أعتقد لو أن مؤرخاً أو مخرجاً أو مؤلفاً سينمائياً أراد أن يوثق لجرائم الفساد فى مصر، فلن يجد أفضل من قصص الفساد أو جرائمه فى وزارة الزراعة التى بات الفساد فيها ممنهجاً وموروثاً زراعياً على مدى العصور، وأصبحت كل مبانيها وهيئاتها مسرحاً لجرائمه..
وأبدع ما فى قضايا الفساد بـ”الزراعة” أن أبطالها دائماً نجوم مجتمع سواء من حيث المناصب أو الشهرة أو المال.. فغالبية جرائمها أبطالها وزراء ورؤساء هيئات أو بنوك وفى الطرف الآخر رجل أعمال.
ولعلنا نذكر قضايا فساد هذه الوزارة فى عهد الوزير يوسف والى وقضية المبيدات المسرطنة والتطبيع مع الصهاينة وتخصيص الأراضى لأصحاب المنتجعات السياحية على طول الطريق الصحراوى وولده الروحى الدكتور يوسف عبدالرحمن، رئيس البنك الزراعى، وسكرتيرته راندا الشامى وقضية الريف الأوروبى ومستشار الوزير وغيرها من القضايا، إلا أن القضية المثارة حالياً والتى أطاحت بوزير الزراعة صلاح هلال فهى أكثر إثارة وتؤكد أن الفساد فى هذه الوزارة ممنهج ولا أحد يقف فى طريقه.
أبطال هذه القضية اثنين من وزراء الزراعة وأحد مساعدى الوزير، والذى كان مكلفاً بترأس لجنة مكافحة الفساد بالوزارة.. والإثارة فى هذه القضية هى بدخول هذا النجم القادر على غزو كل الوزارات ومصادقة المسئولين، معشوق النساء محمد فودة، مستشار وزير الثقافة الأسبق والذى سبق اتهامه وحبسه فى إحدى أشهر قضايا الفساد التى اتهم فيها أيضاً محافظ الجيزة الأسبق المستشار ماهر الجندى.
محمد فودة منذ أن خرج من السجن وكانت ثورة 25 يناير، لم يتغير الأمر لديه، فهو رأى أن كل شىء كما كان لم يحدث تغيير بعد الثورة.. الفساد كما هو والفاسدون فى الوزارات والهيئات ينتظرون الفرصة، فى هذه القضية ستسمع أسماء فنانين وسياسيين، قضية بالفعل تصلح لأن تكون فيلماً سينمائياً مثيراً، ودار عرضها الأفضل أن يكون المتحف الزراعى التابع لوزارة الزراعة، هذا المتحف الذى يضم أعمالاً فنية تتحدث عن الزراعة فى تاريخ مصر.
أعتقد أن ذلك لم يعد مقبولاً، فهذا المتحف يجب تحويله لبانوراما لعرض قضايا الفساد فى وزارة الزراعة وبهذه الطريقة ستزداد إيرادات هذا المتحف الذى لا يتردد عليه أحد حالياً لأنه لم يعد هناك من يهتم بالزراعة، فهذه الوزارة منذ أن تخلت عن دورها ووظيفتها الأساسية وهى الاهتمام بالزراعة والفلاحين، راحت تبحث عن توب جديد لها وخلعت «جلابية» الفلاح التى لم تعد تناسب المرحلة وبدلاً من الزراعة تاجرت فى الأراضى.. ولِمَ لا؟! وأباطرة المال قد أغروا موظفيها بملايين الجنيهات لإقامة المنتجعات السياحية بدلاً من الزراعة وتعب القلب، والفلاح «بقى ريحته وحشة» ومشاكله كثيرة وسال لعاب قياداتها أمام إغراءات المال والثروة وتحت شعار المرحلة تشجيع الاستثمار والمستثمرين اهتموا بنشر وزراعة المنتجعات على طول الطريق الصحراوى وزرعوا الخراسانات فى الحقول بدلاً من المحاصيل.
هذه الوزارة التى هجرت المزارعين من أراضيهم بمقتضى قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأراضى الزراعية فى 1996 لكى تتحول الأراضى الزراعية فى الوادى والدلتا لكتل خرسانية وأبراج سكنية ومنتجعات سياحية النتيجة لا زراعة ولا محاصيل، واستيراد أغلبية غذائنا بضغوط سياسية.. فلم نعد نزرع القمح بأوامر أمريكية، وحتى الذهب الأبيض الذى كنا نشتهر به فى العالم لم يعد الفلاح يزرعه بعد أن خدعته الحكومة أكثر من مرة ولم تشتر المحصول منه، فماذا إذن نزرع سوى الخيار والفاكهة وبرسيم المواشى.
أين الأراضى.. بل أين الفلاح الآن؟! تجده فى ليبيا يفضل الموت فى ساحات القتال هناك بدلاً من أن يموت من الجوع فى وطنه.
حسين عبد ربه