إذا كان بنك بحجم جولدمان ساكس يعانى، فبالتأكيد لن يكون قطاع البنوك الاستثمارية فى أفضل حالاته، وتقلصت أرباح البنك فى الربع الأول من العام الجارى بمعدل النصف، وختم بذلك موسم نتائج أعمال بنوك وول ستريت بنهاية مؤسفة.
وتوضح المشاكل التى تواجه عملاق البنوك الاستثمارية التحديات الأوسع فى القطاع حتى بعد مرور وقت طويل على الأزمة المالية العالمية فى 2008.
و«جولدمان ساكس» لا يعانى وحده، فقد كان العام الجارى صعبا ومضطربا على قطاع الخدمات المالية بأكمله، وليس فقط بالنسبة للبنوك الاستثمارية التى عادة ما تشكل قلب النظام المالي، وتأثرت الكثير من الشركات المالية بأسعار الفائدة المنخفضة لوقت طويل، وتراجع أسعار السلع، والتقلب الاقتصادي.
وعانت صناديق التحوط من تدفقات خارجة بقيمة 15 مليار دولار فى الربع الأول من العام الجاري، بسبب اعتراض المستثمرين على رسومهم العالية، فى وقت يتسم أدائهم بالضعف، وانخفضت قيمة أهم صندوق أوروبى بقيادة، كريسبن أوداي، بنسبة 31% فى الأربعة أشهر المنتهية فى منتصف أبريل الجاري، وانتقلت الأموال بشكل مطرد من صناديق الاستثمار النشطة إلى الصناديق غير النشطة ذات الرسوم الأرخص.
ومنذ الأزمة المالية، تواجه المؤسسات الكبيرة حملة تنظيمية، واقترح المشرعون فى الاحتياطى الفيدرالى مؤخرا قواعد جديدة بشأن الأجور من شأنها الحد من التحمل الزائد للمخاطر، وسوف تؤجل البنوك دفع على الأقل نصف مكافآت المدراء التنفيذيين لأربع سنوات، أو سبع سنوات إذا حدث أمر سيئ فى المستقبل.
كما واجهت المؤسسات المالية الكبيرة مجموعة من الأحكام التنظيمية والغرامات لانتهاكات فى السوق قبل وبعد الأزمة، ودفع «جولدمان ساكس» 5.1 مليار دولار أوائل الشهر الجارى لتسوية ادّعاءات بأنه ضلل المستثمرين فى سندات الرهن العقارى قبل الأزمة.
ولا يزال المصرفيون حتى بعد الفترة الطويلة من تخفيض النفقات عبر القطاع يكسبون أكثر من المهن الأخرى، وحتى عندما يمر «جولدمان ساكس» بربع سيئ، يجنب 2.7 مليار دولار للمكافآت، أى 42% من صافى إيراداته، ولكنه أيضا يقوم حاليا باستبدال الموظفين الصغار بموظفين أكثر خبرة، ويحاول ميكنة أعماله قدر الإمكان.
وتشكل نتائج أعمال «جولدمان ساكس» أهمية ليس فقط لأنه أكثر البنوك شهرة، وإنما لأنه تحمل رهانا طويل الأجل بعد أزمة 2008، وهو أنه سيتمسك بأكثر ما برع فيه – بما فى ذلك أقسام تداول السندات والعملات التى حققت أرباحا كبيرة منتصف العقد الماضى – بدلا من تخفيضها سريعا، وذلك لاعتقاده بأن الدورة ستتحول.
ورغم كل شىء، يتمسك قادة «جولدمان ساكس» بموقفهم، ويقول مديره التنفيذى، لويد بلانكفين، ورئيسه، جارى كوهن، فى أحدث خطاباتهم إلى المساهمين: «نحن لا نرى كيف سيكون عالما يتسم بالفائدة الصفرية والسلبية هو الوضع الطبيعى الجديد»، مضيفين أنه رغم التحديات، فإنهم «يرون أسبابا عديدة للتفاؤل».
وقد يتبين أنهم كانوا على حق، ولكن يستغرق الرهان وقتا طويلا حتى يؤتى ثماره، وتوجد وجهة نظر أخرى، معقولة بنفس القدر، وهى أن العقود التى سبقت الأزمة المالية العالمية كانت شاذة، ومثلت عصرا من النمو الاستثنائى للبنوك بسبب العولمة والقواعد التنظيمية المتراخية، وسواء كانت أسعار الفائدة السلبية طبيعية أم لا، فإن تراجع ربحية البنوك الاستثمارية حقيقة واقعية.
وقضية ربحية البنوك الاستثمارية لا تشكل مشكلة كبيرة للاقتصادات والمجتمعات عموما، فإذا لم يكن لدى البنوك التجارية رأس مال يسمح لها بالإقراض بحرية، فسوف يحد ذلك من النمو الاقتصادي، وهى مشكلة حقيقية فى بعض الدول الأوروبية.
أما البنوك الاستثمارية، فبإمكانها تأدية دورها فى مساعدة الشركات على رفع رءوس أموالهم، وبيع الأسهم للمستثمرين دون أن تجنى أرباحا هائلة، وإذا كان الوقت الحالى صعبا على البنوك الاستثمارية، فليكن كذلك، فحتى المصرفيون بإمكانهم التقشف.
إعداد: رحمة عبدالعزيز