فى شتاء 1947 عانت بريطانيا من نقص فادح فى موارد الفحم بسبب سوء الأحوال الجوية وتراكمت الثلوج الى حد أعاقت وسائل النقل كليا، وتسببت فى إتلاف محصول الشتاء من القمح. ونتج عن هذا كله توقف مصانع عديدة عن العمل، وترك حوالى خمسة ملايين عامل بدون وظيفة. ولم يكن بمقدور لندن أن تقدم أكثر من إسداء النصح لواشنطن حين أخبرتها رسميا بأنها لم تعد قادرة على تكاليف الانتداب فى تركيا واليونان وسوف تنسحب منهما لكن المشكلة ان الاتحاد السوفيتى جاهز كبديل لها، مما يزيد من المد الشيوعى بحسب ما جاء فى كتاب “لعبة الأمم” لمؤلفه الدبلوماسى الأمريكى الشهير مايلز كوبلاند شارحا كيف اضطرت بلاده أن تحل محل بريطانيا فى قيادة العالم.
وتكشف هذه الفقرة لنا أن سوء الأحوال الجوية ضاعف من المشكلات المالية، التى تواجهها بريطانيا، ومن بينها فقدان محصول القمح وإمكانية أن تفقد معه قدرتها على إطعام مواطنيها ليكون الطقس السيئ ببساطة سببا فى بزوغ قطب استعمارى بديل هو الولايات المتحدة، وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخنا الحديث تعرف باسم الحرب الباردة.
وقبل ذلك بآلاف السنين جفت منابع الأنهار فى قارات، وجرت فى أخرى فتغيرت معها ملامح الحياة، وأعطى النيل لمصر صفة أقدم دولة وواحدة من أقدم الحضارات فى التاريخ.
وتشعر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) بارتياح إزاء جهود توفير الغذاء لسكان الأرض غير أنه فى خضم التغيرات المناخية خصوصا نقص المياه جراء الجفاف ستظهر مشكلات غير متوقعة، كما حدث فى 2008، ومنعت دول تصدير الأرز والقمح للخارج، مثل الفلبين وروسيا على الترتيب، فارتفع سعرهما عالميا، وكانت الدول المستوردة أكبر المتضررين.
ولمواجهة أزمة عطش الأرض ونقص الغذاء يسير العالم فى اتجاهين، الأول هو ابتكار سلالات جديدة من الحبوب والأغذية تتحمل الطقس المتطرف من خلال الأبحاث والتكنولوجيات الزراعية. ويتمثل الاتجاه الثانى فى الحفاظ على الغذاء المنتج فعليا من الفقد أو التلف وإعادة تدوير ما يفسد منه.
الملف التالى يعرض الجديد فى كلا المسارين:
“الغذاء للجميع” أكبر تحدٍ للبشر حتى 2050
التكنولوجيا سلاح الإنسان لزيادة الإنتاج فى مواجهة الجوع والتمويل يسهم فى حل جزء من المشكلة
تحوم طيارة دون طيار فى كبد السماء الزرقاء فوق مزرعة ماشية فى نيوزيلندا، حيث يُرعى قطيع الأغنام. بينما يتابع، نيل جارديان، صاحب مزرعة العائلة من مكتبه الصور لتحديد النعاج المريضة أو التى تواجه صعوبةً فى ولادة أو أبناء القطيع حديثة الولادة التى تنفصل عن أمهاتها فتكون حياتها فى خطر.
تختصر الطائرة دون طيار الرحلة من ساعتين بالسيارة إلى 30 دقيقة؛ لمتابعة أحوال مزرعة تبلغ مساحتها أكثر من 1675 فدانًا، وهو ما يسمح بتكرار المراقبة الجوية أكثر من مرة يوميًا فى كثير من الأحيان، ما يزيد من فرص انقاذ الأغنام المتعثرة، ونتيجة ذلك، انخفض إلى النصف عدد الوفيات من المواليد الجدد، فضلًا عن المتابعة الدقيقة لأحواض المياه والاقتصاد فى تشغيل آلات رفع المياه، ما يوفر المال.
ويأمل “جاردن” فى أن تصبح تكنولوجيا الطائرات دون طيار قريبًا متقدمة بما فيه الكفاية لمراقبة معدل نمو قطيعه، وهو ما يعنى زيادة إنتاج الضأن وتعزيز دخله بـ80 دولارًا للفدان أى حوالى 335 ألف دولار لمزرعته.
ولا يعد استخدام طائرات دون طيار سوى إحدى الطرق الجديدة للمساعدة على زيادة الإنتاج الزراعى لمواكبة الطلب النامى بطرق جديدة أكثر استدامة.
وتقدر الأمم المتحدة زيادة تعداد سكان العالم بنحو مليارى نسمة ليصبح 9 مليارات بحلول عام 2050، وخلال تلك الفترة ينمو الاستهلاك للمنتجات الزراعية %60، مقارنة بعام 2005، حيث ستكون تغذية كوكب الأرض تحديًا ضخمًا.
وبحسب تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز، فإن العالم تمكن إلى الآن من إنتاج ما يكفى من الغذاء لسكانه الذين يتزايد عددهم بشكل مضطرد، لكن ما زال واحد من كل 9 أشخاص لا يصلهم ما يكفى من الطعام، وتنعكس هذه الحقيقة المحزنة بشكل أكبر على النظم الاجتماعية والسياسية أكثر من انعكاسها على حجم الإنتاج العالمى من الأغذية.
وتقول منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ومقرها فى روما، إن هناك إنتاجًا أكثر مما يحتاجه العالم حاليًا، ولكن يوجد نحو 800 مليون نسمة يعانون من الجوع المزمن. كما أن القدرة على شراء الغذاء مرتبطة إلى حد كبير بمستوى الدخل، وهو ما يفسر أزمة الجوع. ويعد ضمان الحصول على الغذاء إحدى الركائز الأساسية للأمن الغذائى، وجدول الأعمال الأوسع لمكافحة الفقر.
ويعتبر التحدى الآن هو إنتاج مزيد من الغذاء فى المزارع القائمة لأن مساحة الأراضى الجديدة الصالحة للزراعة محدودة، فقد توسعت مساحة زراعة المحاصيل بنسبة %14 بين عامى 1961 و2007، ولكن لن يكون هناك سوى %10 أخرى من الأراضى الجديدة المتاحة فى السنوات الـ40 المقبلة، وفقًا للأرقام الصادرة عن منظمة الأغذية و الزراعة، ورابو بنك، مؤسسة الإقراض المشاركة للمنظمة.
على مدى السنوات الـ40 الماضية، اعتمد نمو المحاصيل بنسبة %77 على الاستخدام الموسع للنيتروجين والبوتاسيوم والفوسفات والأسمدة، لكن السنوات الـ40 المقبلة لن تتحمل زيادة أخرى بنفس الطريقة، ولذلك فإن التكنولوجيا السبيل الأوحد لتحقيق %90 من نمو المحاصيل عبر نفس المساحة المنزرعة حتى عام 2050.
الشيء نفسه ينطبق على إنتاج اللحوم. وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة ارتفاع أعداد الماشية والخنازير والدواجن فى عام 2050، ولكن يُتوقع، أيضًا، أن ينمو حجم كل حيوان ليكون أكبر مما هو عليه اليوم من أجل تلبية الطلب على الإنتاج الحيوانى والألبان.
ويعارض نشطاء حماية البيئة التعديل الوراثى ويضغطون من أجل المزيد من البحث فى أنواع مختلفة من تطبيق التكنولوجيا الحيوية، مثل وسائل انتخاب السلالات أو “التربية الذكية”، بدلًا من الهندسة الوراثية.
ووصل حجم الاستثمار فى بحوث تكنولوجيا الزراعة من 500 مليون دولار فى عام 2010 إلى 4.2 مليار دولار فى 2015.
لكن هناك حاجة لمزيد من التمويل خصوصًا فى مجال بحوث البيانات الكبيرة، ويقصد بها تشكيل قاعدة بيانات أكبر لرفع كفاءة القطاع الزراعى مثل بيانات معلومات التغذية والاختيار على أساس الجينات الطبيعية للبذور والفسلات لابتكار أساليب جديدة لتحسين الإنتاج وتطوير سلالات جيدة بطرق طبيعية سواء نباتية أو حيوانية.
ومن أحد جوانب البيانات، أيضًا، توفير قاعدة بيانات لتجار التجزئة على وجه الخصوص لتنسيق التعامل المخلفات الغذائية والحد منها. كما يمكن خفض الفاقد من الطعام بتحليل البيانات الخاصة بأنماط الاستهلاك.
سباق آسيوى فى أبحاث إنتاج الأرز المقاوم للجفاف
127 ألف سلالة مقاومة للتغيرات المناخية فى بنك دولى بالفلبين
تعد الأمطار الموسمية ضرورية لزراعة الأرز فى الهند، ولكن عدم انتظامها يؤثر على الإنتاج.
ويعيش نصف سكان العالم، ومعظمهم فى آسيا على الأرز كغذاء أساسى فى وجباتهم، وقد يصل الأمر فى بعض البلدان إلى أنه طعام أساسى فى ثلاث وجبات يوميًا.
ولكن بالمقارنة مع غيره من الحبوب الغذائية، فإن الإنتاج العالمى من الأرز دائمًا متوازن نسبيًا مع الطلب فى ظل وجود فائض ضئيل متداول فى السوق، لكن تغير أنماط الطقس الآسيوى وخاصة توزيع الأمطار الموسمية التى أصبحت غير منتظمة بسبب تغير المناخ بات مصدر قلق لصانعى السياسات بشأن استقرار إنتاج الأرز العالمى، وتأثير ذلك على مستوى المعيشة على المدى الطويل لمزارعى الأرز، فضلًا عن المستهلكين.
ويعمل باحثو المعهد الدولى لبحوث الأرز (IRRI)، ومقره الفلبين، على تطوير بذور لأصناف جديدة من الأرز من شأنها أن تكون قادرةً على مقاومة هذا النوع من الضغوط المناخية، مثل الفيضانات والجفاف وملوحة التربة، التى من المتوقع أن تتفاقم بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.
وأشارت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية إلى أن سلالات الأرز المقاومة للفيضانات التى ابتكرها المعهد أواخر السبعينيات كان لها الفضل فى قدرة ملايين المزارعين فى الهند وبنجلاديش ونيبال على زراعة أصناف الأرز التى يمكنها، حاليًا، البقاء على قيد الحياة رغم غمرها بمياه الفيضانات لمدة تتراوح بين 14 و20 يومًا، بدلًا من أصناف أخرى عالية الإنتاجية سوف يتم تدميرها بعد 4 أو 5 أيام تحت المياه.
لكن جهود الباحثين تنصب الآن على إيجاد سلالات أكثر قدرة على تحمل الجفاف، والتى يمكن أن تكون متاحةً للمزارعين فى غضون بضع سنوات.
وتستحوذ دول جنوب آسيا على %37 من مساحة زراعة الأرز فى العالم، لكنها معرضة لمزيج من المشكلات من الفيضانات والجفاف والملوحة.
ففى الوقت الذى تعانى فيه فيضانات متكررة على نحو متفاقم، تتزايد فترات الجفاف الشديد خلال فترات الرياح الموسمية حيث تمر مدة طويلة دون أمطار.
وشهدت الدول المستهلكة للأرز تأثير اضطرابات المعروض العالمى من الأرز فى عام 2008، حيث قفز السعر %300، من 300 دولار إلى 1200 دولار للطن فى أربعة أشهر.
وتقوم خطة المعهد الفلبينى على تطوير أنواع من الأرز تتكيف مع الأحوال الجوية المتطرفة عبر بنك بذور من مختلف الأنحاء يضم 127 ألف صنف من السلالات، فضلًا عن الأرز البرى الذى تم جمعه من جميع أنحاء العالم.
وفقد المزارعون الثقة فى العديد من الأصناف التقليدية؛ بسبب العائدات المنخفضة أو سوء نوعية الحبوب، ولكن بعد تعديلها على مدى قرون فى مختلف الظروف المناخية، تطور بعضها ليكون قادرًا على تحمل الضغوط المناخية المحلية.
ويضيف عبدالباقى إسماعيل، رئيس مشروع بنك البذور بالمعهد الفلبينى، أن هذه السلالات تعتبر كنزًا جرى جمعه من جميع أنحاء العالم، مضيفًا أن لديه جميع الأنواع وجميع الصفات التى يبحث عنها مزارعو الأرز.
وأنفق العلماء عقودًا طويلة فى البحث عن أصناف الأرز التى يمكن أن تجمع بين الجينات المطلوبة لتحمل الفيضانات مع تلك الأخرى التى تقدم غلة عالية والتى أنتجت خلال الثورة الخضراء فى الستينيات التى ركزت على القمح والأرز فى شمال الهند.
وفى عام 2002، نجح الباحثون فى تحديد الجين الدقيق فى الأرز المزروع شرق الهند، وسمح له بالبقاء على قيد الحياة رغم غمره لمدة تصل إلى 20 يومًا بالمياه.
وبحلول عام 2006 تمكن باحثو معهد الفلبين فى الجمع بين هذا الجين مع نوع آخر له شعبية؛ نظرًا إلى غلته العالية، وقدمت 200 جرام من البذور لمعهد بحوث الأرز التابع للحكومة الهندية. وبحلول عام 2013، كان 5 ملايين مزارع هندى لديهم بعض الحقول المزروعة بهذا الأرز الذى يتحمل الفيضانات بمساحة وصلت إلى نحو 5 ملايين فدان.
يقوم المعهد الآن باستخدام أساليب مماثلة فى جهوده لتطوير سلالات من الأرز المقاوم للجفاف، وقد تسارعت هذه الجهود عن طريق التطورات الأخيرة فى رسم الخرائط الوراثية.
ولا يعتبر تحدى تنويع سلالات الأرز شأنًا علميًا فقط، بل أيضا سياسيًا ولوجستيًا، ويجب على الحكومات فى جنوب آسيا أن تنتج أصنافًا جديدة من البذور، ومن ثم توزيعها على المزارعين، الذين يجب بدورهم أن يكونوا على علم بفوائدها وطرق الزراعة الصحيحة لها.
وتعمل الحكومات الإقليمية على أنواع جديدة من البذور التى أنتجها معهد الفلبين، وتخضع لإجراء اختبارات إضافية قبل الموافقة عليها للاستخدام من قبل مزارعيها، لكن بهدف الحد من فترة الاختبار واتفقت الهند عام 2014 مع حكومتى نيبال وبنجلاديش على أن أصناف البذور المعتمدة للاستخدام فى بلد واحد ستتم الموافقة عليها تلقائيًا للاستخدام فى البلدين الأخريين.
استمرار هبوط أسعار الغذاء رغم مخاوف التغيرات المناخية
عندما عاثت فسادا ظاهرة النينيو، وهى ضعف الرياح الذى يؤدى لتدفقات المياه الدفيئة بعنف على السكان فى العالم خلال عام 2015 مما تسبب فى فيضانات فى جنوب شرق آسيا والأمطار فى البرازيل، تضررت المحاصيل خاصة السكر وزيت النخيل وارتفعت الأسعار، وكان ذلك واضحا فى سوق السكر أكتوبر الماضى.
يعد الارتفاع المفاجئ فى أسعار السكر مثالا للأثر الاقتصادى للظواهر الجوية غير العادية الناجمة عن ظاهرة النينيو، ومع ذلك فمن المتوقع أن تواصل أسعار السلع الأساسية تراجعها فى عام 2016. ويشهد السكر ومنتجات الألبان تراجعا ملحوظا على مدى السنوات الأربع الماضية.
وتقول صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية إنه بالرغم من هذه الاضطرابات فإن مؤشر أسعار المواد الغذائية لمنظمة الأغذية والزراعة ما زال منخفضا %19 فى عام 2015 مقارنة بالعام السابق، وفقا للارقام الصادرة فى 7 يناير الجارى، وجاء الانخفاض نتيجة قوة الدولار الأمريكى فضلا عن فائض فى بعض السلع الأساسية الغذائية.
وتراجعت أسعار المنتجات الزراعية وفق مؤشر منظمة الأغذية والزراعة، نحو %30 منذ عام 2011 نتيجة لزيادة الإنتاج.
ويشير ستيفان فوجل، رئيس البحوث الزراعية لأسواق السلع الأساسية فى رابوبنك، إلى أن الطقس سيستمر ليكون المحرك الرئيسى فى أسواق السلع خلال العام المقبل، مشيرا إلى تأثير ظاهرة النينيو، على محاصيل السكر والكاكاو وزيت النخيل والبن.
وخفصت فاو توقعات إمدادات الحبوب فى موسم 2015/2016 حاليا إلى 2.53 مليار طن أى أقل بنسبة %1.3 عن الرقم القياسى، الذى تحقق فى العام السابق.
ساهم انخفاض أسعار البترول فى كبح الطلب على محاصيل الوقود الحيوى. ونتيجة لذلك هبط استخدام الحبوب فى جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة %1 فقط العام الحالى.
معضلة النفايات فى العالم.. أين يذهب طعامنا؟
٪30 من الإنتاج الزراعى مصيره صندوق القمامة.. والهدر فى الدول النامية عند الحصاد وفى المتقدمة عند الطعام
نشرت منظمة الأغذية والزراعة فى عام 2011 أول دراسة مفصلة عن فضلات الطعام أجراها لحسابها المعهد السويدى للغذاء والتكنولوجيا الحيوية.
ووجدت هذه الدراسة أن ما يقرب من ثلث الغذاء المنتج فى العالم للاستهلاك البشرى يفقد أو يتحول لفضلات بنحو 1.3 مليار طن سنويا. قالت صحيفة فاينانشال تايمز فى تعليقها على الدراسة إنه كما هو متوقع كانت أعلى معدلات الهدر فى الاتحاد الأوروبى وأمريكا الشمالية بنحو 100 كيلوجرام للفرد فى السنة. وكانت الخسائر فى دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق آسيا أقل بكثير بما يترواح ما بين 6 و11 كيلوجرامًا سنويًا.
فى عام 2009 تم إنتاج أول تقييم النفايات الغذائية فى المملكة المتحدة عن طريق برنامج العمل النفايات والموارد وباستخدام بيانات من عام 2007، ثبت أن الأسر البريطانية تهدر ثلث طعامها فيما يذهب ما يقرب من %90 من النفايات إلى الدفن. بينما تؤكد الدراسة أن حوالى %60 من النفايات كان يمكن تجنبها.
لكن الأبحاث سجلت تحولا مشجعا فى 2013، حيث وجد الباحثون أن النفايات المنزلية من الغذاء فى بريطانيا انخفضت بنسبة %15 بين عامى 2007 و2012، من 8.3 ملايين طن إلى 7 ملايين طن.
وقدرت دراسة أمريكية منفصلة فى عام 2012 إجمالى فضلات الطعام على طول السلسلة الغذائية بأكملها بـ%40 من الإمدادات الغذائية للبلاد. ووجد بحث آخر، بين عامى 1974 و2005، أن فضلات الطعام فى الولايات المتحدة ارتفعت بنسبة %50، مع زيادات أخرى لاحقة.
كما ان الخسائر فى مرحلة الإنتاج مرتفعة فحوالى %20 من بعض الخضراوات، ومعظم الفواكه، وأنواع كثيرة من المأكولات البحرية تضيع فى هذه المراحل المبكرة.
ورغم أنه تم تخفيض فاقد ما بعد الحصاد إلى حد كبير فى الاقتصادات الغنية بسبب التعامل السليم مع المنتجات بفضل التبريد والتعبئة والتغليف وإضافة مواد واقية ومضادة للتلف، لكن هذه الخسائر لا تزال مرتفعة فى المناطق المدارية.
فى البلدان الغنية، تمثل الخسائر عبر مستوى الاستهلاك الأسرى أكبر حصة من فضلات الطعام ليس فقط للفواكه والخضراوات والمأكولات البحرية، ولكن أيضا للحبوب بسبب الخبز الضائع.
لماذا الدول الغنية تهدر الكثير من المواد الغذائية؟ الأسباب الأكثر وضوحا هى أنها تنتج أكثر مما تحتاج، ومن ثم تبيع الإنتاج بثمن بخس.
ويعتبر الطعام رخيصا جدا فى الغرب مما يزيد الإهدار ويكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة %11 فقط من دخلها المتاح، وفى الاتحاد الأوروبى ينفق المستهلكون %14.5 من إنفاق الأسرة على الطعام.
ويعنى استمرار معدلات النفايات العالمية أن %30 من الأراضى الزراعية تحرث وتزرع، وتخصب بالاسمدة، وتروى ثم تحصد دون أى فائدة حقيقية.
أضافت الصحيفة، أنه سيكون من الأفضل محو “أمية الطعام” لأنه يسهم فى جهود الحد من النفايات بداية من المطبخ فى المنزل بتناول طعام أقل إلى رفع سعر الأطعمة الأكثر هدرا نسبيا فى البلدان الغنية حتى لا يشترى المستهلكون سوى ما يكفيهم.
وظهرت العام الماضى مبادرة فريدة من نوعها تحمل شعار “ما بعد الحصاد” تقودها “هيئة تعليم ما بعد الحصاد الدولية”، التى تعمل على تطوير برامج دراسية تهدف للحد من فاقد الغذاء وفضلات الطعام.
كما تتضمن البرامج سبل زيادة القيمة السوقية والقيمة الغذائية وسلامة الغذاء وهى جميعها تتعلق يالتواصل مع أطراف التعامل مع المواد الغذائية خصوصا المزارعين.
وتسهم المبادرة فى جهود توفير المراجع والمصادر المعلوماتية وأنشطة التدريب وانظمة المراقبة للمحترفين الشباب فى مجال الأغذية خصوصا على صعيد تكنولوجيا ما بعد الحصاد
وتركز على توعية الناس سواء داخل المجال أو خارجه على خطورة فقدان الاغذية وتلفها وتأثير ذلك على الإنسان وقدرة البلدان على إطعام شعوبها.
وتأسست المنظمة فى 2011 للعمل على توفير برامج تعليمية وانشطة تدريب خصوصا على التكنولوجيا الحديثة باقل تكلفة سواء مباشرة او عن طريق التعليم الإلكترونى عن بعد.
ويقوم على أنشطة المبادرة اكثر من 120 شابا وفتاة من 28 دولة حول العالم، وجميعهم تخرجوا من خلال برنامج تعليمى خاص بالهيئة ليصبحوا متخصصين فى تعليم وتدريب الآخرين.
وحصل هؤلاء على مهارات تكنولوجية وتعليمية وتدريبية تمكنهم من أداء مهمتهم بنجاح فى تعليم الناس داخل بلدانهم.
وشهدت التجربة نجاحا معقولا فى دول، مثل بنجلاديش وتنزانيا وكينيا، حيث أجرى معظم خريجى برامج المبادرة الدولية ابحاث على المحاصيل وتوصلوا لنتائج جيدة وبدأوا فى تعليم وتدريب المهتمين فى بلدانهم عليها.
الحاجة أم الاختراع.. الزراعة بلا أمطار.. ولا أنهار.. ولا آبار.. ولا تربة
استخدام مياه أحواض مزارع السمك فى رى النباتات بدون تربة
بدأ المشروع فى شرق لندن يدخل مرحلة النضج، وهو مكون من 12 حوض زراعة سمك وصوانى واسعة مزروع عليها خضراوات السلطة بطريقة قد تغير طريقة إنتاج الإنسان للغذاء.
التقى هوفمان ويبستر فى عام 2013، وأعمارهما 24 و27 على التوالى، وهما فى مرحلة الدراسات العليا فى تخصص الزراعة فى المناطق الحضرية.
لا يبدو من الملابس الواقية الناصعة البياض أن كيت هوفمان وتوم وبستر مثل المزارعين، ولا يبدو المكان، وكأنك داخل مزرعة، والغريب أيضا أن على زوار المكان أن يوقعوا إقرارا قبل الدخول إنهم لا يحملون جراثيم أو أتربة خارجية تضر ببيئة العمل.
وتحتوى أحواض السمك على البلطى الأسود الذى له شعبية كبير فى المطبخ الآسيوى، حيث درجة الحرارة فى الغرفة ثابتة عند 20 درجة سيلزيوس، بينما المياه 25 درجة سيلزيوس من خلال مضخة الهواء الساخن كمصدر للحرارة. ويحتوى كل خزان على 3000 لتر، تسبح فيه 250 سمكة كحد أقصى.
والغرفة المجاورة المنفصلة، مكدسة بصفوف من الصوانى طولها 8 أمتار، وارتفاعها 10 أمتار إلى السقف، وتحتوى كل منها على عشب صغير وأوراق خضراوات تستخدم فى وجبة السلطة متوهجة بلونيها الوردى والأزرق تحت ضوء المصابيح الموفرة للطاقة. والابتكار الحقيقى يتمثل فى رى هذه النباتات بمياه الاحواض السمكية من الغرفة المجاورة بما تحويه من فضلات الأسماك فقط التى تغذيها وترويها أيضا.
وتزخر فضلات الأسماك بالفوسفور والبوتاسيوم والنيتروجين وعلى جميع العناصر الغذائية والمغذيات الدقيقة اللازمة لنمو النباتات الورقية. وبحسب ما قال وبستر إنهم يقومون بسحب الأمونيا، التى تخرج من خياشيم الأسماك وتحويلها إلى نيتروجين يمكن للنباتات أن تمتصه.
قال وبستر إن فكرتهم تهدف إلى التحايل على أزمات نقص المياه التى تتزايد فضلا عن نقص المساحات اللازمة للزراعة بما يهدد بنضوب المواد الغذائية، مشيرا الى ان فكرة الزراعة فى مبانٍ مهجورة على أطراف المدن، تسهم فى تخفيف عبء التوصيل والتلف فى مرحلة النقل للمستهلكين وخلق فرص العمل.
ويصل الإنتاج السنوى للمزرعة إلى 20 ألف كيلوجرام من الخضراوات، و4 آلاف كيلوجرام من السمك، حيث يباع الأخير كل ستة أشهر.
ويعمل هذا النظام من خلال غمر وشفط المياه بشكل دورى فى غرفة مضاءة بلون وردى، وفى كل مرة تحتاج النباتات الرى يتم فتح المضخات لملء علبة المياه فى كل صينية ببضعة ملليمترات، وهى مبطنة بالسجاد المعاد تدويره والمناسب للاحتفاظ بالرطوبة، ثم يتم غلق المياه وتبدأ عملية التصريف إلى خزان مجاور. ويتم استخدام من 200 إلى 300 لتر من المياه العذبة يوميا فى جميع أنحاء نظام الذى يحتوى على 40 ألف لتر، وتبلغ المساحة المنزرعة 800 متر مربع.
ولفت هوفمان النظر إلى أنهم يستهلكون اعلاف للسمك بواقع 1.7 كيلو جرام لإنتاج كيلو لحم بلطى، وهو أفضل من سمك السلمون، الذى يستهلك 3 كيلوجرامات علفا لإنتاج كيلو لحم.
وقال هوفمان إنهما يتطلعان إلى بدء مزرعة جديدة فى مكان آخر داخل المدن ايضا بعد ان وصلت هذه المزرعة لأقصى إنتاج لها، ووصلت مبيعاتها السنوية 500 ألف استرلينى.
ويمكن استخدام نفس الطريقة لزارعة أوراق السلطة والطماطم والفلفل والخيار وبدون مواد كيمائية وباستخدام اضاءة موفرة للطاقة تنخفض الفواتير للنصف، كما تم زرع اللفت والبازلاء والينسون والريحان بنوعية التايلاندى والأوروبى.
وبلغت الاستثمارات فى هذا المشروع الذى بدأ فى 2014 بـ1.2 مليون استرلينى، 300 ألف استرلينى منها من جمعية كانجو الحكومية التى تمول الابتكار فى المملكة المتحدة، بالاضافة إلى 900 ألف استرلينى من صندوق دعم أنشطة اجتماعية، اسمه اجنيت للمشروعات الاجتماعية، وقد غطى المبلغ التكلفة التشغيلية بما فى ذلك رواتب ويبستر وهوفمان بالإضافة إلى توظيف سبعة آخرين.
أسكتلندا تضيء المنازل بتدوير فضلات الطعام
خطوات بسيطة لكنها ذات فائدة هائلة، حيث يتم جمع نفايات الطعام من المنازل فى إدنبره، وجلاسكو، وأجزاء أخرى من الحزام الوسطى فى العاصمة الأسكتلندية، ثم يلقى بها إلى جهاز هضم لاهوائى، حيث تعمل البكتيريا على تكسير النفايات وإنتاج الغاز الحيوى الذى يستخدم فى توليد الكهرباء داخل مصنع أبردينشاير الذى حول، أيضًا، فضلات الطعام إلى سماد يعطى للمزارعين كبديل عن الأسمدة الكيماوية باهظة الثمن.
ويقدر إيان، الرئيس التنفيذى لمؤسسة “النفايات صفر” فى أسكتلندا، أن الشركات يمكنها توفير 192 مليون إسترلينى فى السنة إذا خفضت من فاقد الطعام وعند إضافة المملكة المتحدة بالكامل، فإن الإجمالى قد يصل إلى 17 مليار إسترلينى للشركات والمنازل ومواقع القطاع العام. ويعد أكثر من %40 من قمامة قطاع الضيافة هى فضلات الطعام، ما يدل على حجم المال الذى يمكن توفيره لو كانت المقاهى والفنادق والمطاعم خفضت فاقد الطعام فى نهاية اليوم.
وبدأت السلطات المحلية فى أسكتلندا فرض غرامات على إلقاء مخلفات الأطعمة خارج صندوق مخلفات الطعام، حتى لو كانت فى صناديق قمامة أخرى مثل المخصصة للمخلفات الصلبة حيث تبدأ فورًا بـ300 إسترلينى، وفى حال تكرار المنشأة للمخالفة تزيد لتصل إلى 10 آلاف إسترليني.
ومنذ افتتاح منشأة إعادة التدوير فى عام 2010 بالقرب من كامبرنولد، فى أسكتلندا، تذهب فضلات الطعام من المجالس والفنادق، حيث تتم إعادة تدويرها وتحويلها إلى كهرباء تغذى الشبكة الوطنية.
وفى أقل من خمس سنوات ولدت 15 ميجا وات فى الساعة من الكهرباء، وهو ما يكفى لإنتاج كهرباء تشغيل ألفى منزل سنويًا.
ويدير معمل تدوير النفايات مركز التنمية ديرياكس، التابع لمرفق المياه الأسكتلندى، وهى شركة منفعة عامة حيث تدعم تطوير اقتصاد مستدام فى أسكتلندا.
وقال أندرو ماكدونالد، رئيس مؤسسة المياه الأسكتلندية، إنه ثبت أن الغذاء يمكن تحويله إلى طاقة نظيفة وخضراء فى مرافقنا، وهى وسيلة رائعة للمساعدة على بناء اقتصاد منخفض الكربون فى بلادنا.
أضاف: يمكننا، حاليًا، توليد 50 جيجا وات فى الساعة من خلال استخدام تقنيات مثل الألواح الشمسية والتوربينات المائية فى أنابيب المؤسسة، وهو ما يقلل تكاليف الطاقة لدينا، ويسهم أكثر فى إنتاج البلاد من الطاقة النظيفة.
أكد ستيفانى كلارك، مدير السياسات فى مؤسسة أسكتلندا لمصادر الطاقة المتجددة، أن قطاع التدوير عن طريق الهضم اللاهوائى مزدهر، حيث تشير الأرقام الأخيرة إلى أن هناك 27 محطة فى جميع أنحاء البلاد، بزيادة %69 على العام الماضي.
وقال كولين ليندساي، مدير العمليات فى ديرياكس، إنه من المتوقع ازدهار هذا القطاع أكثر وأكثر بعد التشريعات التى تلزم الشركات بفصل النفايات الغذائية، مشيرًا إلى أن هذه القوانين ستجبر المؤسسات على خفض نفايات الطعام، ولذلك فإعادة تدوير النفايات الغذائية ليست جيدة فقط للبيئة، لكنها جيدة، أيضًا لرجال الأعمال.
ويلزم التشريع الجديد فى المناطق غير الريفية منذ يناير 2016 الشركات التى تخرج مخلفات طعام أكثر من 5 كيلوجرامات فى الأسبوع بأن تفصلها وتسلمها إلى مؤسسة إعادة تدوير النفايات الغذائية كبديل صديق للبيئة فعال يعفى من تكلفة دفنها.