جاءت اللحظة الحاسمة للأزمة الآسيوية عام 1997 عندما صدمت ماليزيا الأسواق المالية من خلال فرض ضوابط متشددة على هروب التدفقات الرأسمالية، إذ قامت بحظر التجارة الخارجية بعملة الرينجيت، ومنعت الأجانب من سحب أموالهم خارج البلاد لمدة عام. ولاعجب إذن أن تُسمع همسات بشأن الضوابط الرأسمالية مرة أخرى مع وصف المعلقين للتراجع الحالى فى الأسواق الناشئة بأنه أزمة، ويشير ارتفاع مستوى الديون الخارجية عن 50% من الناتج المحلى الإجمالى فى مجموعة من دول الأسواق الناشئة وانخفاض قيمة العملات الذى زاد أعباء الديون بالعملات المحلية إلى احتمالية فرض ضوابط رأسمالية. وقال تيم كوندون، رئيس قسم أبحاث آسيا لدى «أى إن جي» فاينانشيال ماركيتس، الموضوع كله مجرد مسألة وقت، قبل أن تسمح ماليزيا إما بتعويم الرينجيت وإما فرض ضوابط مالية مرة أخرى فى حال استمرار أسعار البترول فى الانخفاض.
وترى شركة «كيرنو كابيتال» لإدارة الصناديق، أن هناك فرصةً بنسبة 50% بأن تفرض تركيا ضوابط رأسمالية، الأمر الذى سيثير حتما اضطرابات ضخمة فى أسواق سندات الدول الناشئة.
ويقول راشيل نابير، رئيس اللجنة الاستشارية الاستثمارية فى شركة «كيرنو»، لا يعد هذا قراراً اقتصادياً، ولكنه قرار سياسي، فنظراً إلى حساسية التدفقات الرأسمالية، فإن احتمالية فرض ضوابط رأسمالية عالية جداً.
وأوضحت صحيفة فاينانشيال تايمز، أن ثلاث دول فى العالم المتقدم من بين من عانت الأزمات- أيسلندا وقبرص واليونان- اضطرت إلى فرض ضوابط رأسمالية منذ اندلاع الأزمة المالية، وسارت أوكرانيا على نهجها.
وفرضت، أيضاً، بعض دول العالم الناشئ، مثل نيجيريا وغانا، بعض القيود فى محاولة للدفاع عن قيمة عملاتها التى تراجعت تراجعاً حاداً مع انخفاض أسعار السلع.
ونظرا إلى أن نيجيرياً أصبحت سوقاً استثمارياً رائداً، فإن القيود التى فرضها البنك المركزى للحصول على دولارات من أجل الدفاع عن قيمة النيرة النيجيرية، يُعتقد أنها الأكثر ألماً بالنسبة للمستثمرين الدوليين، لكن هذا ليس هو الحال حتى الآن.
وقال ريتشارد تيثيرنجتون، رئيس قسم الاستثمار لدى «جى بى مورجان» لإدارة الأصول، إنه لا يجد أى صعوبة هو وزملاؤه فى سحب أموالهم من نيجيريا رغم استحداث حصص النقد الأجنبى الجديدة. وأضاف أنه حتى لو كانت قيود الحصول على دولارات تمثل إشكالية، فما زالت شراء مديرى الصناديق الدولية للدولار بأسعار السوق السوداء قانونياً. ولكن هذا الوضع على وشك أن يتغير، إذ أعلن الذراع المصرفية لجى بى مورجان، أنه سيلغى نيجيريا من مؤشر السندات الحكومية الخاص به نهاية أكتوبر المقبل، نظراً إلى أن الضوابط المفروضة على العملة تجعل المعاملات المصرفية أكثر تعقيداً.
وفى الوقت الحاضر، لا يتوقع غالبية المعلقين استحداث ضوابط رأسمالية فى ماليزيا وتركيا، ولكن نابير رأى أن المأزق فى أنقرة حرج؛ لأن إجمالى الدين الخارجى فى تركيا وصل بالفعل إلى 50% من الناتج المحلى الإجمالى نهاية عام 2014، وذلك وفقاً لبيانات البنك الدولي.
ويقول نابير، إن أكثر من 99% من ديون تركيا مقومة بالعملة الأجنبية، ولاسيما بالدولا واليورو، وذلك وفقاً لبنك التسويات الدولي، ومع انخفاض قيمة الليرة بنسبة 23%، مقابل الدولار منذ بداية عام 2015، فإن نسبة الديون الخارجية إلى الناتج المحلى الإجمالى وصلت فى تركيا الآن إلى ما يقرب من 70%.
ونظراً إلى أن الغالبية العظمى من أموال صناديق الاستثمار الأجنبية يتم استثمارها فى تركيا فى صورة صناديق استثمار مفتوحة التى تسمح للمستثمرين فى أغلب الحالات بتحويل أصولها إلى نقدية سريعاً. ويقول نابير، إن أى فقدان للثقة فى تركيا سيعجل باندلاع أزمة أكثر ضراوة. وبالنسبة لماليزيا، فإن إجمالى الدين الخارجى بها بلغ 65% من إجمالى الناتج المحلى نهاية العام الماضي، وأوضحت بيانات بنك التسوية الدولى، أن جزءاً كبيراً من هذا الدين مقوم بالعملات الأجنبية ولاسيما الدولار. ونظراً إلى أن أسعار السلع آخذة فى التراجع منذ منتصف عام 2014، فإن احتياطيات ماليزيا انخفضت بنسبة 28% لتبلغ 85.9 مليار دولار وتراجع الرينجيت بنسبة 25% مقابل الدولار.
وقال كوندون: «ربما تراهن السلطات الماليزية على وقف انخفاض أسعار البترول الذى من شأنه أن يزيل ضغوط خفض قيمة العملة، إلا أن هذا الرهان ربما يكون خطراً».