يطلق تنظيم داعش فى دعايته اللامعة على الإنترنت على قطاع الصحة لديه «الخدمات الصحية فى الدولة الإسلامية»، ويستخدم أيضا ملصقات مشرقة عليها صور أطباء وسط فرقهم، وفى عنابر مجهزة جيدا.
ويذكر تقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز» أن هذه الدعاية والملصقات مجرد وهم، وتعبر عن طموحات التنظيم فى أن يصبح دولة، أما فى الواقع، فتكبش داعش عشرات الملايين من موارد المناطق التى تسيطر عليها عبر نصف سوريا، وثلث العراق، وتوجهها إلى آلة الحرب، وتغدق الأموال على الجهاديين بينما تعصر المواطنين الذين من المفترض أن تقدم لهم خدمات.
وعندما التحق أبو قتادة، شاب فى السادسة عشرة من عمره من شرق سوريا، بقوات داعش، وعدوه بأنه سيتلقى الرعاية الصحية، سواء كان ذلك يعنى معالجته فى العيادات فى جبهات القتال، أو تهريبه إلى تركيا محملا بالأموال.
وقال أبو قتادة للصحيفة البريطانية – وطلب عدم الإفصاح عن اسمه الحقيقى – بعد إصابته بعدة أسابيع: «هم يدفعون مقابل كل شىء».
وعلى النقيض، يتم معاملة مواطنين مثل أم إياد، من الموصل، المدينة العراقية التى سيطرت عليها داعش فى يونيو الماضى، كمواطنين من الدرجة الثانية.
وتوقفت أم إياد عن الذهاب للمستشفيات العامة، رغم أنها بالكاد تتحمل العلاج فى المستشفيات الخاصة لابنها المريض، وقالت: «عندما دخلت المستشفى العام شعرت بالخوف، وكان جميع من بالداخل داعشيين، واضطر مرضى آخرون لشراء أدويتهم بأنفسهم».
وقللت تحقيقات قائمة على مقابلات مع عشرات العراقيين والسوريين المحصورين تحت حكم داعش، ومع دبلوماسيين كبار، ومسئولين فى الاستخبارات فى الائتلاف الدولى المناهض لداعش، من مزاعم الجماعة فيما يتعلق بإحكام سيطرتها على إدارة الحكم.
وقال أحد الدبلوماسيين: «إنهم منظمة إرهابية غنية للغاية، ولكنهم يشكلون دولة فقيرة جدا».
وتسيطر الحروب على أرصدة داعش، وجمعت «فاينانشيال تايمز»، تفاصيل مدفوعات التنظيم للمقاتلين، والمواطنين، والمشروعات، وكشف تحليل الصحيفة لهذه البيانات أن حوالى ثلثى الإيرادات السنوية للجماعة – حوالى 600 مليون دولار – يذهب للقوات المقاتلة.
وقالت «فاينانشيال تايمز» إن داعش تنفق حوالى 20 مليون دولار كل شهر على قوات القتال الرئيسية، والتى تتكون من المقاتلين الأجانب – الذين تطلق عليهم داعش المهاجرين، بجانب إنفاق 15 مليونا إلى 20 مليون دولار أخرى على المقاتلين المحليين والمساعدين.
وتختلف تقديرات مسئولى الاستخبارات بشأن الحجم الدقيق لجيش داعش، ولكن معظمهم يتفق على أن القوة الأساسية تتكون من 30 ألف مقاتل، بجانب 50 ألفا إلى 70 ألفا ما بين أعضاء محليين ومساعدين وقوات بدوام جزئى.
وقالت الصحيفة إن داعش تنفق أيضا عشرات الملايين من الدولارات على الأسلحة الصغيرة والمتفجرات، وكلفتها ذخيرة عملية هجومية واحدة استمرت أسبوع مليون دولار على الأقل، كما تنفق ملايين الدولارات على شراء المزيد من الأصول العسكرية، وفقا لتقديرات الصحيفة، ويعد الوقود مجانيا نظرا لاستخراج الجماعة عشرات الآلاف من البترول يوميا.
ويكلف الجهاز الأمنى التنظيم من 10 ملايين إلى 15 مليون دولار شهريا، طبقا لمسئول استخباراتى فى الائتلاف المناهض لداعش، والذى يراقب ماليات الجماعة.
وهذا المبلغ يشكل النفقات على الشرطة – أو كما يطلقون عليها الحسبة – والقوات الاستخباراتية، ويطلقون عليها «أمنيات»، وأيضا على المساعدين الذين يحصّلون الضرائب والغرامات.
وتقول الصحيفة إن الإنفاق الأمنى لداعش تزايد فى الأشهر الأخيرة، حيث أصبحت الجماعة الجهادية أكثر قلقا بشأن الأمن الداخلى، وحاليا يعمل عناصر «أمنيات» خارج الخلافة أيضا، بما فى ذلك، تركيا والأردن، وقال المسئول الاستخباراتى إن الجماعة تنفق أموالا حاليا لبناء نظام تنصت محلى.
بينما تتلقى المستشفيات والرعاية الصحية والمدارس عبر المنطقة التى تسيطر عليها داعش أقل من 10 ملايين دولار شهريا، وتعد محافظة دير الزور، أكبر المحافظات التى تسيطر عليها داعش، وأكثرها تنظيما، ومع ذلك، لا يوجد بها سوى 9 مستشفيات، يوجد بكل واحدة 50 طبيبا وممرضا على الأكثر، ويحصلون على راتب شهرى لا يتعدى 300 دولار، أى ما يعادل 135 ألف دولار للمحافظة بأكملها.
يحيى شعراوي