حضور الرئيس ودعمه لمؤتمر “الابتكار في الحكومات” خطوة أولى في سبيل إصلاح الهيكل الإدراي للدولة
لا أنتمى إلى هؤلاء الذين يبررون حالة التأخر والفشل الإدارى فى الدولة بمصطلحات من قبل الدولة العميقة، وتابوهات غياب الكفاءات، والاتهام المستمر لموظفى الدولة بالفساد وعدم الرغبة فى العمل، لأن كل ذلك يقف وراءه مدير أو وزير أو رئيس حكومة أو رئيس دولة على مدى عقود طويلة تجاهلوا خلالها ما يجرى فى العالم من قفزات وتطور فى شتى المجالات.
وفى غياب مفاهيم وقواعد المحاسبة والمسئولية والإدارة بالأهداف، ظَل الموظف الحكومى دائماً كبش فداء لإخفافات الإدارة المركزية التى كانت ولا تزال تدير البلاد.
ولا يمكن الحديث عن نمو للاقتصاد المصرى وحل المشكلات المجتمعية المتراكمة بدون التوجه نحو القائمين على إدارة الجهاز الإدارى والسعى لإشراكهم فى أى عملية إصلاحية أو تنموية مستهدفة.
قبل عام، اقترحتُ على وزير التخطيط د.أشرف العربى، خلال الإعلان عن تقرير التنافسية، تنظيم ملتقى سنوى للإدارة الحكومية على غرار القمة الحكومية في الامارات والتي يتم تنظيمها من 3 سنوات ويمكن من خلالها مخاطبة المديرين فى مختلف الهيئات وإشراكهم عن قرب فيما تخطط له الحكومة، وأن يقترن ذلك بعرض تصور واضح لحالة الاقتصاد المصرى، والتغير ات التى تطرأ سنوياً على مؤشرات الأداء ومنح حوافز واضحة لمن يستطيعون تحقيق الأهداف المحددة سلفاً على أن يكون ذلك بحضور رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء.
وفى عمل تطوعى مبدع يبعث التفاؤل والأمل فى مستقبل البلاد يجري خلال يومى 11 و12أكتوبر الجارى مؤتمراً عن التطوير الإدارى والابتكار في الحكومات ، تنظمه موسسة “T20″لخريجى الجامعات العالمية- التى تضم فى عضويتها 700 مصرياً يعملون فى كبريات الشركات العالمية وخريجينمن أشهر جامعات إدارة الأعمال فى العالم- وتحت رعاية وزارة التخطيط.
تتويجاً لهذا الجهد، لا أجد أفضل من رسالة عبر تلك السطور إلى رئيس الجمهورية، اناشده رعاية هذا المؤتمر وحضور الجلسة الافتتاحية أو الختامية والإعلان بشكل واضح عن التزام الحكومة بتنفيذ ما تنتهي إليه توصيات المؤتمر من خلال الإعلان عن برنامج قومى شامل، لتطوير الجهاز الإدارى للدولة بمشاركة هذه المجموعة من الخبرات المتميزة والمتطوعة من أجل مصر.
سيادة الرئيس.. لابد أن تستمع لهؤلاء وترى كيف يفكرون فى مستقبل مصر، بعيداً عمن يعيشون فى جلباب الماضى ولا يرون حلولا سوى النكوص للماضى، وصعوبة المشكلات وتعقدها، وكسل الموظفين، .. إلى غير ذلك من أنصار مدرسة “مصر لا تستطيع”.
وبواعث التفاؤل بما يمكن تحقيقه من وراء هذا المؤتمر عديدة، أبرزها أن القائمين عليه مجموعة من الشباب والقيادات المصرية التى حصلت على أعلى درجات تعليم فى العالم، وتمارس العمل فى مؤسسات عالمية ومحلية كبرى لديها معايير دولية لممارسة الأعمال بغرض المنافسة، وهو ما يقضى على حجة عدم وجود كفاءات وخبرات بالشكل الكافي للاستعانة بها فى الإدارة الحكومية، وأن الدور الاستشارى الذى يقدمونه تطوعياً يدحض مبرر رفض الكفاءات للتعاون مع الحكومة بسبب الحد الأقصى للأجور.
ويظل العزوف عن قبول المناصب العامة تحديًّا مع عدم وجود حماية حقيقية للمديرين من التعرض للمساءلة عن الأخطاء التى قد تنتج عن قراراتهم فى ممارسة العمل، كما أن دهاليز النيّل المتعمَد من الوافدين للجهاز الإدارى من خارج السلم الوظيفى لا تنتهى.
وقبل أن نفقد بوصلة التفاؤل فالموتمر يجيب على الأسئلة الصعبة فى الإصلاح الإدارى، من أين نبدأ؟ وبمن نبدأ؟ وماذا نفعل؟ وكيف فعلها الآخرون؟ ولماذا تقوم بالتطوير من الأساس؟
الهدف الذى اختاره منظمو المؤتمر الذين يعملون تحت اسم “من أجل مصر” هو كيفية زيادة الإيرادات الحكومية لتتمكن الدولة من زيادة قدراتها فى الإنفاق على التعليم والصحة، وغيرها من الخدمات.
والهدف هنا قائم على مشاركة العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة وليس إقصاءهم عبر تطوير النظام ذاته وليس خلق نظم موازية فى حكم مسبق على عدم قدرة العاملين الحالين.
تمثل إجابة سؤال “من أين نبدأ” أهمية بالغة لهذا الموتمر ومناقشاته، والذى يلفت النظر لأهمية التركيز على 11 ألفاً و430 وظيفة إدارية عليا فى مصر يمثلون جوهر واساس الهيكل الادارى للدولة لم يتم تدريب غالبيتهم واكتشاف المميزين منهم؛ هو السبب الحقيقى فى تأخر مصر مقارنةً بالدول الأخرى.
وبدون تطوير وتحفيز هؤلاء يصبح الحديث عن الـ7 ملايين موظف، والإصلاح الإدارى عبثًا لا طائل من ورائه، وبدون إيجاد فريق إدارى قوى قادر على المنافسة؛ من المستحيل أن تحقق مصر النمو المستهدف.
ويجيب المؤتمر عن تساؤل “كيف فعلها الآخرون بعيدًا عن دعاوى ضعف الإمكانات وغياب التمويل”، بعرض قصص نجاح ملهمة منها كيف نجحت الصين فى إصلاح شركات قطاع الأعمال لتحقق 90 مليار دولار سنوياً إيرادات وضرائب، وماذا فعلت ماليزيا لجذب 100من أكبر الشركات العالمية لاختيارها مقراً إقليماً، وكيف تنجح وزارة الاستثمار فى تكرار هذه التجربة.
وتكتسب التجارب المعروضة عمقاً كبيراً بالاستعانة بمسئولين و خبراء ورؤساء تنفيذين عملوا فى الدول التى حققت طفرات وتجارب فى تحسين جهازها الإدارى والقفز بمعدلات التصنيع والنمو فى اقتصادياتها.
ومن التجارب المهمة، كيف يعمل البرنامج الرئاسى في أمريكا على تأهيل 400 شاب سنويًّا للمراكز القيادية؟ وكيف قامت الإمارات بتطوير أداء الموظفين الحكوميين؟ وطريقة إدارة ماليزيا للمشروعات القومية من خلال وحدة للإدارة التنفيذية والمتابعة للإشراف على 200 مشروع بهيكل إدارى 120شخصًا، وكيف قامت الصين وألمانيا وماليزيا بتطوير صناعاتها وزيادة إيراداتها؟
وأخيرًا، لماذا يقدم الموظف العام على التغيير والإنجاز فى غياب برامج تحفيز؟، ذلك بالتأكيد على أهمية تنظيم وزارة التخطيط لمسابقة الإبداع الفكري ودراسة 400 فكرة لموظفى الحكومة لتشجيعهم على الابتكار والتطوير ومنح جوائز للأفكار المميزة التى يمكن تصنيفها.
لست مفرطًا فى التفاؤل ولكن طريق الإصلاح لن يبدأ بإعادة اختراع الدراجة التى لا نتقن سواها من طريقة، وعلينا أن نعترف لمرة واحدة، أن أنصاف الخبرات والتعليم والمحترفين لن يتمكنوا من بناء مستقبل أفضل؛ فى ظل ما آلت إليه أحوال البلاد، وأن منح هولاء الشباب فرصة لخدمة بلادهم قد تكون “سكة السلامة” لمصر وبداية جديدة خاصة أنهم لا يطلبون أى مقابل مادى ولا يبحثون عن مناصب أو يعملون تحت توجهات سياسة معينة، وتعاون وزارة التخطيط معهم خطوة تحسب لها، إلا أن الأمر يتطلب توجهًا حكوميًّا ورئاسيًّا قويًّا؛ لتمكين أفكار هولاء الراغبون فى مصر أفضل.
المقال بقلم مصطفى صقر رئيس تحرير جريدة البورصة