بلغت القدرة الاستيعابية لميناء مومباسا، فى كينيا، مليون حاوية شحن (طول الواحدة منها عشرون قدماً) خلال العام الماضى، وهى التجربة التى يشهدها الميناء للمرة الأولى فى تاريخه، ولعل هذه الحقيقة توضح مدى تطور أكبر الموانئ فى منطقة شرق أفريقيا خلال السنوات الأخيرة.
وتقول مجلة «الإيكونوميست»، إن تلك اللمحة ربما تبعث شعوراً قوياً بالتقدم المُحرز، ولكن من وراء الكواليس يتضح أن الأمور ليست على ما يُرام فى الميناء، فعلى الرغم من انتهاء عمل الشركة اليابانية التى تسمى، «تويو»، من تسليمه فى ثوبه الجديد للحكومة الكينية، لم يتم بعد الاتفاق على عطاء ما لبدء تشغيله.
وقالت المجلة البريطانية، إن هناك مظاهر من الفوضى والفساد فى إدارة الميناء، خاصة أنه تمت إقالة رئيس هيئة الموانئ الكينية، جنباً إلى جنب ستة من كبار المسئولين الآخرين الشهر الماضي.
أضافت أنه يبقى واضحاً أن كافة الموانئ الأفريقية المتهالكة وغير الفعالة بداية من نيجيريا إلى جيبوتي، يتم تطويرها من قبل البنك الدولى وعدة حكومات (وبالأخص الصين واليابان) وشركة الخدمات اللوجستية «بولور» (كبرى الشركات الفرنسية التى أبرمت 14 عقداً لتطوير العديد من الموانئ فى جميع أنحاء القارة)، وربما هذا يعزز إمكانية تحسن التجارة الأفريقية برمتها، ولكن الفساد وسوء الإدارة يهددان بتبديد هذه المكاسب.
وفى حين أن القارة الأفريقية محرومة من الطرق الجيدة والمصانع المنتجة، تبقى هذه الموانئ الأهم، حيث تمر 90% من تجارتها عبر البحر، فعلى سبيل المثال، يأتى ما يقرب من 40% من إيرادات الحكومة الكينية من قبل دائرة الجمارك والموانئ التجارية التى تعتبر إحدى الوسائل لتهريب المخدرات والعاج إلى بقية العالم.
ولا تزال معظم الموانئ الأفريقية صغيرة نسبياً؛ حيث تنتظر الحاويات لمدة ثلاثة أسابيع قبل شحنها إلى وجهاتها النهائية، وذلك مقارنة بانتظارها أسبوعاً واحداً فى موانئ الأسواق الناشئة، وهذا يجعل أفريقيا أكثر فقراً.
وأشارت إحصاءات البنك الدولى إلى أن تأخر الحاويات بالموانئ يضيف ما يقرب من 10% من إجمالى تكلفة السلع المستوردة، وهى أعلى بكثير من الرسوم الجمركية، وبالنسبة للصادرات سيكون الضرر أسوأ من ذلك.
ويعتقد، جاك والتر، المسئول بمنظمة «ﺗﻜﻨﻮﺳﻴﺮف» اﻷﻣﺮيكية ﻏﻴﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ، أن عمليات نقل ثمار الموز يمكن أن تتضاعف 20 ضعفاً ما هى عليه الآن عبر ميناء نكالا بشمال موزمبيق، إذا ما خفض رسومه كما هو الحال فى الموانئ الإكوادورية، والنتيجة 80% من الحاويات تغادر أفريقيا فارغة.
وقال حاج ماسيمو، المتحدث باسم هيئة الموانئ الكينية، إنه فى الوقت الذى لا تستطيع فيه السكك الحديدية فى مومباسا استيعاب سوى 5% من الحاويات التى يتم تفريغها، فإن هذا يؤدى بدوره للكثير من التأخير وارتفاع التكاليف بالموانئ، والتى عادة ما تنجم عن البيروقراطية وانعدام المنافسة.
أضف إلى ذلك عناصر أخرى منها الفساد؛ حيث روت شركة «فيليب دى بيرغ» للتحقيقات البحرية الأمريكية كيف فتح أحد مصدرى قضبان النحاس، من الكونغو عبر ميناء دار السلام فى تنزانيا، حاوياته فى الصين ليكتشف أن النحاس قد اختفى وحلت محله صخور.
وفى نوفمبر الماضي، قدم وزير التعدين الرواندى شكوى رسمية للحكومة التنزانية حول الأضرار التى لحقت بقطاع الصناعة من وراء عمليات الفساد بالموانئ، كما وجدت، ساندرا سيكويرا، بكلية لندن للاقتصاد، أن 53% من الشحنات التى تمر عبر مابوتو، الميناء الرئيسى فى موزمبيق، يتم تسهيل إجراءاتها بدفع الرشاوى لمسئولى الجمارك.
وقالت المجلة، إن البنية التحتية الجديدة للموانئ لن تسهم فى حل إشكالية هذا الازدحام ما لم يقابلها بالتزامن تطوير للطرق والسكك الحديدية، ويتم حالياً بناء محطات جديدة بعيدة عن المدن الرئيسية فى كل من نيجيريا وساحل العاج والكاميرون وتوجو، ومع ذلك، لا يزال من الصعب التصدى للكسب غير المشروع وعدم الكفاءة.
ولم تكن كينيا وحدها فى إقالة 6 من المسئولين البارزين خلال عقدين من الزمن، حيث إن الرئيس التنزانى الجديد، جون ماغوفولي، حل مجلس إدارة هيئة الموانئ، وأقال السكرتير الدائم لوزارة النقل فى ديسمبر الماضي، ولا يخفى أنه تمت إقالة ثلاثة من رؤساء هيئة الموانئ التنزانية فى ثلاثة أعوام، وهذه الإقالات رفيعة المستوى لم تُحدث أي تغييرات فى مستوى الحوافز والمكافآت الممنوحة للمسئولين.
وتقول «الإيكونوميست»، إنه ربما يكمن أحد الحلول فى اتخاذ إجراءات إصلاحية بسيطة أكثر فاعلية، منها إنهاء إجراءات الشحن إلكترونياً، ولكن عمال الموانئ لديهم مجموعات ضغط قوية، كما أن إدخال تغييرات على القواعد أمر لا يستهوى المسئولين بقدر افتتاح المشروعات الجديدة باهظة الثمن، ولا يزال المسئولون الكينيون يتفاخرون بمشروع بناء ميناء ضخم فى لامو الكينية، ورغم تأكيد المحللين الاقتصاديين للملاحة البحرية، أن الفكرة تعد مجنونة، لقرب المدينة من المتمردين الصوماليين، فإنه يبدو من السهل للسياسيين قص الأشرطة بدلاً من التخلص من الفساد.