جولة لـ”البورصة” داخل شركات الصرافة تكشف طرق التحايل علي قرارات “المركزي”
8.5 جنيه للدولار داخل مصر وعمولة توصيله للخارج 5%
الشركات تسعي لتأسيس مكاتب في الدول المستوردة لتفادي نقص العملة
الخولي: أزمة تحويل الدولار تقلص من التنافسية الاستثمارية لمصر
تجار العملة: السوق السوداء قائمة علي الحسابات الدولارية في الخارج للأفراد وشركات تصدير صغيرة
يطلق عليه “العملة الصعبة” ويتداول في سوقين، الأولى تنظمه الدولة والثاني “موازي” ويُتهم من يتعاملون فيه بتجارة العملة، صعوبة الدولار تكمن في كيفية الحصول عليه لتسهيل عملية الاستيراد وتمتد إلى صعوبة استخدامه، بعد وضع البنك المركزي المصري مؤخرًا ضوابط للإيداع.
السوق واجه قرارات “المركزي” بحيل للتغلب عليها، منها تأسيس مكاتب في الدول المصدرة لمصر وتحويل القيمة الدولارية المطلوبة للاستيراد إلى حساباتها بجانب استغلال حسابات الشركات المصرية المصدرة للخارج في الحصول علي الدولار بسعر بيعه في السوق السوداء أو مقابل عمولة، فيما لجأ مستوردون إلى تصدير بعض السلع المصرية للخارج لتوفير سيولة دولارية تغطي احتياجاتهم.
وفي محاولة لرصد آلية حصول المستثمرين علي الدولار، كشفت مصادر بسوق العملة عن مصادر حصول المستثمرين في مصر علي الدولار وسبل تحويله للخارج بالتحايل علي تشديدات “المركزي” الخاصة بتحديد قيم الإيداع الدولاري لدي البنوك بحيث ألا تزيد علي 10 آلاف دولار يوميًا وبحد أقصي 50 ألف دولار شهريًا.
في البداية، قال مجدي رياض تاجر عملة بمنطقة العتبة وسط القاهرة، إن قرارات البنك المركزي الأخيرة تهدف إلي القضاء علي سوق الدولار السوداء، لكنها أدت إلي ارتفاع سعره ليصل الدولار إلي 8.5 جنيه في ظل تزايد الطلب علي العملة الأمريكة من قبل المستوردين.
أضاف أن الشركات بحثت عن حلول لتجاوز قرارات “المركزي” حتي تتمكن من استيراد احتياجاتها من الخارج لتفادي مدة قوائم الانتظار بالبنوك والتي تصل 6 أشهر.
أوضح رياض أن “الشركات المستوردة أرسلت خطابات للمصدرين في الخارج لإيجاد حلول لعملية الاستيراد وقامت الشركات المصدرة بفتح فروعا لها بمصر ومنها شركات صينية وذلك لإتمام عملية التعاقد والحصول علي الدولار “يداً بيد” من داخل مصر ثم يتم إرسال البضائع في المواعيد المتفق عليها دون المرور بإجراءات القطاع المصرفي”.
أشار إلي طرق أخري منها التعاقد مع الشركات المصرية المصدرة التي تمتلك وفرة دولارية في حسابات بالخارج لتقوم بتحويل قيمة عملية الاستيراد المتفق عليها لحساب الشركة الأجنبية علي أن يتم تحويل المبلغ بالجنيه المصري في حساب هذه الشركة بسعر الدولار في السوق السوداء.
أضاف “بهذه الطريقة تستفيد الشركات المصرية المصدرة والمستوردة، حيث تقوم الشركات المصدرة ببيع الدولارات المتوفرة لديها في حسابها بالخارج بسعر أعلي من البنك المركزي وتتمكن الشركات المستوردة من إتمام صفقاتها دون انتظار القطاع المصرفي”.
وحول الشركات المستوردة التي تتعامل معه، قال رياض، إن أغلبها شركات صغيرة ومتوسطة الحجم ويتراوح حجم طلباتها الدولارية من 5 إلي 10 ملايين دولار في الصفقة الواحدة أما الشركات الكبيرة التي تحتاج لكمية كبيرة من الدولار فتتعامل مع الصرافات التي توفر أي كمية تحتاجها هذه الشركات من الدولار.
أضاف أن أكثر الشركات المصدرة والمستوردة لديها رغبة لشركات الصرافة لأنها معتمدة من البنك المركزي ومن الصعب أن تقوم بعمليات نصب علي العملاء.
وطلب محرر “البورصة” من صاحب شركة صرافة بمدينة نصر الحصول علي 25 مليون دولار لاستيراد خط إنتاج معدات جديدة من الخارج لصالح إحدي الشركات فعرض توفير المبلغ خلال فترة من 4 إلي 6 أيام بسعر 8.30 جنيه للدولار.
وأضاف أنه يتعامل مع جميع أنواع الشركات المستوردة والمصدرة، حيث يمكنه توفير أي كمية تحتاجها من الدولار.
أوضح أن بعض المستثمرين يطالبون بتحويل أرباحهم بالدولار لحساب الشركة الأم بالخارج وبالفعل يتم ذلك بنفس الطريقة “عبر حسابات الشركات المصرية المصدرة”.
وكشف أن تلك التعاملات تتم من خلال صفقات التصدير محدودة الحجم التي يقوم بها الأفراد أو شركات صغيرة.
وفي ندوة عقدتها “البورصة” وتنشرها اليوم علي صفحات العدد حول أسباب تراجع التصدير رفض رؤساء المجالس التصديرية اتهامات البعض للشركات المصدرة بأنها وراء تجارة العملة في الخارج، خاصة أن الشركات المصدرة يحصل غالبيتها علي تسهيلات ائتمانية وتتعامل مع الجهاز المصرفي وتلتزم بتوريد 85% علي الأقل من حصيلة الصادرات.
وقال صاحب شركة صرافة بالدقي، إنه علي استعداد لتوفير سيولة بملايين الدولارات، من خلال استلام المبلغ داخل مصر بالجنيه، وتحويله للدولار عبر حساباتهم الخارجية في الدول المصدرة لمصر.
أوضح أنهم يمتلكون مجموعة من المكاتب في الدول الرئيسية المصدرة لمصر ومنها الصين، وتساعد المكاتب الخارجية في تحويل الجنيه إلي “العملة الصعبة”.
وقال أحد تجار السوق السوداء إنه يبيع الدولار بسعر 8.3 جنيه للمبالغ التي تزيد علي المليون دولار، فيما يصل سعره إلي 8.5 جنيه عند الاستيراد بمبالغ تقل عن 100 ألف دولار.
أضاف أن عملية الاستيراد تتم بطريقتين، إما من خلال البطاقة الضريبية أو السجل التجاري للشركة، أو الحساب الشخصي للفرد نفسه، وإما بالتعامل الكاش داخل مصر واستلام القيمة بالدولار في الخارج.
وطلب المحرر من شركة صرافة أخري بالدقي توفير 3 ملايين دولار لاستيراد معدات لصالح شركة إليكترونيات فاشترط الاطلاع علي البطاقة الضريبية الخاصة بالشركة ورقم السجل التجاري، علي أن يتم تسليم المبلغ في مقر الشركة واستلامه في الخارج بعد إضافة عمولة الاتفاق عليها وفقاً للدولة المصدرة.
أضاف صاحب الشركة، أنه يمكنه توفير الدولار في الخارج بسعر 8.6 حيث يتم شراء الدولار في مصر بسعر 8.2 جنيه وتبلغ عمولة توصيله لأي دولة خارج مصر %5 علي السعر الأصلي للدولار.
أضاف أنه يعمل كوسيط بين المصدر والمستورد، حيث يتم استخدام حصيلة العملة الأجنبية الخاصة بالمصدّرين للخارج، والذين يفضلون عدم جلبها إلي مصر، في حين يستغلونها في تحقيق مكاسب من فروق العملة، بالإضافة إلي مكسب التصدير نفسه.
ولجأ بعض المستوردين في الفترة الأخيرة إلي شراء سلع يمكن تصديرها إلي الخارج مثل الحاصلات الزراعية لتوفير سيولة دولارية لعمليات الاستيراد، وفي تصريحات لمسئولي 4 شركات أدوية مدرجة بالبورصة المصرية لـ”البورصة”، أشاروا إلي رفع صادراتهم للدول الخارجية حتي وإن تم البيع بأسعار أقل من مصر، وذلك لتوفير حصيلة من العملات الأجنبية.
وتستورد شركات الأدوية نحو 90% من المواد الخام من الخارج بالإضافة إلي أغلب الصناعات التجميعية، ومازال السوق المحلي يعتمد بنسبة كبيرة علي الاستيراد، وقال مسئول بشركة أسمدة مقيدة في البورصة، إن الشركة تصدر منتجاتها بأسعار أقل من أسعار البيع في مصر، ووفقاً للأسعار العالمية التي تأثرت سلباً بانخفاض أسعار البترول، وتابع: “الشركة تسعي لتوفير العملة الصعبة وتسعي لزيادة صادراتها لتحقيق سيولة دولارية تخصص لسداد مستحقات الموردين في الخارج”.
وقال خبير مصرفي، إن السبب الرئيسي وراء تفشي ظاهرة تهريب الدولار إلي الخارج يرجع إلي إجراءات البنك المركزي بتقييد حركة الإيداع بالدولار للأفراد والشركات.
أضاف أن “المركزي” يدير أزمة عجز النقد الأجنبي من إخلال إجراءات صارمة لحل المشكلة، لكن الأزمة تفاقمت في ضوء اتساع عوائد تجار السوق السوداء، وتعدد جهات تهريب العملات الأجنبية في الخارج.
فيما قال مسئول بشركة منسوجات، إنهم مضطرون لتغيير وتدبير العملة من شركات الصرافة لأنها أكثر أماناً من السوق السوداء حتي لا يقعوا فريسة للعملات المزيفة – علي حد وصفه.
وأشار علي الصياد رئيس مجلس إدارة شركة “المالية والصناعية المصرية”، إلي أن الشركة تصدر بقيمة 30 مليون دولار سنوياً لتوفير سيولة بنفس القيمة، بهدف سداد مستحقات الموردين في الخارج.
وقال شريف الخولي مدير عام “أكتيس – مصر” للاستثمار المباشر، إن الشركة واجهت صعوبات في تحويل العملة الأجنبية للخارج منذ عام 2012، وأصبحت عملية تحويل الأرباح الدولارية تستغرق مزيداً من الوقت، ما قد يتسبب في تقليص التنافسية الاستثمارية لمصر بين باقي الأسواق الناشئة.
أضاف أن الحكومة يجب أن تضع أزمة الدولار علي قائمة أولوياتها حتي لا يهرب المستثمر الأجنبي من السوق المصري بسبب صعوبات تحويل العملة.
أوضح الخولي أن بعض الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحاول التغلب علي أزمة الدولار عن طريق الدخول في استثمارات تصديرية لكي تضمن عوائد دولارية يتم تحويلها مباشرة للخارج دون الضغط علي الاحتياطي النقدي المحلي ودون الوقوف في جداول الانتظار بالبنوك.
أشار إلي حلول سريعة يجب أن تتخذها الحكومة لطمأنة المستثمرين الجدد بشأن تحويلاتهم الدولارية، ومنها علي سبيل المثال حصول المستثمر الأجنبي علي عوائد مبيعات الطاقة للحكومة بالدولار بدلاً من الجنيه، لأن المستثمر لن يفكر في دخول أي سوق قبل أن يضمن سهولة التخارج.
يذكر أن البنك المركزي أصدر تعليمات للبنوك، في فبراير الماضي، تحظر قبول إيداعات العملات الأجنبية “الكاش” بأكثر من 10 آلاف دولار يومياً و50 ألف دولار شهرياً، في خطوة يرى المركزي أنها تهدف للقضاء علي السوق السوداء.
وكان المركزي يسمح للشركات بإيداع أي مبلغ في حسابها دون قيد أو شرط من خلال شرائها من السوق السوداء “الصرافات وتجار العملة” لتتمكن من استيراد أي كمية من احتياجاتها بجانب قدرة الشركات علي تحويل أرباحها بالدولار للخارج.
وثبت البنك المركزي سعر بيع الدولار في عطاء الخميس الماضي، عند مستوى 7.73 جنيه، فيما استقر سعره بالبنوك بين 7.78 جنيه للشراء و 7.83 جنيه للبيع. وفي السوق الموازية اليوم، استقرت أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه مسجلة 8.01 جنيه للشراء و 8.03 جنيه للبيع !