بقلم: مايكل شومان
يخلق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى الكثير من الخاسرين، مثل القطاع المالى فى لندن، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، والجنيه الإسترليني، والمسعى العظيم للتكامل الأوروبي، ولكن من بين كل الاضطرابات وعدم اليقين فى السوق سوف يظهر على الأقل فائز واحد وهو الصين.
وبالطبع على المدى القصير، سوف يتعرض الاقتصاد الصينى المناضل إلى ضربة من الفوضى فى الاتحاد الأوروبي، ثانى أكبر شريك تجارى لها، فلا يعد السوق الأوروبى الأصغر والأقل استقراراً، والمستهلكون المفتقرون للنقدية، أنباءً جيدة للمصدرين الصينيين.
ومع ذلك، على المدى البعيد، خروج بريطانيا يعد بالتأكيد فى الصالح الاقتصادى والسياسى للصين.
حتى أوروبا المتوحدة بالكامل، المثقلة بالديون، وارتفاع التكاليف، والبيروقراطية العالية، وفى بعض الحالات ضعف التنافسية، مرت بوقت عصيب للتنافس مع الصين، والآن بعد التفكك، لا يسع الاتحاد الأوروبى فرض ثقل موازٍ لصعود الصين على الساحة العالمية.
وينبغى علينا أن نتذكر لماذا تشكل الاتحاد الأوروبى فى المقام الأول، وسيميل المؤدون إلى التأكيد على مهمة ترويج السلام والديمقراطية، وعملياً، كان أحد الأهداف الرئيسية للاتحاد هو تعزيز قوة المنطقة اقتصادياً، وتفهمت الدول المختلفة فى أوروبا أنهم سيكونون أقوى إذا أسسوا سوقاً بمؤسسات مشتركة وعملة واحدة «اليورو»، وأفضل مما سيكونون عليه لو حاولوا التنافس كوحدات مستقلة.
وكان يأمل الاتحاد الأوروبى أن يتطور من مجرد مجموعة من الدول الغنية والمتباينة إلى كتلة اقتصادية عملاقة على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، والصين.
وفى الواقع، عانت أوروبا فى سبيل هذا الهدف المثالي، وقوضت القومية المتواصلة مراراً وتكراراً قدرتها على تأسيس جبهة موحدة على الصعيدين التجارى والجغرافى السياسي.
وكان هذا الفشل أكثر وضوحاً فى علاقات أوروبا مع الصين، وكوحدة واحدة، كان من المفترض أن يتمتع الاتحاد الأوروبى نظرياً بسلطة كبيرة فى الضغط على بكين لفتح أسواقها، واللعب بنزاهة على الصعيد التجاري، لكن الدول الأوروبية بددت باستمرار هذه الميزة من خلال التنافس مع بعضها على الاستثمارات والمحاباة الصينية.
وبعد فترة قصيرة من زيارة كاميرون، وتودده للرئيس الصينى شى جين بينج، ظهرت أنجيلا ميركل فى بكين ساعية وراء اتفاقاتها التجارية الخاصة، والآن بعد أن اتخذ ثانى أكبر اقتصاد فى أوروبا طريقاً مختلفاً، سوف تزداد فرص الصين فى استخدام سياسة «فرق تسد»، وذلك لإبرام صفقات أفضل، وقمع الشكاوى بشأن سلوكها المشوه للأسواق.
وبالتأكيد، كانت مصالح الشركات الأوروبية لتُخدم بشكل أفضل، إذا وضع الاتحاد الأوروبى سياسة مشتركة تجاه الصين، وفى الوقت الذى قامت به الشركات الصينية بجولة تسوق ضخمة فى أوروبا – حتى إنها اشترت حصصاً فى نوادى كرة القدم المفضلة – ظلت ميركل فى أحدث زيارة لها لبكين تجادل بأن الشركات الأجنبية تستحق معاملة متساوية فى الحقوق والامتيازات مثل المحلية فى الصين.
وإذا تعاونت ميركل وكاميرون وقادة أوروبا الآخرون من أجل هذه الحقوق، كانت فرص نجاحهم أكبر بكثير، والآن، سوف يقلص السوق الأوروبى الممزق التنافسية العالمية لشركات الاتحاد.
وسياسياً أيضاً، سوف يؤدى خروج بريطانيا إلى إفساح المجال أمام الصين لاتخاذ تحركات أكبر، حيث تنتقد بكين المؤسسات الغربية وقيمها بدءاً من حقوق الإبحار إلى حقوق الإنسان، وبالتالى ستزداد أهمية الدفاع عن هذه القواعد والحقوق.
وكان من شأن أوروبا المتحدة أن تشكل حاجزاً قوياً لاتجاه تأكيد الذات المتنامى من طرف بكين، بل قد رأينا العكس، فعندما أعربت الولايات المتحدة العام الماضى عن مخاوفها بشأن خطط الصين لإنشاء منافس للبنك الدولي، تهافت الأوروبيون على التسجيل فيه، مقوضين أى أمل لاجتذاب التنازلات من القادة الصينيين.
وأثبت اختيار «الرحيل» قصر نظر مؤسفاً من قبل الناخبين البريطانيين بشأن كيف أن العالم يتغير، وكيف أنه من الصعب على دولة ذات طموح عالمى بأن تسير فى الطريق وحدها.
وبخروج بريطانيا، تخسر المملكة المتحدة وأوروبا شيئاً أكبر بكثير من الشراكة، فهم يخسرون أفضل فرصهم للبقاء على اتصال فى نظام عالمى يتغير بطريقة مذهلة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»