بدأت الطفرة غير المسبوقة فى سوق سندات الشركات الصينية البالغة قيمته 3 تريليونات دولار فى التفكك والتراجع. وأدت حالة الفزع نتيجة موجة التخلف عن السداد من جانب الشركات المملوكة للدولة إلى قيام المستثمرين فى سندات الشركات الصينية برفع العائدات أوائل الشهر الجارى، وخلق ذلك أكبر موجة بيع لديون داخلية عالية العائد والمخاطر منذ عام 2014.
كما اضطر مصدرو السندات المحلية إلى إلغاء إصدار سندات بقيمة 61.9 مليار يوان (9.6 مليار دولار) فى إبريل الجارى وحده، وخفضت «ستاندرد آند بورز» درجة التصنيف الإئتمانية للشركات الصينية بوتيرة لم تشهدها منذ عام 2003.
ورغم أن عائدات السندات فى الصين لا تزال أقل بكثير من المعدلات التاريخية، يمكن للزيادة المطردة فى تكاليف الإقتراض أن تهدد الاقتصاد الذى أصبح أكثر اعتمادًا على الائتمان الرخيص من أى وقت مضى، وتشير الأرقام إلى توقع المزيد من الألم فى المستقبل: فقد انخفضت قدرة الشركات المدرجة على خدمة ديونها الى أدنى مستوى لها منذ عام 1992 على الأقل، فى الوقت الذى خفض المحللون من توقعات أرباح الشركات فى مؤشر شانغهاى المجمع الرئيسى ببورصة شانغهاى إلى أدنى نسبة منذ الأزمة المالية العالمية.
ويواجه قادة الصين موقفًا صعبًا، حيث لفت تعثر الشركات نظر مديرى الأموال بشكل متزايد إلى المخاطر الائتمانية، كما أن الذعر لدى المستثمرين سيؤدى إلى تشديد الشروط الائتمانية، وهو ما سيوجه ضربة لخطة الرئيس، شى جين بينغ، للحفاظ على نمو الاقتصاد بنسبة 6.5% على الأقل خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأضافت الوكالة أن أرقام شهر مارس تظهر اعتمادا متزايدا على الدين، وتضاعف حجم التمويل الكلى فى الصين – بما فى ذلك سندات الشركات – عن العام السابق إلى 2.34 تريليون يوان، وتجاوز جميع التوقعات فى استطلاع لوكالة «بلومبرج»،فى الوقت الذى فتح فيه صانعو السياسات صنابير السيولة لدعم النمو الاقتصادي.
وكانت ردود الأفعال على تعثر 7 شركات سريعة فى سوق سندات الشركات البالغة قيمته 18.8 تريليون يوان، وارتفع الفرق فى العائد بين السندات الاستثمارية لأجل 7 سنوات، وسندات الحكومة الصينية لنفس الأجل بمقدار 28 نقطة أساس إلى 91 نقطة أساس يوم الاثنين الموافق 11 أبريل الماضي، بعدما كان الفرق قد وصل لأدنى مستوى له فى يناير الماضي.
وأجلت 64 شركة صينية على الأقل أو ألغت مبيعات سنداتها المقررة الشهر الجاري، وهو الرقم الذى بلغ ستة أضعاف الشركات عن الفترة نفسها من العام الماضي.
وقال شى لى، رئيس قسم أبحاث الدخل الثابت فى «بينغ آن للأوراق المالية المحدودة» بالنسبة للمستثمرين الصينيين فى الوقت الراهن، فإن مخاطر التعثر عالية بصورة هائلة تقريبًا وربما يرتفع العائد على سندات الشركات من 30 إلى 50 نقطة أساس خلال الأشهر القليلة القادمة.
ويمكن أن يكون للتراجع فى أسواق السندات الصينية تأثيرا أكبر على الاقتصاد من تراجع الأسهم، نظرا لاعتماد البلاد بشكل رئيسى على الديون، وارتفعت التزامات الدين لدى الشركات الى مستوى قياسى عند 165% من الناتج المحلى الإجمالى فى نهاية العام الماضي، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن وحدة «بلومبرج انتلجنس» البحثية.
وليس هناك ما يدل على أن الصين فى طريقها للانتعاش، لاسيما أن الشركات غير المالية المتداولة فى بورصتى شانغهاى وشنتشن تولد أرباحا تشغيلية تكفى لتغطية الفائدة على ديونها بمقدار الضعفين، بعدما كانت تولد أرباحا تفوق الفائدة على الديون بمقدار 6 أضعاف عام 2010، وفقًا لبيانات «بلومبرج».
وقال ايريس بانج، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى بنك «ناتيكسيس اس ايه» فى هونج كونج: «السوق أبدى مخاوفه من تزايد الديون، وهو ما يشكل مخاطر ائتمانية ليس للشركات الصينية فحسب، وإنما أيضًا بالنسبة للاقتصاد العالمى ككل».
وتزايدت النظرة التشاؤمية لدى المحللين، حيث تراجعت توقعات الاثنى عشر شهرا المقبلة للشركات الصينية المدرجة فى مؤشر شنغهاى المركب بنسبة 7.8% العام الجاري، وهو أكبر تراجع منذ عام 2009، وفقا لبيانات جمعتها وكالة «بلومبرج»، وخفضت «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتمانى لـ 63 شركات صينية العام الجاري، بينما رفعت تصنيفها لاثنتين فقط من الشركات الصينية لأول مرة منذ 13 عامًا.