واجه الخبير الاقتصادى العالمى الدكتور محمد العريان فى 2009 إبان الأزمة المالية الدولية ساسة الحكومات المتقدمة بنظرية “المعتاد الجديد”، التى تؤكد أن الاقتصاد دخل فى مرحلة جديدة من النمو المنخفض لينهى عصر القفزات البهلوانية غير المنطقية لكن رجال الاقتصاد قابلوها بفتور.
ويلوم “العريان” على البنوك المركزية التعامل مع هذا التراجع على أنه جزء من دورة الصعود والهبوط للاقتصاد متجاهلين واقع الازمة التى توارى خلف إجراءات استثنائية طويلة الأجل مثل برامج التيسير الكمى.
وفى كتابه الجديد الذى صدر الشهر الماضى بعنوان “اللعبة الوحيدة فى المدينة: البنوك المركزية، وعدم الاستقرار، وتجنب الانهيار التالى”، قال إن التوترات والاجراءات المتناقضة المستمرة، بالاضافة الى الاعتماد المفرط على السياسة النقدية، تزعزع الاستقرار حتى لو كان استقرارا قائما على النمو المنخفض.
وحذر العريان فى مقال له على موقع بروجيكت سينديكيت من ان التأثير المهدئ الناجم عن السياسات غير التقليدية بلغ أقصى مداه وعلى صناع القرار الاستجابة بطريقة أكثر شمولية من خلال الإصلاحات الهيكلية والابتكار التكنولوجى وغيرها من الخطوات العملية التى تؤدى الى تحقيق نمو غير مصطنع كما هو الحال الآن.
وعلى هذا الطريق يسير القطاع المالى العالمى، الذى بدأ التعامل مع هذا الواقع الجديد من خلال ابتكار أدوات مالية أكثر مرونة مع النمو المنخفض وقيود الائتمان، التى فرضها قادة البنوك المركزية.
ولا يمكن إغفال قدرة هذا القطاع فى الاستفادة من التطور التكنولوجى والانترنت فى خلق منصات جديدة للاقراض عبر التقارب بين طرفى الاستدانة.
ويعد ظهور بدائل واسعة لجهات التمويل التقليدية خصوصا المصرفية تتويجا لهذا التطوير الشامل الذى حث عليه العريان ومن أهمها مؤسسات الاقراض المباشر عبر الانترنت.
الملف التالى يسلط الضوء على انطلاقة القطاع المالى العالمى نحو المستقبل
الاستثمار المباشر يهزم عصر العائدات المنخفضة
تدوير 1.2 تريليون دولار فى جسد الاقتصاد الأمريكى المتعب
أكثر من ألف صندوق فى العالم مول 550 مليار دولار 2015
صناديق الظل تهدد عرش مديرى الأصول التقليديين
اعتبر توفير 5.6 مليار دولار لتمويل الاستحواذ من قبل مؤسسى صندوق كيه كيه ار عام 1987 لشراء شركة آر جى آر نابيسكو عملًا هائلًا فى فى ذلك الوقت.
لكن فكرة قيام صندوق ادارة اصول بتوفير رأس المال لصفقات الاستحواذ اشتهرت فيما بعد وتم تدوينها فى كتاب وفيلم فى وقت لاحق يحملان نفس الاسم “برابرة عند البوابة”.
ووفقًا لإحصاءات هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية فى نهاية عام 2014، فإن صناديق الاستثمار المباشر التى تدير اصولا لا تقل عن مليارى دولار تتحكم فى رؤوس أموال تبلغ 1.2 تريليون دولار.
ووصل الامر بهذه الصناديق انها تدير أموالًا بشكل متزايد قادمة من مؤسسات تمويل قروض طويلة الأجل وأسواق خاصة أخرى منافسة عبر المؤسسات الاستثمارية وليس الأفراد فقط.
وتتميز صناديق الاستثمار المباشرة المتطورة مثل كيه كيه آر بانها نشات كمدير بديل للأصول برض خدمة المستثمرين من المؤسسات الذين يبحثون عن عائدات أعلى مما يمكن الحصول عليها من السندات والأسهم.
وعلى الصعيد العالمي، ووفقا لمؤسسة بريكين التى تجمع بيانات الأصول البديلة فإن أكثر من ألف صندوق مول 550 مليار دولار العام الماضى من رأس المال الخاص، وهو ما جعل عام 2015 الثالث على التوالى الذى يلبى طلب المستثمرين على أصول البنية التحتية والديون الخاصة والعقارات وصفقات الاستحواذ.
وتقليديا، تحبس صناديق الاستثمار المباشر رأسمال المستثمرين لنحو 10 أعوام فبعد توفير رأس المال يبحث منفذو الصفقات عن أصول تحقق إعادة المال فى غضون خمس إلى سبع سنوات على أمل مضاعفة المبلغ مرتين أو ثلاث مرات من خلال بيع الأسهم المدرجة فى السوق.
وتشير بيانات نقلتها صحيفة فاينانشال تايمز الى أن الثلث فقط من محبى الاستثمار المباشر يضعون أموالهم فى الصناديق الكلاسيكية، التى تستثمر 10 أعوام.
ووفقًا لمسح أجرته فى وقت متأخر من العام الماضى مؤسسة باليكو، وهى صندوق استثمار مباشر يعمل عبر الإنترنت فإن المستثمرين يضعون واحدًا على عشرة من أصولهم فى الاستثمار المباشر عبر صندوق إدارة أصول أو من خلال عمليات ينفذونها بأنفسهم.
وتلجأ بعض صناديق المعاش الكبير وصناديق الثروة السيادية فى جميع أنحاء العالم للاعتماد على فرق استثمار خاصة بها من ذوى الخبرة لتنفيذ صفقات الاستثمار المباشر وهو اتجاه متنامٍ فى الأونة الأخيرة.
ومن المتوقع تطور ظاهرة صناديق الظل لتنمو بشكل أكبر مع تصاعد رغبة المستثمرين فى تحقيق وتيرة افضل لتوزيع رأس المال فى الأستثمار المباشر لكن عبر صفقات ينفذونها بأيديهم.
ويشكو المستثمرون من ان %75 صناديق ادارة الأصول احتاجوا ثلاث سنوات أو أكثر لاستثمار نصف رأس المال مما يطيل فترة انتظار العائد، حيث يطلب المديرين التنفيذيين من العملاء الصبر لايجاد فرصة استحواذ وعقد الصفقات المناسبة.
ومع تأخر تنفيذ الصفقات يجد أيضًا المستثمرون انفسهم مضطرون لدفع نسبة من %1 إلى %2 رسوم إدارية على رأس المال ناهيك عن تكلفة الفرصة البديلة الضائعة نتيجة تجميد اموالهم حتى العثور على صفقة.
وتحتاج الصناديق إلى أن تحصل على السيولة المالية لتكون قادرة على الوفاء بالتزامات الاستثمار ومن المهم أن يبقى المال عند مستوى يجعله يؤدى مهمته فى جلب العائدات خصوصا فى وقت تعطل الاستثمار.
اضطرابات الأسواق تعرقل سوق الاكتتابات الأولية فى 2016
إذا وقعت الشركات بين خيارى الأسواق العامة المضطربة والملكية الخاصة فمن المرجح أنها ستختار الأخير، وهذا هو التفسير المنطقى لتراجع كمية الأموال، التى جمعتها من الاكتتابات العامة الأولية فى 2015.
ويقول الخبراء: هذا التطور الذى جاء فى اعقاب عدة سنوات قوية لعمليات الطرح، والتى من المرجح أن يستمر فى عام 2016 يعود إلى مؤشرات سلبية كثيرة فى الأسواق.
عانت أسواق الأسهم من الاضطراب الشديد فى بداية العام الحالى بعد انخفاضات حادة فى الصين، والتى فاقمت المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمى ودعمت توقعات المستثمرين بالتراجع عقب نهاية السياسة النقدية المتساهلة التى ادت لتضخم كبير فى تقييمات الأسهم.
وعلى الصعيد العالمى، انخفضت قيمة الاكتتابات بنسبة %36 بين عامى 2014 و2015 من 263.8 مليار دولار لـ193.9 مليار دولار، وفقًا لمؤسسة ديلوجيك البحثية، حيث إن عددا من صدمات السوق أدت بالشركات إلى اختيار البقاء بعيدا أو تاجيل صفقات كانت وشيكة.
قال مارك هانثو، رئيس وحدة الأسواق العالمية فى دويتشه بنك إن الأسوق تمتعت بانطلاقة قوية جيدة جدا لنشاط الاكتتابات خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما يجعل تراجع العام الماضى أكثر من الحد الطبيعى.
وتعتبر الاكتتابات هى افضل طريقة لاكتشاف السعر الصحيح لأسهم الشركة، والمصرفيين عادة لا يحبون تقدير الأسهم فى وقت تقلب الأسواق.
ويعتبر شهر يناير 2016 دليل على خوف المستثمرين من عمليات الاكتتاب الأولية للأسهم حيث لم يشهد عملية طرح أولية واحدة.
فى حين أن 2012 شهد عملية طرح الفيسبوك يليها تويتر فى عام 2013 وشركة على بابا فى عام 2014، لكن مخاوف السوق تعطل دخول أحدث الشركات مثل اوبر، التى تقدم تطبيق طلب سيارات الاجرة وشركة ايربناب، وهو تطبيق حجوزات الإقامة، وكذلك شركة تطبيق سناب شات إحدى منصات وسائل التواصل الاجتماعى.
وفى مؤشر حول تراجع رغبة المستثمرين تجاه القطاع سعرت شركة سكوير للمدفوعات ومقرها سان فرانسيسكو سعر أسهمها فى صفقة نوفمبر العام الماضى للاكتتاب العام الأولى بـ9 دولارات وهو انخفاض بنسبة %40 عن المستوى المعروض من قبل مستثمرين قدموا تمويلا خاصا فى العام السابق.
وفى أوروبا كان شهرى يناير وفبراير مزدحمان فى 2015 بأعلى معدل من الصفقات لمدة عشر سنوات.
وقالت مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز، إن انخفاض أسعار البترول وعدم اليقين الجيوسياسى فى عام 2014 أدى إلى تاجيل توقيع عدد من الاتفاقيات إلى مطلع العام الماضى وعزز السوق بعض عمليات الخصخصة الكبيرة، وعلى العكس تماما جاء الربع الاول من العام الجارى.
وشهد العام الماضى مناقشات كبيرة حول عدد من الصفقات المحتملة، ولكن فى النهاية كان شهرى يناير وفبراير 2015 الأفضل فى انهاء الصفقات، كما يقول مارتن ثورنيكروفت، رئيس وحدة الأسهم الأوروبية فى بنك مورجان ستانلى.
ويعود تأجيل كثير من الصفقات حاليًا إلى رغبة المشاركين فى إعطاء الشركة المزيد لمراجعة سجل الأداء بشكل أفضل مع ظهور الاضطرابات فى الأسواق فى الأسابيع الأولى من 2016.
صناديق التقاعد تفضل استثمارات البنية التحتية وتخاف منها
نقص الخبرات وتقييم المخاطر يعرقلان انتظام الصفقات
57 تريليون دولار مطلوبة لتنفيذ مشروعات حول العالم
عندما تعاونت هيئة صندوق لندن للمعاشات وصندوق معاشات مانشيستر الكبرى لإنشاء آلية للاستثمارات فى البنية التحتية بقيمة 500 مليون استرلينى احتاجت 10 أشهر لتوفير 60 مليون استرلينى وبعد ذلك بعام مازال الصندوقان يسعيان لاستثمار 440 مليون استرلينى المتبقية.
ويقول كريس رول كبير مسئولى الاستثمار فى صندوق لندن الذى تبلغ أصوله 4.6 مليار دولار من أموال عمال السلطة المحلية فى لندن إن العثور على استثمارات البنية التحتية المناسبة يمثل تحدياًً ليس سهلًا بالمرة.
وقال ماتى ليبلا، الرئيس التنفيذى لهيئة المعاشات الأوروبية وهى جمعية تجارية لصناديق المعاشات إن هناك عددًا قليلًا جدًا من المشاريع الجيدة للاستثمار فيه وسط منافسة كبيرة من كثير من المستثمرين الذين يبحثون عن مشاريع للاستثمار فضلًا عن أنها مشروعات منخفضة العوائد.
والغريب أن هناك نقصًا حادًا فى المشاريع المناسبة المتاحة على الرغم من حاجة قطاع البنية التحتية لاستثمارات ضخمة كما يرى ليبلا.
وفى الواقع، هناك حاجة إلى 57 تريليون دولار عالميًا بحلول عام 2030 لتمويل مشروعات فى مجالات الطاقة والمياه والنقل والمشاريع الاجتماعية، بحسب تقديرات شركة ماكينزى للاستشارات.
ويشير بوى بهارى، رئيس وحدة أسهم البنية التحتية العالمية والعضو المنتدب فى ايه ام بى كابيتال الاسترالية التى تدير أصولًا بنحو 90 مليار دولار الى أن هناك مجالًا كبيرًا للمستثمرين من مؤسسات لتمويل مشاريع أخرى ممولة من قبل الحكومات.
وأضاف أنه لدى صناديق المعاشات الاسترالية مخصصات %10 إضافية للبنية التحتية، فى حين أنه فى أوروبا يبلغ متوسط المخصصات حوالى %2.
وأوضح بهارى أنه يتوقع نمو الطلب على استثمارات البنية التحتية فى 2016 وما بعده، حيث يواصل المستثمرون من المؤسسات البحث عن مشروعات أكثر استقرارًا تتميز بالتدفقات النقدية طويلة الأجل التى تحافظ على رأس المال.
ونقلت صحيفة فاينانشيال تايمز عن ألان بولاك الرئيس التنفيذى لمجموعة بى اف ايه أكبر صنايق المعاشات فى الدنمارك، إن مجموعته زادت فى الآونة الأخيرة من عمليات التخصيص لاستثمارات البنية التحتية، وتخطط لزيادتها إلى أبعد من المستويات الحالية.
فى الوقت نفسه أشار رول إلى أن صندوق لندن يستثمر حوالى %5.5 من أصوله فى مشاريع البنية التحتية، لكنه قال إنه من المرجح أن ترتفع النسبة إلى %10 الفترة المقبلة.
ومع ذلك، فإن العديد من مؤسسات الاستثمار تترد فى الدخول فى مجالات البنية التحتية وفى كثير من الأحيان يعود ذلك لافتقارها إلى الخبرة اللازمة المطلوبة بشكل ضرورى لمثل هذه الأنشطة كما يمتلك عددًا قليلًا من مؤسسات الاستثمار فرقاًً متخصصة فى مشاريع البنية التحتية.
وتعتبر من أهم العقبات الرئيسية أمام استثمار صناديق المعاشات فى البنية التحتية هى التحدى المتمثل فى تقييم وإدارة المخاطر غير المألوفة بالنسبة لفرق عملها مثل مخاطر عملية البناء، بخلاف مشكلة العثور على مشاريع للاستثمار فيها.
ويرى دنكان هيل، رئيس وحدة البنية التحتية العالمية فى تاور ويليس واتسون، وهى مؤسسة تقدم المشورة لمؤسسات الاستثمار أن السوق يعانى من عدم توافر مشروعات بنية تحتية مناسبة بشكل منتظم لأن من يقوم بطرح هذه المشروعات هى السلطات الحكومية والمحلية التى تخضع قراراتها لضوابط الموازنة العامة ورقابة الجهات التشريعية.
القطاع المصرفى يعطى قُبلة الحياة لشركات الطاقة
فى وقت تنهار فيه إيرادات شركات البترول والغاز العالمية، تتلاشى قدرتها على تمويل أى توسع لأنشطتها بنفسها، وتقوم حاليًا معظم عمليات التنقيب والإنتاج للشركات باستثمارت خارج تدفقاتها النقدية، حيث تعول على استثمارت الأسهم والديون لملء أى ثغرات تمويلية.
وكان على هذه الشركات خفض إنفاقها لتوفير المال ليس فقط فى مناطق البترول الصخرى وفى جميع أنحاء العالم.
تراجع الإنفاق الرأسمالى للمستكشفين فى الولايات المتحدة وحدها نحو %40 العام الماضى، وفقًا لبنك كريديه سويس. ومن المتوقع هبوطه مرة أخرى بمقدار الثلث العام الجارى، ومن الطبيعى أن عمليات طرح الأسهم والسندات هبطت %35 فى عام 2015 بحسب بيانات مركز ديلوجيك البحثى وهو أكبر انخفاض منذ عام 2000.
لكن التحسن الطفيف لأسعار البترول فى الأسابيع الأخيرة حفز المستثمرين لتقديم رؤوس الأموال على أساس أن أسعار الطاقة يمكن أن تنتعش فى النصف الثانى من 2016.
وخارج أمريكا الشمالية ايضًا، وجدت الشركات صعوبة فى الحصول على نصف الأموال التى جمعوها من طرح الديون والأسهم مقارنة بالعام السابق، وفى أوروبا كان على الشركات أن تعتمد فى معظمها على إعادة التمويل عبر التسهيلات الائتمانية.
كان الصيف الماضى حافلًا بالنسبة لبعض المصرفيين الأوروبيين، فشركات التنقيب اقترضت أو أعادت تمويل قروض قديم، وأحيانًا استخدمت احتياطياتها البترولية كضمان للاقتراض. وقد اغتنمت شركات مثل انكويست وبرايمر أويل الفرصة لإعادة التفاوض على اتفاق مع المقرضين.
قال كريستوف رو، خبير فى بنك سوسيتيه جنرال، إن السوق شهد سيولة كبيرة فى الصيف الماضى لتلبية طلبات شركات البترول رغبة فى الاعتماد على الديون أكثر من الأسهم.
ومع ذلك، فإن التفاؤل يغيب عن شركات البترول حيث بدأت ترتيب أوضاعها على أساس أن أسعار الطاقة المنخفضة سوف تستمر لمدة أطول مما يعتقد الكثيرون حتى لو طرأ عليها انتعاش محدود، لكن من غير المتوقع عودته لمستويات الـ100 دولار قريبًا ولا حتى الـ80 دولارًا وأقصى ما يتمناه أصحاب الشركات عودته فوق مستوى الـ50 دولارًا مع نهاية العام الجاري.
وترى هيئة الطاقة الدولية، أن المعركة على حصص السوق البترولية التى تقودها السعودية ضد شركات البترول الصخرى والدول المنتجة خارج منظمة الأوبك ما زالت فى مراحلها الأولى، ومن غير المتوقع إخمادها قريبًا.
وصعدت شركات البترول الأوروبية بالفعل من جهود توطيد العلاقات المصرفية كما تحتاج نظيرتها الأمريكية إلى تطوير انشطتها البنكية أكثر من أى وقت مضى فى الأشهر المقبلة.
ويجب أن تنتبه الشركات فى الولايات المتحدة إلى أن سوق الأسهم الأمريكية يعانى من تراجع الرغبة فى أسهم قطاع الطاقة، بعد أن أصبحت أقل أهمية لمديرى المحافظ المالية وانخفضت إلى النصف أسهم الطاقة كنسبة من قيمة مؤشر ستاندرد آند بورز منذ عام 2011 لتصبح %6 فقط.
وفى الوقت نفسه، تزيد أوجاع الشركات مخاطر حدوث زيادات أخرى فى أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة، بعد قرار مجلس الاحتياطى الفيدرالى فى ديسمبر الماضى رفعه للمرة الأولى منذ نحو عقد من الزمن، وهو ما يعنى لسوق السندات ذات العائد المرتفع صعود التكلفة والتى كانت فى الماضى خيارًا محببًا لشركات الطاقة فى الولايات المتحدة.
وارتفع فارق العائد على السندات بالمقارنة بأذون الخزانة الأمريكية إلى أوسع نطاق لها منذ عام 2011، وهو ما يعطى مؤشرًا على أن أسعار تلك السندات فى انخفاض وكذلك عائداتها فى ارتفاع بمعدل أسرع من سندات الخزانة الأمريكية. وارتفعت عائدات سندات قطاع الطاقة عالية الأرباح لتصبح ضعف عائدات سندات جميع القطاعات الأخرى.
ومع اختفاء مصادر بديلة للتمويل، تقوم البنوك بتقييم احتياطيات البترول والغاز لكل شركة لتستخدمها كضمان ضد القروض المصرفية، وهو أمر حيوى لها خشية التعثر وسط غرق سعر الخام العالمي.
وفى الولايات المتحدة، يحدث جدل كبير بين المقرضين وعملائهم حول قيمة احتياطياتها والتى ربما تتراجع تقديراتها لأقل من العام الماضي.
ومع استمرار أسعار البترول حول مستوى الـ30 دولارًا للبرميل، فإن البنوك سوف تستمر فى النهاية فى خفض تقييم الاحتياطى من الخام لدى الشركات أكثر قليلًا من العام الماضى، بحسب ما يعقتد بول جريجل محلل فى مؤسسة ماكواري.
وبصرف النظر عن أن الانتعاش المحتمل لأسعار الطاقة أهم عوامل تدفع زيادة النشاط فى أسهم البترول والغاز، وإصدار السندات الدين ونشاط الاندماج والاستحواذ، فإن العام الجارى سيشهد حجم صفقات بين الشركات والبنوك كبيرًا للتحوط ضد مخاطر المستقبل.
وشهد العام الماضى ضغوطًا كبيرة على الشركات أسفرت عن صفقات كبرى، منها إعلان شركة شل الاستحواذ على مجموعة “بى جى” فى أبريل الماضى فى صفقة بلغت 82 مليار دولار، لكن هبوط الأسعار حد من عدد صفقات قطاع الطاقة التى تراجعت فى جميع أنحاء العالم بنسبة الثلثين عام 2015.
مشروعات المرأة ضحية سيطرة الرجال على مؤسسات التمويل
تستعيد لين ليوب ذكريات الماضى عندما كانت تبحث عن تمويل لمشروعها الجديد، وكانت تلتقى بحفنة قليلة من السيدات فى مؤسسات تمويل المشروعات الرأسمالية.
وقالت إنها كامرأة كان عليها أن تعقد اجتماعات داخل مكاتب يسودها الرجال بتفكيرهم الذكورى.
وتعمل حاليا ليوب رئيسا ومؤسسا مشاركا فى شركة كاردليتك التى تستخدم القنوات البنكية عبر الإنترنت وأجهزة المحمول لتعقب إنفاق المستهلك.
تغير الحال اليوم وأصبح مختلفًا، حيث تخلق المرأة وتقود الأعمال التجارية وبحسب صحيفة فاينانشال تايمز فإن البيانات الحكومية فى الولايات المتحدة تشير إلى أن %36 من الشركات أسستها أو تديرها سيدات.
وقد حققت الشركات التى يقودها العنصر النسائى تحسنا كبيرا فى القدرة على الحصول على تمويل رأسمالى لبداية أو توسعة أعمالها التجارية. ووجدت دراسة أمريكية فى 2014 أن الفترة من 2011 إلى 2013 شهدت نجاح الشركات التى تكون السيدات فيها ضمن الفريق التنفيذى للعمل فى الحصول على تمويل أكثر بنسبة %15 لرأسمال المشروعات،
كما حصلت الشركات التى تترأسها سيدة على تمويل رأسمالى بنمو %3 فى نفس الفترة، التى تناولتها دراسة جامعة بابسون الأمريكية.
وتقول كيتى ميشيل، مؤسسة شكيل فانتشير بارتنرز فى وادى سيلكون التكنولوجى بالولايات المتحدة إن رواسب اللاوعى تجاه المرأة تظهر عندما تكون طرفا فى طلب تمويل حيث يدور النقاش بين رجل وسيدة على غير العادة السائدة التى يكون فيها الحديث رجلا لرجل.
ويتسبب ذلك فى أن المراة تكون أسيرة شعور بأنها أقل قدرة على إقناع مؤسسات التمويل بفكرتها وأنها قادرة على تنفيذ مشروع ناجح يمكنه ان يسدد ما يقترضه فى المواعيد المحددة.
ويعتبر العائق الثانى أمام الجنس اللطيف ضعف اختراقها لشبكات العمل التى يكون لها دور حيوى فى قرار توفير التمويل لمشاريعها بسبب سيطرة الرجال على هذه الشبكات.
وتفضل شركات التمويل التعامل مع الاشخاص المعروفين لديها، وهو ما يجعل إلزاميا على السيدات أن يخترقن هذه الشبكات لتعزيز موقفهن فى توفير رأس المال اللازم لمشروعاتهن وتوسعاتهن.
وقد تكون شبكة التمويل عائلية أو مرتبطة بأصدقاء حيث يوجد الشخص الذى يمكنه تقديم المساعدة بطريقة مناسبة وفى الوقت المناسب ايضا، وقد يكون له الدور الاكبر فى إقناع جهة التمويل المستهدفة.
ومع تنوع مصادر التمويل فإن على المرأة أن تطرق جميع الأبواب مع الاستعداد الجيد بجميع الاوراق والدراسات التى تثبت جدوى المشروع وأنه يستحق مخاطرة جهة التمويل بتقديم القرض المطلوب.
ويرى الخبراء أن الامر يعود للسيدات فى النهاية عقب تحديد موعد مع ممثل الجهة الممولة لكى تقنع الرجال بانها سيدة تستحق الدعم وانها واثقة من قدراتها التى قد تفوق بعض الرجال المسيطرين على القطاع.
وبحسب ليوب فإن تعريف الرجال للثقة بالنفس يختلف عن السيدات ولذلك على المرأة أن تتعلم كيفية الظهور بمظهر الواثق أمام غرفة مكتظة بالرجال وهى مهارة هامة لنجاحها.
ابتكار أدوات مالية جديـدة يعزز فرص نمو القطاع المصرفى الدولى
الشركات المبتدئة وقطاع التكنولوجيــا الناشئة أكبر المستفيدين.. والجيل الحالى أكثر شجاعة فى تأسيس الشركات
قال ستيوارت بترفيلد، مؤسس برنامج مراسلة داخلى للشركات (سليك) فى أبريل الماضى، إن تلك الفترة كانت الأفضل لزيادة رأس المال من أى وقت مضى، مشيرًا إلى أنها قد تكون فترة تاريخية لم تتكرر منذ قدماء المصريين.
وبالفعل حتى أشهر قريبة كانت المشروعات الجديدة تجد الأمر سهلًا للحصول على تمويل لرفع رأس المال من صناديق رأس المال الاستثمارى بقيم لم يسبق لها مثيل، فشركة بترفيلد رفعت رأسمالها بنحو 160 مليون دولار، ولكن فى الأشهر الأخيرة تراجعت بيئة التمويل.
لكن صعوبة التمويل التى يواجهها رجال الأعمال لم تعد بهذا التعقيد؛ بسبب وجود مجموعة واسعة من مصادر التمويل للاختيار من بينها فى كل مرحلة تقريبًا من نمو شركاتهم. ويأتى نشاط التمويل جزئيًا من بعض الأسواق، لكن تبقى التغيرات الهيكلية فى السنوات القليلة الماضية صاحبة الفضل فى التقدم الحالي.
ما هى الدوافع؟ فى عصر نمو اقتصادى معتدل وانخفاض أسعار الفائدة يبحث المستثمرون فى الدين والأسهم عن شركات سريعة النمو كما يبحث رجال الأعمال بشراسة عن رأس المال. ويستخدم الجميع أدوات وهياكل استثمارية جديدة بداية من منصات التمويل الجماعى إلى الصناديق المدرجة.
ولفتت صحيفة فاينانشيال تايمز النظر إلى أنه فى الوقت نفسه تحتاج الحكومات المحلية والوطنية إلى تحفيز التوظيف وتحاول خلق مراكز ريادة الأعمال على غرار وادى السليكون للصناعات التكنولوجية فى الولايات المتحدة. وتعمل دوليًا الحكومات معًا لتحسين وتوسيع نطاق عمل أسواق رأس المال، وهذا ما سعى له الاتحاد الأوروبى من خلال خطط اتحاد أسواق رأس المال التى تأمل فى أن تعزز أنشطة توريق القروض وجذب أموال جديدة لتمويل الشركات النامية.
ويبحث القادة الأوروبيون فى عمق أسواق المال الأمريكية وهياكل الاستثمار التى تمثل قناة المال المتدفقة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة ومن بين أسرار السوق الأمريكية التى ينظر إليها الأوروبيون بحسد التزامات القرض المضمونة التى تمد القروض المصرفية بموردها الأساسى وقد تضاعف نشاطها سواء فى تمويل القطاع الخاص أو العام عشر مرات فى العقد الماضى لتصل إلى 64 مليار دولار.
ويعد الابتكار فى الآليات والتكنولوجيا إحدى أهم دعائم استمرار قطاع التمويل العالمى فى أداء دوره الأساسى بتوفير رؤوس الأموال المستثمرة فى كافة المجالات والقطاعات.
ومن خلال التكنولوجيا يتواصل طرفا المعادلة بعيدًا عن الجهات التنظيمية والحكومية على غرار الموقع الأمريكى انجيلليست الذى دخل عامه الثالث فى القيام بجمع العملاء الباحثين عن تمويل لمشروعاتهم والجهات الممولة وظهر بعده عدة مواقع مقلدة للفكرة مثل ديلشير فى المملكة المتحدة.
ويتميز جيل الألفية الحالى بأنه أكثر شجاعة فى تأسيس شركته الخاصة وهى فرصة لأصحاب الثروات المتوسطة لتمويلهم والاستفادة من عائدات النمو.
وتسببت مخاوف الركود فى تراجع صفقات التمويل فى الربع الأخير من 2015 إلى 1743 صفقة فقط على مستوى العالم مقارنة بـ2008 صفقة فى الربع الثالث فى أسوأ معدل فصلى منذ أوائل عام 2013.
قال مايكل كونتيزر وجيانكارلو برونو فى عرض لبحثهما فى المنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس العام الماضى إن تمويل شركات التكنولوجيا يتميز بالكفاءة والفعالية وتعد الشركات الصغيرة من المستفيدين الرئيسين من قوتها الهائلة.
وخلال الفترة من 2013 إلى 2014، تضاعف تمويل شركات التكنولوجيا أربع مرات إلى أكثر من 12 مليار دولار ومن المتوقع ان يرتفع فى 2016 إلى 30 مليار دولار. ويعنى ذلك أن المنتجات المالية الجديدة تكون أكثر تفاعلًا مع احتياجات الشركات الصغيرة لرأس المال وتشمل سوق الإقراض المباشر وتمويل التجارة الإلكترونية وتمويل سلاسل التوريد والتمويل التجارى عبر الإنترنت.
ويقول جيرمى أندرسون، رئيس الخدمات المالية العالمية فى مجموعة كى بى ام جى، إن توسيع التمويل والخيارات للشركات العالمية فى المستقبل يعنى أن الفترة المقبلة ستشهد نموًا للأنشطة بغض النظر عن التغيرات الصغيرة الدورية فى حركة السوق وتراجع الاقتصاد العالمي.
بنوك الإقراض التجارى للشركات ترقد فى سلام!
منصات الاقتراض المباشر عبر الإنترنت توفر الائتمان الرخيص
٨٠ مليار دولار حجم الإقراض عالميًا من صناديق التمويل المباشر
هنا يرقد البنك الكبير الذى كان يقرض فى وقت من الزمان مليارات الدولارات للشركات المحلية، ولكنه الآن غير راغب وغير قادر على دعم الاقتصاد. ويتذكره باعتزاز مديرى المخاطر والجهات التنظيمية الصارمة، وأصاب وفاته أصحاب الأعمال المحليين بالحزن قائلين له: “ارقد فى سلام”.
يكشف النعى السابق المقترح من صحيفة فاينانشال تايمز عن أزمة القروض التجارية، التى تقدمها البنوك للشركات بعد سنوات من الخسائر الفادحة والضغوط التنظيمية والمنافسة الشرسة من جهات تمويل بديلة أكثر فطنة، وهو ما يهدد المصارف بعاصفة كاملة.
وتكشف بيانات بنك انجلترا المركزى عن انكماش إقراض الشركات فى المملكة المتحدة من البنوك وجمعيات البناء فى السنوات الأخيرة، على الرغم من المبادرات مثل التمويل من أجل الإقراض، وهى آلية تتيح للبنوك التجارية أن تقترض الأموال بثمن رخيص من البنك المركزى حتى يتمكنوا من تمريرها على شكل قروض رخيصة للشركات. ويعد هذا التراجع اتجاهًا عالميًا واضحًا فى معظم أنحاء الدول المتقدمة.
وفى الوقت نفسه، بلغ حجم الإقراض عالميًا للمستثمرين 80 مليار دولار للاستثمار فى صناديق الإقراض المباشر خلال العامين الماضيين، وظهرت منصات إقراض مباشر عبر شبكات الإنترنت مثل “ليندينج كلب” و”فاندينج سيركل” للإقراض، وكذلك تسعى شركات التأمين للفوز بقطعة من كعكة السوق.
ويعمل صانعو السياسات بما فى ذلك البنك المركزى الأوروبى على تطوير سوق السندات لتسهيل حصول الشركات على التمويل غير المصرفى.
وبحسب كونردا فورد صاحب موقع فاندينج أوبشنز فان متوسط 50 قرضًا نفذها وصل إلى 123 الف استرلينى هو رقم بسيط نسبيًا.
ومقارنة الارقام تكشف ان الطريق طويلا أمام المنصات البديلة لتفوز بحصة مناسبة، فمثلًا بنكى الدمور وشاوبروك فى المملكة المتحدة قد أقرضا معًا أكثر من 10 مليارات دولار مقابل 5.5 مليار دولار من قطاع الاقراض المباشر عبر الإنترنت فى الأشهر التسعة الاولى من 2015.
وتأسست شركة كريديت داتا ريسيرش بهدف تقييم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتسهيل حصولها على قروض المنصات البديلة وقد بدأت فى السوق الإيطالية منذ 16 شهرا، ومن المنتظر توسعها قريبا فى بريطانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال.
وقال مؤسسها اليسيو بالدينو إنها مدعومة بالوحدة البحثية الخاصة بوكالة موديز للتقييم الائتمانى العالمية.
وتعمل أبحاث الشركة على طمئنة الممولين إزاء نقودهم حال إقراضها للشركات خصوصًا المبتدئة عبر تقديم تقييم لها بأنها قادرة على استثمار الاموال والسداد فى المواعيد.
ونقلت صحيفة فاينانشال تايمز عن دويج باوليلو المحلل فى شركة بريكين لتحليل البيانات ومقرها نيويورك قوله أن صناديق الإقراض المباشر تستهدف عادة القروض ذات مدة سداد من 5 إلى 10 سنوات للشركات التى تحقق أرباح سنوية من 5 ملايين دولار إلى 95 مليون دولار.
وكما تفضل الجهات المقرضة تقليص مدد السداد لتخفيف مخاطر التعثر فان العملاء فى الشركات المتوسطة والصغيرة يرغبون فى ذلك لأنه يوفر ائتمان اقل تكلفة.
وترى أليسون روز، رئيس الخدمات المصرفية التجارية والخاصة فى رويال بنك أوف سكوتلاند ان المنافسة لا تتعلق بالمنتجات المالية ومميزاتها المختلفة، لكنها تتعلق بتطوير العلاقة مع العميل فعندما لا يساعد رويال بنك أوف سكوتلاند الزبائن، فانه ياخذ بايديهم إلى غيره من المقرضين.