بقلم/ فيليب ستيفينز:
كان إنهاء الخلاف النووى مع إيران، بمثابة إنجاز بارز بالنسبة لباراك أوباما، والسؤال الآن: «هل سيستمر هذا الإنجاز»؟، وبعدما نجح أوباما فى اختيار الدبلوماسية وليس الحرب، يخاطر الرئيس الأمريكى الآن بالإخفاق، لأن الاتفاق النووى لن يكون إرثاً مستمراً، إلا إذا رسم طريقاً لشئ أكبر، ولكن الولايات المتحدة تصر على شئ آخر سيتغير.
وهناك إجماع غريب فى واشنطن، على أنها أقنعت طهران بمقايضة تخصيب اليورانيوم مع تخفيف العقوبات، وإلا ستعود إيران إلى العزلة الدبلوماسية.
وأصف هذا الإجماع بـ«الغريب»، لأنها وجهة نظر يتبناها المؤيدون والمعارضون للاتفاق، والأغرب من ذلك أنها تتحدى نفس منطق هذا الاتفاق، فما هو المنطق الذى يقول إننا يجب أن نتفاوض مع إيران بشأن قضية حيوية استراتيجياً مثل الانتشار النووى ثم بعد ذلك نرفض التحدث معها بشأن أى شئ آخر؟.
هذا فى الوقت الذى يحترق فيه معظم الشرق الأوسط، وجعلت المعارضة الشرسة لحلفاء أمريكا القدامى، تجاه أى اتفاق، من الحتمى على البيت الأبيض تقديم تطمينات بأنها لن تترك العرب السنة للهيمنة الشيعية الإيرانية.
كما كان على الحكومة إضعاف المعارضة القوية للاتفاق فى الكونجرس والتى يغذيها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لذا عُرض على السعودية والدول الخليجية أنظمة تسليح معقدة، وفلتت إسرائيل من العقاب لمحاولات نتنياهو الفاضحة لتخريب العملية السياسية فى الولايات المتحدة.
أما العار الكبير، فكان فى غض أوباما الطرف عن القمع العنيف للديمقراطية فى مصر، وسجل طهران فى إحماء النيران الطائفية فى المنطقة يجعل انخراطها مع دول المنطقة أكثر صعوبة، كما أنها داعماً لا يهدأ لنظام بشار الأسد القاتل فى سوريا، وتدرب قوة القدس التابعة للحرس الثورى الإيرانى حزب الله فى لبنان وتزوده بالمعدات، كما ترعى حماس فى غزة.
وعلاوة على ذلك، تدعم طهران المتمردين الحوثيين الذين حولوا اليمن إلى دولة منهارة أخرى بجانب سوريا وليبيا والعراق، كما أنها تصدق على الطائفية الشيعية فى العراق، وتفتخر بعداوتها لإسرائيل، وبالفعل هى تريد أن تكون القوة المبجلة فى الجوار، وبالتالى هى حقاً لا تمثل النظام اللطيف على الإطلاق.
وما ينافى المنطق، ولكن لا يثير الدهشة، أن سعى الولايات المتحدة لضمان تخلى إيران عن القنبلة بغض النظر عن الظروف المحيطة والنزاعات الأوسع، أدى إلى إضعاف الهدف الاستراتيجى المرجو من الملف النووى، وهو بالتأكيد إعادة تشكيل الآليات الجغرافية السياسية من خلال تغير ميزان الدوافع داخل إيران، ولن يؤدى الاتفاق لإحباط الطموحات النووية الإيرانية أبداً إلى وضع نهاية للحروب بالوكالة بين السعوديين والإيرانيين، ولكنه سيؤدى فقط إلى تغير شكلى.
وسوف تضيع الفرصة إذا لجأت الولايات المتحدة إلى استراتيجية الاحتواء القسرى، كما ستضيع فرصة تحويل ما يعد فى كل الأحوال كتوقف مؤقت للنشاط النووى إلى تخلٍ دائم عن القنبلة.
وصاحب تفضيل التفاوض على تعطش نتنياهو للحرب تفهماً بأن الاتفاق يقدم الوسيلة المضمونة الوحيدة لمنع إيران من الانضمام إلى النادى النووى.
وكانت العقوبات الأقسى لتضر بإيران، وكان القصف ليؤخر على الأغلب البرنامج النووى، ولكن الأكيد أن الغرب اضطر لإقناع إيران بأنها أفضل دون القنبلة، وعلى طول طريق المفاوضات، تمت طمأنة على خامنئى بأن واشنطن ستتخلى عن نشاط الترويج لتغيير النظام، وهاتان الفكرتان مهمتان لضمان استمرار الاتفاق بقدر أهميتهما فى المساهمة فى التوصل إليه.
ويشعر النظام فى طهران حالياً بالرضى، ولكن مع كونه مدمراً بالخارج، وشديد القمع فى الداخل، لن يكون الانخراط مريحاً أبداً، إلا أن إيران لا يمكن تجاهلها أو احتوائها للأبد، فهى دولة ذات عدد سكان كبير، وإمكانات غنية، وصاحبة حضارة قديمة، وطبقة متوسطة متزايدة، كما انها بالمصادفة لديها شئ أقرب إلى الديمقراطية من الدول العربية «المعتدلة»، ويجب بالضرورة أن تشمل أى ترتيبات أمنية يمكن تخيلها فى المنطقة القوة الإيرانية.
ونتيجة لذلك لا يمكن إطفاء أى من النيران المشتعلة فى المنطقة – الحرب الأهلية السورية، الدولة الإسلامية فى العراق والشام، العصيان المسلح فى اليمن- دون تعاون من طهران، وهذه حقيقة غير مريحة لواشنطن، وهكذا يجب أن تكون لحلفائها.
فبعد كل شئ يعود التطرف الإسلامى العنيف فى العراق وسوريا جزئياً إلى الازدواجية السنية، فالسعودية مازالت تصدر الفكر الوهابى الذى يزرع بذور الإرهاب الجهادى، وفى الوقت الذى تقصف فيه الأمم الغربية المتطرفين، تضرب تركيا القوات الكردية التى تحارب الجهاديين على الأرض.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز، إن الرئيس الأمريكى أوباما يدرس لقاء الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فإذا استطاع أوباما التعامل مع موسكو، فإنه بالتأكيد يستطيع التحدث مع طهران.
إعداد – رحمة عبدالعزيز
المصدر- صحيفة «فاينانشيال تايمز»