التوازن فى سوق الخام يتوقف على نيجيريا وليبيا وفنزويلا
محلل اقتصادى: وكالة الطاقة الدولية متفائلة بارتفاع إمدادات «الأوبك» فى 2017
عانت سوق البترول العالمية منذ منتصف عام 2014 من تخمة الإمدادات التى دفعت أسعاره نحو التراجع مسجلاً أدنى مستوياته فى يناير الماضى.
ولكن تعطل الإمدادات فى بعض الدول المنتجة للبترول ابتلع تخمة معروض البترول إلى حد ما، وساهم أيضاً فى تراجع استثمارات شركات البترول فى التنقيب عن البترول فى امتصاص تلك التخمة، ولكن هل ستنجح منظمة الدول المنتجة للبترول «الأوبك» فى تفادى تحول تلك التخمة إلى نقص فى الإمدادات؟ لاسيما مع صعوبة معالجة المشكلات التى ساعدت على حل مشكلة زيادة المعروض.
وكشفت وكالة أنباء «بلومبيرج»، أن أبرز متنبئ لتحركات سوق البترول فى العالم، وهى كالة الطاقة الدولية، تتوقع حدوث توازن قريب بين العرض والطلب وأسواق البترول العالمية العام المقبل، وإذا لم تتمكن الدول الأعضاء فى منظمة الأوبك من حل بعض اضطرابات الإنتاج الضخمة، سيتحول هذا التوازن إلى عجز كبير فى الإمدادات.
وسيتماشى الاستهلاك على نحو كبير مع الإنتاج العالمى للبترول لينهى سنوات عديدة من تخمة الإمدادات، وذلك وفقاً للتوقعات التى أعلنتها وكالة الطاقة الدولية يوم 14 يونيو الحالى، ولكى يحدث ذلك، سيتعين على منظمة الدول المصدرة للبترول ضخ 650.000 برميل يومياً إضافياً خلال العام، وفقا لحسابات «بلومبيرج» القائمة على بيانات وكالة الطاقة الدولية، وهذا من شأنه أن يتطلب حلولاً لهجمات المليشيات فى نيجيريا، والانقسامات السياسية العميقة فى ليبيا، والأزمة الاقتصادية فى فنزويلا.
وقال كبير محللى البترول لدى «إنيرجى أسبيكتس» للاستشارات «أمريتا سين»، إن وكالة الطاقة الدولية متفائلة للغاية فى زعمها ارتفاع إمدادات الأوبك العام المقبل، وأضاف: «رغم أن العديد يرون أن انقطاع إمدادات البترول فى ليبيا ونيجيريا غير مخطط له، نرى أنها دليل على نحو جزئى على أسعار البترول المنخفضة ومن غير المرجح أن تُحل فى أى وقت قريب».
وتعد توقعات العرض والطلب الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية مهمة لأنها تشكل ملامح التداول، وشهدت أسعار البترول تقلبات عنيفة منذ عام 2014، مع فائض عالمى قاده للانخفاض بنسبة 75% ليقف عند 27.10 دولار للبرميل فى يناير الماضى، مسجلاً أدنى مستوى له فى 12 عاماً، ليرتفع إلى ما يقرب من 48 دولاراً فقط للبرميل وسط اضطرابات الإمدادات وخفض ااستثمارات غير المسبوق.
ومع نهاية العام المقبل، ستحتاج «الأوبك» إلى ضخ أكثر من مستوى إنتاج الشهر الماضى بنحو مليون برميل للحفاظ على توازن السوق، وذلك وفقاً لحسابات «بلومبيرج»، وسيتطلب تحقيق توقعات وكالة الطاقة الدولية تغلب «الأوبك» على بعض العوائق الرئيسية.
ففى نيجيريا، تراجع إنتاج البترول إلى أدنى مستوى له منذ 28 عاماً ليقف عند 1.37 مليون برميل يوميا، وهو ما يعد أقل من سعتها الإنتاجية الكاملة بنحو 480.000 برميل، وذلك وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية – وتستهدف جماعة مسلحة تطلق على نفسها «منتقمو دلتا النيجر»، خطوط الأنابيب وغيرها من البنية التحتية فى نيجيريا منذ عدة أشهر.
ولايزال الإنتاج الليبى مجرد جزء من 1.6 مليون برميل يومياً كانت تضخها البلاد قبل الإطاحة بالرئيس معمر القذافى عام 2011، وضخت البلاد 270 ألف برميل يوميا فى مايو، وهو ما يعد انخفاضا بنحو 80.000 برميل عن الشهر السابق، لأن الحكومات المتنافسة فى الغرب والشرق أوقفت تحميل الناقلات فى ميناء «هاريجا» لعدة أسابيع، وتقبع العديد من حقول البترول فى البلاد وموانئ التصدير فى إيدى جماعات مسلحة ذات مصالح متنافسة.
وفى فنزويلا، قالت وكالة الطاقة الدولية، إن الأزمة الاقتصادية الحادة الناجمة عن انخفاض أسعار البترول تجعل من الصعب على شركات البترول الحكومية دفع مستحقات المقاولين للقيام بالأعمال اللازمة لمواصلة الإنتاج.
وبلغ الإنتاج الشهر الماضى 2.29 مليون برميل يومياً، وهو المستوى الأدنى منذ عام 2009، وتعد البلاد على وشك أن تشهد انخفاضاً فى الإنتاج بنحو 100.000 برميل يومياً العام الحالى.
وبعض الإنتاج الإضافى قد توفره إيران، التى تستعيد الصادرات بعد رفع العقوبات المرتبطة بقضيتها النووية فى يناير الماضى، وستزيد طهران إنتاجها إلى ما يزيد على 3.7 مليون برميل يومياً العام المقبل، وقد ضخت أعلى مستوى لها فى 5 سنوات خلال مايو الماضى وبلغ 3.6 مليون برميل وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وأعلنت السعودية أنها قد تزيد إنتاجها خلال أشهر الصيف لتغطية الارتفاع فى الطلب المحلى.
وتقدر الوكالة، أن المخزونات ستتراجع تراجعاً طفيفاً عام 2017، بمعدل 100.000 برميل يومياً، مما يضيق عجز الإمدادات على افتراض أن «الأوبك» ستضخ 33.3 مليون برميل يوميا، مقابل إنتاج المنظمة فى مايو الذى بلغ 32.6 مليون برميل يومياً.
وإذا جاء إنتاج الأوبك دون توقعات وكالة الطاقة الدولية، فستبدأ تلك المخزونات فى التقلص سريعا، وفقاً لحسابات «بلومبيرج».
وقال أوليفر جاكوب، العضو المنتدب لدى «بيتروماتريكس» للاستشارات:«دون عودة ليبيا إلى الإنتاج، سيكون من الصعب على منظمة الأوبك تحقيق مستوى الإنتاج المستهدف عام 2017، وهو ما يؤدى إلى مزيد من سحب المخزونات الهيكلية فى عام 2017».
وعلى صعيد متصل، أوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن شركات الغاز والبترول ستنفق تريليون دولار أقل على الاستكشفات وتطوير الحقول ما بين عامى 2015-2020 بسبب انهيار أسعار البترول الخام، مما أثار المخاوف بشأن نقص الإمدادات المحتمل حتى نهاية العقد.
وقالت شركة «وود ماكينزى» للاستشارات، إنها تتوقع انخفاض تدفقات إنفاق البترول والغاز بأقل من 22% من توقعاتها منذ عامين، قبل أن تبدأ أسعار البترول فى الانخفاض.
ويعانى قطاع البترول الأمريكى، بما فى ذلك منتجى البترول الصخرى، بعض الانخفاضات الحادة فى الإنفاق، ومن المتوقع أن تشهد روسيا، أيضاً، انخفاضات حادة، رغم أنه فى بعض الأجزاء فى الشرق الأوسط، بما فى ذلك السعودية، نجد أن الإنفاق آخذاً فى الارتفاع.
ومن المتوقع، أن يخفض تباطؤ الاستثمارات، الإنتاج العالمى للبترول والغاز العام المقبل بنحو 4%، وهذا من شأنه أن يساعد فى تهدئة تخمة الإمدادات التى دفعت أسعار البترول نحو التراجع، ولكنه من المرجح أن يمهد الطريق لنقص الإمدادات فى الأسواق وارتفاع الأسعار فى السنوات التالية، وأجبرت أزمة التدفقات النقدية فى شركات البترول الناجمة عن انخفاض الأسعار، العديد منها على خفض الإنفاق.
فعلى سبيل المثال، خفضت شركة «إكسون موبيل» إنفاقها الرأسمالى من 42.5 مليار دولار فى عام 2013 إلى 23 مليار دولار العام الحالى، فى حين خفضت شركة «شيفرون» إنفاقها من 41.9 مليار دولار إلى 25 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.
والتوقعات بأن أسعار البترول قد تظل عند 50 دولاراً للبرميل لسنوات مقبلة تعنى أن العديد من مشروعات البترول والغاز الممكنة لن تكون مجدية اقتصادياً، ووفقاً لحسابات «جولد مان ساكس»، ربما يتم إلغاء المشروعات البالغ قيمتها 550 مليار دولار إذا حامت الأسعار حول 55 دولاراً للبرميل.
وانخفض الإنفاق العالمى على التنقيب لإيجاد احتياطيات بترول وغاز جديدة بنحو النصف منذ عام 2014، لتنخفض إلى 42 مليار دولار سنوياً عام 2016-2017.
ومن المرجح أن يكون الغاز وفيراً فى الأسواق العالمية لبضع سنوات على الأقل، نظراً لأن المشروعات الجديدة لتصدير الغاز الطبيعى المسال فى أستراليا والولايات المتحدة دخلت حيز التنفيذ، وهو ما من شأنه أن يعزز الإنتاج.
ولكن من الممكن أن يعانى البترول نقصا فى الإمدادات، ويتوقف ذلك على عدة عوامل منها توقف الإنتاج المرتبط بالوضع الأمنى فى دول مثل نيجيريا، وقوة نمو الطلب العالمى.