التأمين الصحى هو رأس الجبل الثلجى وقاعدتة قائمة على أربعة قواعد أساسية هى الملكية والتمويل والتشريع والرقابة المستمرة
يجب فصل المراقب والمنظم عن مقدمى الخدمة واتمامها من خلال هيئة مستقلة تشمل المجتمع المدنى وعددا من المتخصصين
مشروع قانون «هيئة التأمين الصحى الإجتماعى الشامل» المطروح للحوار المجتمعى يحتاج بالفعل الى التدقيق والمراجعة، ويغيب عنه العديد من النقاط، والمفترض أن نجعل منه القاطرة نحوالتطور مثلما حدث مع تركيا وشيلى والعديد من الدول التى حدث بها تطور هائل بخدماتها الصحية خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا.
هذا الجزء من المقال يشمل النقاط الخلافية المهمة والتوضيحية للقانون المقترح واختتمها بتعليق نهائى.
• من غير المفهوم سبب صدور اللائحة التنفيذية لمشروع قانون التأمين الصحى الإجتماعى الشامل من قبل وزير الصحة فقط، بل كان يجب أن يصدر من خلال هيئة مستقلة متكاملة تضمن الشمولية وعدم التضارب المتوقع بين القوانين واللوائح.
• النص على تطبيق القانون على مجالات الخدمات الصحية التأمينية، وعدم تطبيقه على خدمات الصحة العامة والوقائية، كالتطعيمات والخدمات الإسعافية وخدمات تنظيم الأسرة، وكذا الخدمات الصحية الخاصة بتغطية الكوارث الطبيعية والأوبئة، وما يماثلها من خدمات تختص بها سائر أجهزة الدولة، الجميع يعرف أن الوقاية خير من العلاج والجميع يعرف جيدا أن احتواء التكلفة يتم أساسا من خلال الوقاية، فمن غير المعقول عدم ربط التكاليف التأمينية بالصحة العامة والوقاية.
• نص القانون على تطبيق أحكامه تدريجيا على المحافظات التى تصدر بتحديدها قرارات بناء على العرض المقدم من وزيرى الصحة والمالية! فهل هما بالفعل الوزيران الأكثر دراية باحتياجات المحافظات؟ وأرى أن الحكم المحلى والمحافظ هما الأكثر دراية ويجب دراسة تأثير الهجرة الداخلية للمواطنين بحثا على علاج أفضل وأرخص.
• لم يذكر القانون أى علاقة بين عدد المشتركين وعدد مقدمى الخدمة من أطباء وتمريض وفنيين ولم يذكر أى أعداد تخص المنظمات فائقة التخصص للمستوى الثانى والثالث، ليتسنى لنا معرفة التكاليف المتوقعة، وهل العدد الحالى كافٍ وموجود بالفعل أم ستحتاج الدولة المصرية للجوء للتدريب المكثف وخلافه من تلك الأمور التجهيزية المهمة؟
• ذكر القانون وصفا للمستشفيات والمراكز المتخصصة بإعتبارها منظمات (أعتقد أن المقصود هوقبول كل الأشكال القانونية للمستشفيات سواء الفردية أو المساهمة وخلافه، وأعتقد أنه من الأفضل النص على قبول الشكل القانونى للشركات المساهمة ووفق نظام مدقق للحوكمة والشفافية لضمان استمرار الخدمة وفق الأصول المتعارف عليها.
• غياب تام لآلية التطوير الإدارى وأسس الحوكمة السريرية والسياحة العلاجية.
•حزمة خدمات التأمين الصحى المذكورة بالقانون هى حزمة أكثر من رائعة لوكان لدينا التمويل الفعلى لتقديمها، فخدمات طب الفم والأسنان هى من الأمور المكلفة للغاية لوتمت وفق أسس الجودة العلمية السليمة، ناهيك عن الخدمات المنزلية، والتى تحتاج إلى أطقم طبية وطبية مساعدة غير كافية حاليا ولا بالمستقبل القريب. وإن طمأنة المواطن بنص القانون بأن الخدمات المقدمة وفق القانون الجديد لن تقل عن ما يقدم حاليا هومن الأمور غير المطمئنة بالمرة وهوموضوع بدون أى هدف أومعنى وكأن الخدمات المقدمة حاليا ذات جودة عالية.
• التعليق على العلاج بالخارج فى القانون.. وصف فضفاض غير دقيق ولا يخدم صناعة الصحة بمصر، ألم يكن الأفضل النص على التوأمة والتآخى مع عدد من المؤسسات العالمية المتخصصة لضمان نقل الخبرات وتأسيس سليم للخدمات التى نحتاجها بمصر.
• التسميات الوارد ذكرها تحتاج الى توضيح مثل «دار للولادة الآمنة ـ الحقوق المترتبة على النطاق الجغرافى للوحدة ـ الكوارث الصحية الشخصية».
• «صندوق تمويلى مركزى»، البنود المنوط به تنفيذها لا ترقى فى وصفها إلى الصناديق المالية المشابهة، وبمصر العديد من الصناديق المالية ولها نظام دقيق للإدارة والتدقيق والاستثمار الآمن من خلال قانون يحكمها ويجب الرجوع لهذه النظم وتلك القوانين، فهو فى حقيقته صندوق مالى تحكمه كل القواعد الحاكمة لمثل تلك الصناديق.
• النص التالى هو من أخطر ما جاء بالقانون: أحد مقدمى الخدمة (وهو وزارة الصحة) هو من سيقوم بالتنظيم والاعتماد والمراقبة والتمويل، وهو عمل يتعارض مع كل قواعد الحوكمة، فيجب فصل المراقب والمنظم عن مقدمى الخدمة واتمامها من خلال هيئة مستقلة تشمل غالبا المجتمع المدنى وعدد من المتخصصين.
• الوزير المختص بالصحة أصبح مشرفا عاما على الصندوق المالى، والهيئة المقدمة والمنظمة والضابطة للخدمة، ولهذا لا أفهم معنى أن هذا نظام قائم على فصل التمويل عن الخدمة، بل هو نظام يكرث ما هو قائم بالفعل.
• تم ذكر تأهيل المستشفيات ورفع مستواها، دون توضيح من أين سيتم التمويل؟ فمتوسط تكلفة السرير الواحد بمستشفى عام (وفق المواصفات العالمية) لا تقل عن 600 ألف جنيه مصرى.
• الملف الطبى الموحد.. تحتاج مصر لإنشاء قاعدة بيانات للمواطنين ليس بهدف تطبيق القانون فقط ولكن بهدف إنشاء أول نظام متكامل للملف الصحى الموحد Electronic Healthcare Record، ولقد تطورت النظم الطبية من الملف الطبى الموحد Electronic Medical record إلى الملف الصحى الموحد ومن المفترض أن يؤدى ذلك إلى تشجيع صناعة البرمجيات عامة وبالقطاع الصحى خاصة وكذلك تحسين أداء الموظف وتحسين طرق تقييمه مما سينعكس إيجابيا على أداء الاقتصاد المصرى.
أما فيما يخص التمويل وتعليقنا على بنوده، فيمكن حصرها فى الآتى:
أولا: ذكر مبالغ مالية محددة دون ربطها بمتغير مثل التضخم مثلا (مثل قيمة ما يدفعه المشترك كمساهمة بالكشف 5 جنيهات مصرية وللاستشارى 30 جنيها مصريا) يفقدها قيمتها الفعلية، فلوتم تخفيض قيمة الجنيه، ولم يتم رفع قيمة المساهمة، فسنظل نعانى وباستمرار من نقص التمويل وسيؤدى حتما الى الخلل بالمنظومة المالية.
ثانيا: ولأن مشروع التأمين الصحى قائما فى جزء كبير من متحصلاته على جمع وتحصيل من الغير، فعلينا أن ننظر إلى النمط المستمر، حتى نتلافى الفروقات الضخمة جداً بين تقديرات الموازنة لمتحصلات الضرائب والأرقام الفعلية لتلك المتحصلات، والتى تدل على أن هناك ترهلاً حقيقياً فى آليات جمع الضرائب لم يتم إصلاحه حتى الآن وعلينا أن نتخيل ماذا سيحدث عند إضافة نفس فكر التحصيل وبنفس الوسائل ولهذا يجب التفكير من خارج الصندوق لاستحداث وسائل جديدة للتمويل مثل الدفع بالموبايل وخلافه.
ثالثآ: ما سيتم دفعه بواسطة الأسر المتوسطة هى أرقام كبيرة وأخاف أن تؤدى تلك الطريقة الى أحجام الكثير منهم عن العلاج إلا فى حالة الحاجة الماسة للعلاج.
رابعا: ثبات قيمة المساهمة Co-Payment برغم من تفاوت الدخول شىء غير منطقى ومن الأفضل أن تلجأ الدولة إلى استحداث معادلة مبسطة تحل تلك المعضلة.
وأخيرا أعتقد أن غياب أى تصور لتطوير القوى البشرية وإيجاد الوظائف الحديثة بمصر، والتى تشمل الصيدلة الإكلينيكية والفنيين المتخصصين ومهندسى الأجهزة الطبية والتخصصات الطبية النادرة، والتى تشمل أستشارى المخ والأعصاب وجراحات القلب التخصصية للأطفال واستشارى التخدير المتخصصين وجراحى الشبكية والجسم الزجاجى والكثير من التخصصات التى نحتاجها بشدة، لن يكتب أى نجاح لأى منظومة صحية إلا من خلال التركيز على العامل البشرى المدرب المتطور، وكذلك أحداث توزيع عادل للخدمة الصحية بالمحافظات.
التأمين الصحى هو الوسيلة لتقديم الخدمة الصحية وليس الغاية، فالغاية هى إبقاء المصريين أصحاء منتجين وفق أفضل المؤشرات العالمية، فالتأمين الصحى هو رأس Tip of the ice berg الجبل الثلجى وقاعدتة قائمة على أربع قواعد أساسية هى الملكية والتمويل والتشريع والرقابة المستمرة وتلك القواعد قائمة على قواعد أخرى لا تقل فى أهميتها عما سبق، وتشمل التعليم والتدريب المستمر والبحوث والتطوير والتسويق.
مؤسس وأمين عام جمعية حوكمة القطاع الصحى
والعضو المنتدب لمستشفيات ومراكز دار العيون
[email protected]