تضرر بنكا «يو بى إس»، و«إتش إس بى سى» بشدة من الحملة الأمريكية على الأموال غير القانونية لعملائهم فى السنوات الأخيرة، والآن يلمع اسمهما فى وابل الوثائق المسربة، التى تفصل كيف ساعدا فى يوم من الأيام العملاء على إنشاء آلاف الشركات الوهمية بالخارج.
ويصف التقرير الذى نشره الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، والمكون من 11.5 مليون وثيقة من شركة «موساك فونيسكا» للمحاماة فى بنما، الطرق الملتوية التى اتخذها بنك «يو بى إس» وغيره لإبعاد انفسهم قدر المستطاع عن العملاء أصحاب الشركات الأجنبية وسط تزايد التدقيق الأمريكى.
كما تظهر الوثائق كيف أن البنوك الأوروبية بشكل خاص هى ما ساعد العملاء فى وقت من الأوقات على إنشاء تلك الشركات، وشكل بنك «إتش إس بى سى» وفروعه اكثر من 2300 شركة وهمية مسجلة عبر «موساك فونيسكا»، أما «يو بى إس»، و«كريدى سوسيه» كانا وراء أكثر من 1100 شركة.
وتقول وكالة أنباء «بلومبرج»: إنه رغم ان استخدام الشركات فى الخارج قد يكون قانونيا تماما، فإن الوثائق أشعلت سريعا جدلا عالميا منذ ظهورها للنور يوم الأحد الماضى، وكشفت عن مدى استغلال الساسة وقادة الأعمال والمشاهير للنظام المالى السرى.
وتعد هذه الفضيحة صداعا جديدا للبنوك بعدما دفعت بعضها مليارات الدولارت من الغرامات فى السنوات الأخيرة، ووعدت بإصلاح الضوابط وتصفية تلك الشركات المربحة فى محاولة لتهدئة بقية الاتهامات بأنها حافظت على أموال المتهربين من الضرائب والمجرمين.
وأظهرت الوثائق أنه فى عام 2010، كان بنك «يو بى إس» يحاول العمل مع وزارة العدل الأمريكية فى تحقيق يتعلق بالملاذات الضرايبية غير القانونية، وسعى البنك السويسرى للانسحاب من الشركات الوهمية، وفى اجتماع فى ذلك العام مع «موساك فونيسكا»، أصر ممثلوا البنك أن تكون شركة المحاماة مسئولة عن تحديد ملاك الشركات الوهمية، ولكن الشركة أكدت أنها لا تعرف بعضهم، لأن البنك حجب المعلومات.
وفى نهاية المطاف، توصل الطرفان لاتفاق تتولى «موساك فونسكا» بموجبه إدارة الشركات الوهمية التى اسسها عملاء «يو بى إس»، وتمنحهم «معاملة خاصة، ووافقت شركة المحاماة مقابل تدقيق أقل من البنك السويسرى على هؤلاء العملاء، ما سيتطلب وثائق أقل بشأن أصحاب تلك الشركات، وأسباب استخدامهم لهذه الشركات.
وقال متحدث باسم «موساك فونيسكا» لاتحاد الصحفيين إنها تقوم بفحص نافٍ للجهالة على جميع عملائها الجدد والمتوقعين، مضيفة أن هذا الفحص يتجاوز أحيانا فى صرامته المعايير والقواعد الحالية، التى تلتزم بها هى ونظيراتها.
وأوضحت الشركة أن الكثير من عملائها يأتون من مؤسسات مالية مشهورة تلتزم بقوانين «اعرف عميلك».
وعند سؤالها عن تفاصيل تقرير اتحاد الصحفيين، قالت المتحدثة باسم «يو بى إس»، مارشا باركينز، إن البنك قرر إنهاء علاقته بشركة المحاماة منذ عام.
وقالت فى بيان مكتوب: «إن سؤالكم يشير لخدمات تتعلق بإنشاء وإدارة شركات خارجية باستخدام أطراف ثالثة، وهو أمر قرر «يو بى إس» التوقف عن فعله فى عام 2010».
أما بنك «إتش إس بى سى» فقال فى بيان له إنه يتعاون بشكل وثيق مع السلطات لمحاربة الجريمة المالية وتنفيذ العقوبات.
وقال البنك: «إن سياستنا واضحة وتتمثل فى أن الحسابات الخارجية تظل مفتوحة فى حالة طلب السلطات الإبقاء على الحساب لأغراض الرقابة على العملاء (من خلال الفحص النافى للجهالة، وقوانين «اعرف عميلك»، ومصدر الثروة، وفحوصات شفافية الضرائب)، أو عندما يتم تجميد حساب وفقا لعقوبات مطبقة».
وتعمق الصحفيون العاملون مع الاتحاد فى ملايين الصفحات من الوثائق المسربة من شركة المحاماة لرسم الصورة الكاملة لما زعموا أنه شبكة عالمية من الشركات الوهمية التى ساعدت قادة ومشاهير ومجرمى العالم على تخبئة ثرواتهم.
وبينت الوثائق إنشاء أكثر من 200 ألف شركة خارجية، من بينهم 15 ألفا و600 شركة وهمية مسجلة من قبل أكثر من 500 بنك فى العقود الأخيرة.
ورغم ان الشركات التى تخفى هوية المالكين يمكن استخدامها قانونيا، فإنها أيضا يمكن أن تبقى أدوات لتخبئة الأصول، وغسيل الأموال، والتهرب الضريبى، وتجبر الولايات المتحدة ـ ودول الأخرى ـ البنوك العاملة بها على أن تجرى تدقيقات لمستويات معينة على عملائهم لمعرفة من هم الملاك المستفيدون من تلك الهياكل.
وقال بيتر هان، أستاذ فى معهد لندن للخدمات المالية، إن هذه التسريبات قد تعقد العلاقة بين البنوك فى العالم النامى، وتلك فى الدول المتقدمة.
وأوضح أن كبار المسئولين والمديرين التنفيذيين فى البنوك سوف يقضون ليالى صعبة نتيجة القلق بشأن ما إذا كانت مؤسساتهم لها علاقة بهذه الصفقات أم لا سواء كانت نشاطاتهم قانونية أم لا ومنذ متى حدثت هذه الصفقات.
وحتى الآن، لم يوجه المشرعون أى اتهامات للبنوك متعلقة بأعمالهم مع شركاة المحاماة البنمية، ولكن هذه التسريبات قد تسبب مشكلة خاصة لبنك «إتش إس بى سى»، الذى توصل لاتفاق فى 2012 مع وزارة العدل الأمريكية ودفع 1.9 مليار دولار كغرامة، واعترف بخرقه قوانين العقوبات الامريكية، وقوانين مكافحة غسيل الأموال.
ودافع بنكا «يو بى إس»، و«كريدى سويس»، عن نفسيهما فى بيان الأسبوع الجارى، قائلين: «إنهما يقومان بالأعمال تماشيا مع القوانين والتشريعات السارية، وأوضح «يو بى إس» إنه ليس لديه مصلحة فى التعامل مع الأموال، التى لا تخضع للضريبة أو ناتجة عن نشاطات غير قانونية».
وشكل بنك سوسيتيه جنرال 979 شركة خارجية عبر «موساك فونيسكا»، وفقا للاتحاد الدولى للصحفيين، وقال البنك فى بيان أمس الاثنين: إن لديه «سياسة وقائية تتعلق بمحاربة الاحتيال والتهرب الضريبى».