين الأكثر شراهة فى عالم للطاقة أثاروا مخاوف من أن أسعار البترول قد تنخفض 30% أقل مما كانت عليه قبل بضعة أشهر.
ويمكن أن تبقى الأسعار متدنية وقتاً طويلاً فى ظل التوقعات القاتمة، وتلحق ضرراً أكثر عمقاً للدول المصدرة. وقال رينيه أورتيز، وزير الطاقة السابق فى الاكوادور، إن الألم سيكون صعباً جداً لهذه البلدان، حيث حلمت هذه البلدان أن هذه الأسعار المنخفضة سوف تكون مؤقتة ولكنها الآن فاقت كل التوقعات. واوضح أورتيز، أن جميع الدول الكبرى المصدرة للبترول خسرت العام الماضى ما يقرب من تريليون دولار فى مبيعات الذهب الأسود بسبب انخفاض الأسعار خلال العام الماضى.
واشار دانيال يرغين، نائب رئيس اى اتش اس، الشركة الرائدة فى مجال تزويد معلومات السوق، إلى أن صناعة البترول تشهد ضعفاً واضحاً من تباطؤ الاقتصاد الصينى الذى يوشك ان يتسبب فى إحداث صدمة اقتصادية فى العالم.
وعلى الرغم من أن انخفاض سعر البترول قد أضر بشكل مباشر الدول المصدرة له، فإنه أيضاً قد يؤدى إلى مرحلة جديدة من هشاشة الاقتصاد العالمى التى قد تضر جميع البلدان وهو القلق الذى كان بالفعل واضحاً فى أسواق الأسهم الأيام الماضية. أفاد بعض المحللين السياسيين، بإن البلدان التى يمكن أن تستخدم ثرواتها النفطية كوسيلة ضغط، مثل روسيا وإيران والمملكة العربية السعودية، قد لا يكون له تأثير كبير، كما كان من قبل. فإيران، التى أكدت مرات إمكانية صمودها أمام الحصار الغربى، على ما يبدو أنها قد أعادت النظر فى حساباتها مرة أخرى وتوصلت إلى اتفاق بشأن أنشطتها النووية الشهر الماضى.
وقال لؤى آل خاطيب، زميل غير مقيم فى قسم السياسة الخارجية لدى مركز بروكنجز الدوحة اننا نشهد منافسة بين الدول الأعضاء على حصتها فى السوق، ومعظم هذه البلدان تعتمد على البترول كمصدر رئيسى للدخل.
وأضاف “فى حال عدم عودة الاسعار إلى مستوى 60 دولاراً للبرميل فالدول فى المنطقة العربية سوف تستمر إلى الاعتماد على عائدات البترول بشكل كبير، ويمكننا أن نرى عقوداً من التدهور.
إن عدم خف الإنتاج فى الولايات المتحدة قد يدفع سعر البرميل للاستقرار عند 30 دولاراً وهو أدنى مستوى منذ الركود الاقتصادى والأزمة المالية العالمية فى 2008. وأكدّ ديفيدغولدوين، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية ومنسق للشئون الدولية الطاقة فى إدارة أوباما، إن النزيف فى الميزانيات الحكومية التى تعتمد دولها على البترول سيجبر إلى تخفيضات كبيرة فى الإنفاق أو زيادة خطيرة فى الاقتراض.
وأضاف أن البلدان التى لا تملك احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبى هى الأكثر عرضة للخطر، وتشمل نيجيريا وأنجولا والجزائر وفنزويلا والعراق وتحتاج دولاً أخرى إلى مواصلة الاستثمار للحفاظ على الشرعية السياسية مثل البرازيل وروسيا وإيران.
وبحسب صندوق النقد الدولى فمن المتوقع اتساع العجز المالى فى الميزانية السعودية ليصل إلى 150 مليار دولار أو حوالى 20% من الناتج المحلى الإجمالى هذا العام مقارنة مع 3% فقط العام الماضى.