قالت وكالة «رويترز»، إن مصر تكافح لوضع حد لفساد منظومة القمح الذى تعد أكبر مستورد له فى العالم.
أضافت الوكالة أن البلاد تواجه نقصاً محتملاً فى هذا المحصول بسبب حظرها الصارم واردات القمح المصاب بطفيل الإرجوت.
وقالت إن الرئيس عبدالفتاح السيسى، صرح بأن القضاء على الفساد بما فى ذلك الكسب غير المشروع فى صناعة القمح واحدة من أولويات حكومته.
وفى عام 2014، قامت حكومته بتطبيق نظام البطاقات الذكية الذى يهدف إلى وقف المخابز التى يملكها من وصفتهم بأشخاص معدومى الضمير، يقومون ببيع الطحين المدعوم حكومياً فى السوق السوداء.
وأعلنت القاهرة، أن هذا النظام قد حقق نجاحاً كبيراً، ومن خلاله تم توفير الملايين من الدولارات فى دعم الخبز، والحد من الواردات، ووضع حد للنقص الذى خلف الطوابير الطويلة على المخابز فى جميع أنحاء البلاد.
وقال وزير التموين خالد حنفى، للصحفيين المصريين أواخر عام 2014 إن هذا العام تمّ فيه سرقة ما يقرب من 50% من إمدادات الدقيق فى البلاد.
وفى ديسمبر العام الماضى أضاف حنفى، لرويترز أن النظام الجديد أنقذ أكثر من 6 مليارات جنيه ما يعادل 766 مليون دولار فى قيمة الدقيق.
ولكن مسئولى الصناعة والتجار والخبازين يقولون إن تلك الإصلاحات قد فشلت وحوّلت استخدام النظام من سيئ إلى أسوأ.
وقال ثمانية مصادر فى صناعة القمح إن نظام البطاقة الذكية يمكن اختراقه، ما يتيح لبعض الخبازين تزوير الايصالات وطلب دقيق مدعم أكثر بكثير مما يتم بيعه رسمياً.
وأضاف أحد منتقدى نظام البطاقات الذكية إن النظام الجديد بدلا من أن يعمل على تقليل كمية الدقيق التى تقوم الدولة بدفعها للتجار يعمل فى الواقع على زيادته.
وأثار ذلك موجة من الاحتيال على مستوى أعلى تقول المصادر إنه كلّف البلاد مئات الملايين من الدولارات العام الماضى.
وتشير الإحصاءات الداخلية التى تنتجها وزارة التموين وتراجعها وكالة «رويترز» أن المشاكل مع نظام البطاقة الذكية كبيرة.
وكشفت البيانات أن استهلاك الطحين المدعوم من الدولة ارتفع أوائل العام الماضى فى 12 من 19 محافظة بعد أن تم تطبيق نظام البطاقة الذكية.
وتظهر البيانات أيضا أن استهلاك الدقيق المدّعم بلغ 955 ألف طن فى فبراير العام الماضى، ارتفاعاً من 750 ألف طن فى فبراير 2014.
واعترفت الحكومة بالمشكلة وأكدّت أنها كانت محدودة وتمّ التعامل معها وأيا كان الأمر، فإن الاستهلاك الإضافى فى وقت مبكر العام الماضى استنزف احتياطيات الحبوب الحكومية.
وكشفت بيانات الوزارة عن انخفاض مخزون القمح إلى 435 ألف طن، فى شهر مايو الماضي.
وقال أربعة من التجار إن الحكومة حاولت تغطية النقص بإعلان الحصاد المحلى الوفير العام الماضى ومن ثم تملأ بهدوء الفجوة عن طريق شراء كميات إضافية من القمح المستورد.
وفى الواقع، أعلن التجار وأحد المستشارين السابقين لوزير التموين، أن الحصاد لم يكن أكبر من المعتاد، ولكن لم يتسن التحقق من حجم المحصول.
وقال نادر نور الدين، المستشار السابق لوزير التموين والذى يشغل حاليا أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة، أنه لا يعقل لموسم الحصاد أن يكون كبيرا مثلما قالت الحكومة لأن منطقة زراعة القمح لم تزد فى الحجم، وأساليب الإنتاج لم تتغير ولم يزد استخدام الأسمدة.
ونفت الحكومة أنها تواجه نقصا فى محصول القمح، وقال وزير التموين حنفى، فى مقابلة له مع وكالة «رويترز» ديسمبر الماضى إن مستويات القمح تم خفضها عمدا فى الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضى، لتوفير مساحة فى الصوامع من أجل تخزين المحصول الوفير الذى كانت تتوقعه الدولة.
وأضاف لرويترز «نحن لم نواجه ولن نواجه أبداً نقصاً فى الاحتياطيات، والعكس هو الصحيح».
ونقلت «رويترز» أن نظام البطاقات الذكية الذى تم تصميمه لوضع حد للفساد تم اختراقه.
ويوفر النظام لكل أسرة بطاقة بلاستيكية تتيح لهم شراء خمسة أرغفة صغيرة من الخبز لكل فرد من أفراد الأسرة يومياً.
ويجب على أفراد الأسرة مغنطة بطاقاتهم من خلال الجهاز فى كل مرة يذهبون فيها إلى المخبز بحيث يمكن لوزارة التموين تتبع كمية الخبز التى يبيعها كل مخبز تحديدا، ثم تدفع الحكومة لكل مخبز إعانة لكل رغيف خبز.
حتى نظام البطاقة الذكية، الذى اعتمدت عليه الوزارة لحصر كمية الخبز التى يتم بيعها تم اختراقه وقام العديد من المخابز ببيع كميات إضافية فى السوق السوداء.
واعترف وزير التموين، أن نظام البطاقة الذكية تم اختراقه لكنه وصف المشاكل بأنها هامشية جداً، مؤكدا أن الوزارة تقوم بالتحقيق على الفور فى أى زيادة مشبوهة فى استهلاك الدقيق.
وأكدّ عطية حماد، رئيس قسم المخابز فى الغرفة التجارية بالقاهرة أن الحكومة أغلقت العشرات من المخابز بسبب الغش وزّجت بالعديد من الخبازين فى السجن.
وعززت مخزونات القمح المنخفضة عمليات التورط فى عملية غش وفساد، فقد قالت وزارة التموين والتجارة الداخلية، يونيو الماضي، إن وفرة المحصول المصرى أدت بالحكومة لمستويات شراء قياسية لحوالى 5.3 مليون طن من القمح المحلي، ليرتفع بذلك على 3.5 مليون طن سنويًا خلال السنوات القليلة الماضية.
ولكن، على الجانب الآخر، أشار التجار وأصحاب المطاحن إلى أن المحصول المحلى فى الواقع ليس أكبر مما كان معتادًا فى السابق، حيث أوضحوا أن نحو 2 مليون طن من إجمالى 5.3 مليون طن، قالت الحكومة إنها اشترتها، هى فى الحقيقة تم استيرادها أو أنها موجودة على الورق فقط.
وقال عدد من التجار وأصحاب المطاحن ومستشار وزارى سابق، رفض الكشف عن هويته، لوكالة «رويترز» أيضًا أن الشركات باعت شحنات قمح مستورد للوزارة باعتبارها قمحا مصريا حتى يتمكنوا من الحصول على سعر أفضل مدعوم فى النهاية، خاصة وأن السعر الرسمى للحكومة يصل 370 دولاراً لطن القمح المصرى المحلى، وفقا للبيانات التى نشرتها الحكومة، أى بزيادة 150 دولاراً للطن الواحد على السعر العالمى.
وقال هشام سليمان، رئيس شركة ميد ستار للتجارة واستيراد للقمح، إنه قدم شكوى للبنك المركزى بأن بيانات المحصول (المحلى) غير دقيقة، وتجعل من الصعب على الشركات الخاصة قياس حجم الطلب والتخطيط لعمليات الاستيراد المسقبلية، مشيرًا إلى أن هذا المحصول لم يحدث أبدًا منذ 30 أو 40 عامًا.
وقال وليد دياب، العضو المنتدب لشركة الطحانون المصريون، واحدة من أكبر ثلاثة مطاحن فى البلاد، تسمح وزارة التموين بفساد المنظومة الحالية لمتابعة «التغطية على نقص الاحتياطى الاستراتيجى».
وتقدر هذه المصادر أن الموردين المحليين يكسبون 2 مليار جنيه مصرى (255 مليون دولار) مقابل بيع شحنات مستوردة للوزارة.
شحنات القمح الوهمية
كان شركة التيسير لاستيراد وتصدير الحاصلات الزراعية (FAC) واحدة من عدة شركات استغلت أزمة العام الماضى.
وقال أحمد جاد، 29 عامًا عمل محاميًا لدى الشركة، لرويترز إنه لا توجد مساحة كافية فى صوامع الشركة لاحتواء شحنات القمح الهائلة، الوهمية، التى قالت الشركة إنها باعتها للحكومة، والأغرب أن هناك وثائق لدى الشركة ووزارة التموين وأجهزة حكومية أخرى توضح أن الشركة باعت للحكومة مئات آلاف الأطنان من القمح فى عام 2015، وتشمل تلك الوثائق التى جمعها جاد، أثناء عمله بالشركة والتى استعرضتها رويترز، المبالغ المستلمة من الحكومة، وعقود الاستيراد وعمليات التقييم الحكومية لصوامع الشركة.
ويظهر بإحدى العقود بيع الشركة للحكومة 102 ألف و652 طناً من القمح من شونة «هناجر المصنع»، ولكن مفتشى وزارة التموين عاينوا الصومعة فى عام 2013، ووجدوا سعة تخزينها أقل من 10 آلاف طن فقط.
وأضاف جاد إن المفتشين عادوا العام الماضى للقيام بتقييمات جديدة وأقروا أن مساحة التخزين تتسع لنحو 102 ألف طن، ورغم أن وحدة التخزين تم توسيعها بين عامى 2013 و2015، إلا أن هذا التوسيع لن يضم سوى بضعة آلاف من الأطنان.
ونفى خالد حنفى، وزير التموين، أن يكون هناك أى تزوير وألقى باللوم على حالة الارتباك والتغيرات فى طرق إدارة سلسلة التوريد الخاصة بالقمح، ورفضت الوزارة التعليق على الأمر بصورة أكثر تفصيلاً.
ومن جانبها أوضحت شركة «التيسير» لرويترز أنها لا تعرف قدرتها التخزينية، ولا يمكن أن تفصح عن كميات القمح التى باعتها للحكومة مضيفةً أنه من المستحيل خداع حكومة تتمتع بالرقابة الصارمة، وقالت ايضًا إن جاد تم القبض عليه أثناء محاولته سرقة الشركة وبالتالى يحاول ابتزازها.
ونفى جاد مزاعم الشركة، مشيرًا إلى أنه استقال فى أوائل سبتمبر واشتكى الشركة لهيئة الرقابة الإدارية بزعم أنها زورت وثائق لشراء القمح المحلي، وبعد شهر من اهتمام وسائل الإعلام المحلية بالقضية، تم اطلاق النار عليه.
وفى ديسمبر، قررت هيئة الرقابة الإدارية عدم رفع القضية أمام المحكمة، ورفضت الهيئة أيضا التعليق على القضية.
وبين جاد، الذى كان يأمل أن تسلط قضيته الضوء على الفساد المستشرى فى منظومة القمح أنه فقد الأمل بأى تغيير، مؤكدًا أن «الدولة لا تريد معالجة هذا الوضع، ونحن معتادون على ذلك فى مصر».