لك أن تتخيل عدد المواقع الإلكترونية التى تتأهب للتخفيف من معاناة اللاجئين بداية من الموقع «Funzi.mobi» الذى يطلع المهاجرين على القواعد الفنلندية، ثم «Refugeesonrails.org» المعنى بتوزيع أجهزة اللابتوب، المُتبرع بها، وتعليم المهاجرين البرمجة حتى يتمكنوا من الحصول على وظيفة ما، وأخيرًا «Refugees-Welcome.net» وهو أشبه بموقع «ايربنب»، الذى يتيح حجز المساكن الخاصة مثل الشقق والفلل الفاخرة فى العالم، ولكنه يستهدف المهاجرين عبر إتاحته الشقق الشاغرة فى المدن الأوروبية.
إن هذه العينة من المواقع ما هى إلا نموذج صغير لمواقف أكثر إيجابية اجتاحت القارة الأوروبية جراء تعرض الأخيرة لأزمة لاجئين هى الأشد من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية. وفى حين سلطت عناوين الصحف العالمية الضوء على كل من معاناة المهاجرين، والخلاف الدائر بين الحكومات بشأن توزيع اللاجئين وتوفير بعض السياسيين طرقا مثيرة للجدل لردع الهجرة، يقدم قطاع التكنولوجيا حلولاً لتخفيف العبء وتسهيل اندماجها فى المجتمع.
ورغم أن هذه المواقع لا تعد عصا سحرية يمكنها أن تحل محل عدم ترابط الرؤى السياسية أو التغلب على وتيرة الخوف، المُغالى فيها، حيال الأزمة إلا أنها تكشف عن طرق أكثر ابتكارًا لمعالجة معضلة المهاجرين.
صحيح أن التكنولوجيا تؤدى دورًا بالنسبة لكلا الاتجاهين السابقين عندما يتعلق الأمر باللاجئين، ويمكن القول، أن عددًا أقل من المهاجرين ربما ينطلقون فى رحلة محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا إذا كانوا لا يحملون هواتف ذكية تسمح لهم بالالتقاء ومشاركة النصح وسبل الوصول لوجهاتهم على طول الطريق.
استفادت شبكات التهريب بشكل كامل من تلك الكارثة الإنسانية، لاسيما أن المهربين يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية لإغراء اللاجئين، إنهم يتصرفون كما لو كانوا أشبه بوكالة سفريات؛ وقد باع بعض المهربين أيضًا وثائق سورية مزورة للمهاجرين الاقتصاديين من خلال الفيسبوك.
وأكدت، تيوزداى ريتانو، رئيس المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، التى أثارت النقاش حول قضايا التهريب، إن سهولة تبادل اللاجئين للمعلومات يعد أمرًا حاسمًا فى بقائهم أكثر أمانًا، والحد من قدرة المهربين على استغلالهم، ورغم أن شبكات التهريب تلقى مساعدة من المواقع الإلكترونية للإعلان وتجنيد مهاجرين، إلا أنها تخلق أيضًا ضمانات حول الأنشطة المشتبه فى كونها غير مشروعة.
وأضافت أن اللاجئين السوريين يستخدمون نظاما متطورا يتفق فيه كل من المهرب والشخص طالب الهجرة على تأمين المبلغ المتفق عليه «ثمن الرحلة» عند طرف ثالث «ضامن» لكى يسلمه إلى المهرب فى حال تمت عملية التهريب ووصل اللاجئ بسلام، وهذا ما جعل اللاجئين والمهاجرين أكثر أمانًا وسوق المهربين أقل استغلالية.
كما أن عمل المبادرة العالمية على تطبيق لكشف أية تغيرات للأسعار على طول طرق الهجرة يحد من إمكانية خداع المهربين للاجئين ومساعدة صناع القرار على فهم أفضل لأنشطة الاتجار بالبشر، وجاءت فكرة التطبيق خلال مؤتمر لمجموعة من خبراء التكنولوجيا بلندن للمساهمة فى وضع حلول لأزمة المهاجرين العام الماضى والذى نظمه الموقع الالكترونى «Techfugees»، وقال مايك بوتشر، رئيس تحرير «تك كرانش»، وهو موقع أخبار تكنولوجية، أن موقع «Techfugees» اجتذب 3000 عضو منذ إطلاقه فى أكتوبر الماضى.
وأوضح، بوتشر، أنه «منذ أن بدأنا التفكير إلى جانب العديد من الشركات الجديدة حول كيفية خلق طرق ابتكارية لتخفيف أزمة اللاجئين وربطهم بالمنظمات غير الحكومية، اكتشفنا بسرعة أننا طرقنا بابًا مفتوحًا».
إن الأفكار التى طُرحت فى المؤتمرات المنظمة من قبل «Techfugees» شملت إطلاق جوجل لمشروع «Info Hub» الهادف لمساعدة اللاجئين للوصول بسهولة إلى المعلومات الأساسية أثناء ترحالهم نحو بلدان أكثر أمانًا.
ويجرى أيضًا نقل حلول وتطبيقات تكنولوجية إلى مخيمات اللاجئين فى ضوء إتاحة مهارات التعلم عبر الإنترنت للمهاجرين، فقد تم إنشاء خدمة، «وات ثرى وردس»، عبارة عن تطبيق يسهل عنونة الكثير من المواقع على الكرة الأرضية وفق مربعات تحمل عناوين وكلمات عشوائية من الصعب تكرارها، على نحو فعال لتحديد مواقع بعض مخيمات اللاجئين لإيصال المساعدات إليها.
رغم أن التكنولوجيا لن تؤدى إلى خفض عدد المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، أو أن تقدم حلاً للأزمة السورية أو تبعث روح المسئولية فى المناقشات السياسية الأوروبية، إلا أنها تقوى عمل الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية.
وفى الوقت الذى تتعثر فيه جهود المنظمات غير الحكومية والحكومات جراء الارتباك والتردد، تسمح التكنولوجيا للاجئين على الأقل بتنظيم ومساعدة أنفسهم بشىء من الحرية.