بدأت الشركات الصينية فى الاستحواذ على الشركات الأجنبية باختلافها بمعدل لم يسبق له مثيل، ومن المحتمل أن نرى الكثير من عمليات الشراء العام الجارى.
حتى الآن، فى عام 2016، باعت «جنرال الكتريك» الأمريكية الأصول التجارية لأجهزتها إلى شركة «تشينجداو هاير المحدودة» المدرجة فى بورصة شانغهاى، وقدمت شركة «زوملايون» للصناعات الثقيلة، المُصنع الأول فى الصين لمعدات الاعمال الخرسانية، عرض شراء لمؤسسة «تيريكس»، ثالث أكبر شركة فى العالم لصناعة معدات البناء ومعدات الرفع الثقيلة.
كما أعلنت مجموعة شركات «داليان واندا» الصينية للاستثمار العقارى صفقة لشراء حصة أغلبية فى شركة إنتاج الأفلام ألأمريكية «ليجندارى بيكتشرز».
واشارت مؤسسة «ديلوجيك» العالمية، العاملة فى مجال تزويد البيانات، يوم الجمعة الماضي، إلى إعلان مجموعة «تشونجتشينج» الاستثمارية الصينية البارزة بأنها ستشترى بورصة «شيكاغو للأوراق المالية» منتصف العام الحالى.
واستحوذت شركة الكيماويات الصينية المملوكة للدولة، «كيم تشاينا»، على مجموعة «سينجينتا» السويسرية للبذور والمبيدات بحوالى 48 مليون دولار، وهو رقم قياسى بكل المعايير.
وأضافت مؤسسة «ديلوجيك» أنه كانت هناك بالفعل 82 من عمليات الاندماج والاستحواذ الخارجية، المعلن عنها العام الجارى، لصالح الشركات الصينية بقيمة 73 مليار دولار، وهو ما يزيد على نفس الفترة من العام الماضى بحوالى 55 عملية قيمتها 6.2 مليار دولار.
وشهد العام الماضى رقمًا قياسيًا من حيث عدد الصفقات الشرائية الخارجية الصينية، بواقع 607 صفقات بلغت قيمتها 112.5 مليار دولار، ولم يمض ما يزيد على شهر واحد فى عام 2016، والصين تكاد تقترب أكثر من كسر نصف هذا المبلغ.
تُرى ما الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
تكمن أحد التفسيرات فى أن الشركات الصينية ببساطة متعطشة للنمو مع تباطؤ الاقتصاد، وانها تعمل على تقوية أوضاعها عن طريق شراء شركات أخرى.
وقال فيكاس سيث، رئيس الأسواق الناشئة فى قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية وأسواق رأس المال فى بنك «كريدى سويس» لمجلة «بيزنس إنسايدر» إنه «رغم تباطؤ الاقتصاد، فإن الشركات الصينية تتطلع بشكل متزايد إلى سبل بديلة لاستكمال نموها»، وكان النمو الاقتصادى فى الصين فى عام 2015 عند أقل مستوياته منذ 25 عامًا.
ولا يتعلق الأمر فحسب بنمو الشركات، لاسيما وأنه هناك صفقات للاندماج والاستحواذ عابرة للحدود تهدف للوصول أيضًا إلى الأسواق المختلفة.
وأضاف سيث: «تتمثل بعض الدوافع الرئيسية لعمليات الاستحواذ عبر الحدود فى الوصول إلى أسواق جديدة، وعلامات تجارية، وآليات تكنولوجية، وتعزيز إمكانات البحث والتطوير، وفى بعض الحالات، يكون الهدف الاستحواذ على منتجات وسلاسل توريد يمكن بيعها إلى شبكات توزيع صينية».
وأردف قائلاً: «أعتقد ستستمر تلك الوتيرة من عمليات الاستحواذ من جانب الصين مع مرورها بتحول ملحوظ فى اقتصادها».
ومن بين المشترين شركات مملوكة للدولة وشركات خاصة، وصناديق ثروة سيادية، وصناديق أسهم خاصة.
ففى حالة الاتفاق على بيع وحدة الأجهزة التابعة لـ«جنرال الكتريك»، بات بمقدور «هاير» الصينية اختراق الأسواق والاستحواذ على العلامة التجارية لـ«جنرال إلكتريك»، كما أن اتفاق «سينجينتا» يسهل الأمر أمام «كيم تشاينا» الصينية للحصول على أحدث التكنولوجيا وعمليات البحوث والتطوير بالغة الأهمية.
كما أن شراء شركة إنتاج الأفلام الأمريكية «ليجندارى بيكتشرز»، مع امتلاك «داليان واندا» الصينية لسلاسل المسرح والسينما فى الصين، يمكن الأخيرة من السيطرة على المحتوى الذى يتم إنتاجه فى النهاية.
وتقول بزنس إنسايدر: إن مثل هذه الطفرة الهائلة فى عمليات الشراء والاستحواذ تحمل أنباء سارة لوول ستريت، حيثأفادت مؤسسة «ديلوجيك» أن البنوك الاستثمارية حصلت فى العام الماضى على 558 مليون دولار كإيرادات من صفقات الاندماج والاستحواذ الخارجية المبرمة لصالح الصين، وهذا الرقم وصل إلى 121 مليون دولار حتى الآن خلال العام الجارى.
ولكن هناك، بالطبع، عددا من التحديات ستواجهها هذه الصفقات خصوصًا فى الولايات المتحدة.
وأضافت المجلة أن صفقات الاندماج والاستحواذ فى الولايات المتحدة تخضع للتدقيق من قبل لجنة الاستثمارات الخارجية، ففى الآونة الأخيرة منعت اللجنة بيع شركة «فيلبس» الرائدة عالمياً فى مجال الإنارة وتقنية الإضاءة لمجموعة من المشترين من آسيا بحوالى 3.3 مليار دولار.
وقالت آنا سالادين بشركة «ستروك آند ستروك» للاستشارات القانونية: «سأكون مندهشة للغاية إذا لم تتدخل لجنة الاستثمارات الخارجية فى اتفاق بيع بورصة «شيكاغو» للأوراق المالية.
وهناك أيضًا تحديات ثقافية عندما يتعلق الأمر بدمج شركات غربية فى شركات صينية، ناهيك عن التحديات المحتملة لتثمين الشركات، فى ضوء تقلبات السوق الأخيرة.
وتحتاج الشركات الصينية لدعم كامل من الحكومة الصينية من أجل إتمام صفقاتها الخارجية، وتحتاج الى موافقة الأخيرة من أجل الحصول على النقد الأجنبى الكافى لتحمل تكلفة عمليات الاستحواذ، والتى تراقبها الحكومة عن كثب، كما أن العديد من الشركات التى تسعى وراء العمليات الخارجية هى فى الواقع شركات مملوكة للدولة.
ونظرًا لحجم عمليات الاستحواذ الأخيرة، يبدو أن الحكومة الصينية داعمة للطفرة الحالية لعمليات الشراء الخارجية، ويوحى هذا الأمر بأنه يمكن أن يكون هناك الكثير من العمليات ذاتها مستقبلاً.