افتتاحية الفاينانشيال تايمز
فى مرحلة ما فى 2016، سوف تشهد الأسواق المالية والسلع أسبوعاً هادئاً، وهذا الأسبوع لم يكن الأسبوع الماضى قطعاً، فالاضطرابات الكبيرة فى الأصول المالية والبترول دفعت مؤشرات الأسهم العالمية إلى منطقة السوق الهابط قبل أسبوعين، قبل أن تتحسن فى اليومين التاليين.
وبغض النظر عما يحدث يوماً بيوم، فإن التهديدين المتلازمين، وهما أسعار البترول، والأسهم المضطربة، العام الجارى ضخا عدم اليقين فى التوقعات الحالية للاقتصاد العالمي، كما رفعا مخاطر اتخاذ صناع السياسة خطوات خاطئة، والذين ينبغى عليهم القلق بشأن تراكم المشكلات على المدى المتوسط.
وعادة، كان الانخفاض فى البترول جيداً للنمو العالمي، لكن التراجع الكبير والسريع فى الأسعار العام الجارى قد يكون له تأثير سلبى على الأسواق والنظام المالى بشكل عام، على الأقل على المدى القصير.
وترتفع نسب الاستدانة فى قطاع البترول، فقد اقترضت شركات البترول بقدر كبير فى سنوات ارتفاع الأسعار التى انتهت فى 2014، بعد تطور تقنية التكسير الهيدروليكى فى الولايات المتحدة، وبالتالى فإن تخفيض المديونية السريع بجانب صدمات الأسعار الحادة، لهما تأثير سلبى كبير على أسعار أسهم وسندات الشركات والبنوك التى اقرضتها، وهذا الاتجاه الهبوطى يمكن أن ينعكس على باقى السوق.
كما أن الانخفاض فى أسعار البترول سوف يضر الاستثمارات الرأسمالية المرتبطة بالخام، خاصة فى التكسير الهيدروليكى، حيث إن فترات الانتعاش القصيرة، وارتفاع سعر التعادل يجعلان الإنفاق أكثر حساسية تجاه سعر البترول.
وعلى المدى الطويل، ستعود الأسس الاقتصادية للتأكيد على نفسها فى الوقت الذى تتسلل فيه فوائد انخفاض أسعار البترول إلى بقية الاقتصاد، وسوف تشهد الشركات والعملاء المستهلكون للبترول زيادة فى صافى إيراداتهم ودخولهم الحقيقية على التوالي.
ومع ذلك، لا ينبغى أن تشغل البنوك المركزية أنفسها بالبحث عن دلائل لتأثير الصدمات من قطاع الطاقة على الاقتصاد، بل ينبغى عليها مراقبة توقعات التضخم لملاحظة أى علامات على مزيد من الانكماش.
ورغم تواصل النمو فى اقتصادات مثل بريطانيا والولايات المتحدة، وإصرار المركزى الفيدرالى على أنه يرى تزايداً فى الضغوط التضخمية، فإن التضخم نفسه والتوقعات المستقبلية الخاصة به يتراجعان.
وفى الولايات المتحدة، يتراجع بثبات منذ عامين ما يطلق عليه مؤشر الخمس سنوات، والذى يظهر توقعات التضخم خلال فترة مدتها 5 سنوات اعتباراً من الآن، أما بريطانيا، فقد قالت الأسبوع الجارى، إن معدل تضخم أسعار المستهلك هو الأقل فى نصف قرن.
وعلى ما يبدو، تتبع توقعات التضخم القائمة على السوق إلى حد ما سعر البترول، لدرجة أن أى تغير فى سعر البترول يتسبب فى ارتفاعات مؤقتة فى التضخم، بينما يظل تأثير مستوى السعر هو الأكبر، وبالتالى يجب التعامل مع هذه العلاقة بحذر.
ومع ذلك، وفى وقت تنخفض فيه بالفعل توقعات التضخم، وتنتشر فيه المخاوف من الفائض الإنتاجي، والانكماش، ينبغى على البنوك المركزية أن تطمئن الأسواق بأنها مستعدة لتخفيف السياسة إذا تراجع التضخم أكثر.
وفى هذا السياق، لا تبدو خطوة الفيدرالى برفع الفائدة ربع نقطة مئوية فى ديسمبر الماضى سابقة لأوانها فحسب، وإنما توقعاته بالمزيد من الرفع العام الجارى تبدو منفصلة عن الواقع.
وتسلط التحركات العنيفة فى الأسواق العالمية الضوء على تهديد الصدمات للاقتصاد العالمي، لذا يجب على صناع السياسة ألا يتخذوا ردود أفعال بناءً على التطورات قصيرة الأجل، ولكن يتعين عليهم أن يكونوا مستعدين للاستجابة إذا بدأت توقعات التضخم والنمو فى التراجع على المدى المتوسط.