تحول الانتقال من بلد إلى آخر للبحث عن فرصة عمل من امتياز يحصل عليه عدد قليل من الموظفين المختارين، إلى حل لإحدى أكبر المشكلات التى تواجه الشركات متعددة الجنسيات، ألا وهى ندرة المواهب.
وتقول صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن جذب واستبقاء أفضل الموظفين تحول إلى معركة عالمية، وأصبح على الحكومات تغيير الطريقة التى تدعم بها الشركات داخل حدودها وتشجيع المواهب على القدوم.
وارتبط الحراك الدولى تاريخياً بإغراء الموظفين برواتب مجزية للانتقال من دولة متقدمة إلى سوق ناشئ، ولكن يقول خبراء الموارد البشرية، إن هذا النموذج يخضع لتحول سريع؛ بسبب مواجهة الدول التى تعانى من شيخوخة السكان لنقص حاد فى القوة العاملة.
وأوضحت مجموعة «بوسطن» للاستشارات، أن ألمانيا سوف تواجه نقصاً فى العمالة بمقدار 10 ملايين بحلول 2030، وسوف تعانى الصين تراجعاً يقدر بنحو 24.5 مليون عامل، والبرازيل 40.9 مليون.
وقال جيمس مارشال، مدير تنفيذى فى مجموعة «أديكو» للتوظيف: «ينبغى على الشركات أن تكون استباقية فى تفكيرها فيما يتعلق بحاجات المواهب بعد 5 أو 10 سنوات من الآن».
وأضاف «مارشال»، أنه لا ينبغى أن تنتظر الشركات حتى هذا الوقت لتحاول معرفة كيف تلبى حاجات المواهب، بل عليها إيجاد طرق لسد الفجوة.
وقال الأستاذ الجامعي، إدوارد رودريجز – مونتى مايور، من جامعة الأعمال «إنسيد»، إن نقص المواهب ليس السبب الوحيد الذى يجعل الشركات توسع نهجها تجاه الحراك العالمي، فقد أظهرت الدراسات أن الخبرة المكتسبة فى دول أخرى تزيد من الابتكار.
وأشار إلى أن واحدة من كل 4 شركات تكنولوجية ظهرت فى الولايات المتحدة فى الفترة بين 1995 و2005، أنشأها رائد أعمال أجنبي، مضيفاً أن براءات الاختراع من قبل الأجانب فى أمريكا ضعف براءات المواطنين الأمريكيين.
وانطلاقاً من وعى الشركات بهذه الفوائد، تطور أنظمة داخلية لتحريك المواهب عبر الحدود بسرعة وسلاسة، وبطريقة أكثر فاعلية فى التكلفة من نموذج الاغتراب القديم.
ومع ذلك، قلة من الشركات مستعدة للتعامل مع تعقيدات التنظيمات وتناقضها فى بعض الدول، ومع البيروقراطية التى يتضمنها إنشاء نظام من الصفر، ورغم أن الأمر يعود للشركات لاستثمار أموالها ووقتها بحكمة، فإن الدول يقع عليها مسئولية كبيرة أيضاً فى أن تصبح الحياة أسهل على المؤسسات العاملة داخل حدودها.
وتتصدر سويسرا، بإعفاءاتها الضريبية، وقممها الجبلية، مؤشر تنافسية المواهب العالمى الذى تعده مجموعة «أديكو»، وهو تصنيف يقيس الميزة التنافسية فى الدول من خلال 61 متغيراً، بدءاً من الاستقرار السياسى إلى الإنفاق على البحث والتطوير.
وقال سيمون ريتشاردسون، كبير الخبراء الاستشاريين بشركة «توتال ريوارد سليوشنز» للموارد البشرية، إن سويسرا، الواقعة بين جبال الألب الأوروبية، تضع مهمة جذب المواهب الخلاقة والعمالة الجيدة ضمن أولولياتها، مشيرًا إلى أنه «عندما تزور تلك الدولة ستجد مسئولاً حكومياً يساعد الشركات الناشئة على التقدم وبدء مباشرة أعمالها».
وأضافت الصحيفة: «رغم أن بريطانيا تحتل المرتبة السابعة فى المنافسة على جذب العمالة الجيدة على مستوى العالم، فإنها لا ترتقى للمرتبة ذاتها عندما يتعلق الأمر بفجوة الأجور بين الجنسين، حيث إنها تحتل المرتبة 71 من أصل 109 دول مدرجة فى المؤشر».
وأوضح مارشال، لدى «أديكو»، أكبر مزود فى العالم فى مجال حلول الموارد البشرية، أنه لا ينبغى التقليل من أهمية النزاهة والشفافية، واصفاً هذه العناصر بـ«المتطلبات الوقائية».
كما يمكن للبلدان أيضاً أن تعمل الكثير حتى تصبح مدنها أشبه بالعلامات التجارية المميزة، سواء من خلال بناء دور الأوبرا والمعارض الفنية لجعلها أماكن أكثر جاذبية من الناحية الثقافية أو فتح مدارس دولية لاستيعاب أطفال العمالة ذات الموهبة.
وقال أندريا بياسنتيني، رئيس أنظمة المكافآت للشئون البريطانية والأوروبية بشركة «استاندرد لايف» للموارد البشرية، إنه من الناحية التنظيمية، يرحب مديرو برامج الاجتماعى العالمية بالاستقرار أكثر من خطوات التغيير المستمرة.
وأضاف: «ما يتعين على الحكومات أن تدركه أن كل مرة تغير فيه قانون الضرائب أو إضافة اشتراطات إضافية، فإنها تضع عبئاً على عاتق المؤسسات والمنظمات للتكيف مع الأمر بسرعة».
وأردف بياسنتينى قائلاً: «إذا كانت الإصلاحات الهيكلية ضرورية، فينبغى أن تركز بدورها للقضاء على البيروقراطية بسوق العمل وضمان مرونة التعامل مع الأطر القانونية».
وأوضحت الصحيفة، أن بعض الحكومات تزيد من تكاليف الهجرة باعتبارها أحد العراقيل والتعقيدات للحد من أزمة اللاجئين فى الدول الأوروبية.
وقال جورجا مكلوسكي، رئيس ممارسات الهجرة بشركة «ديلويت» البريطانية، إن رسوم تأشيرة بقاء الأسرة المكونة من أربعة فى بريطانيا لمدة خمس أعوام تقترب من 10 الآف إسترليني، مقارنة بـ2000 إسترلينى للعائلة ذاتها فى الولايات المتحدة، و812 جنيهاً إسترلينياً فى كندا.
وأضاف، مكلوسكي، أنه بدلاً من اللجوء إلى رفع سقف التكاليف للحد من أعداد المهاجرين، ينبغى للبلدان صياغة سياسات تستهدف جذب عناصر الخبرة المطلوبة.
وفى السياق ذاته، قال الدكتور رودريجيز مونتمايور فى «إنسيد»، كلية إدارة الأعمال الرائدة عالمياً، إن سياسة الهجرة الجيدة بمثابة «صمام مفتوح» يمكن المواهب من التدفق على دولة ما، مضيفاً أن السلاسة التى يتمتع بها نظام التأشيرات لا تستطيع وحدها إقناع صاحب موهبة بالانتقال إلى دول خارجية، فقبل كل شيء، تنجذب القدرات الإبداعية للفرص الواعدة.