بقلم: دومينيك بارتون
يشعر يومياً ملايين من الناس فى الدول النامية أو المتقدمة بجهد شديد من اختناق حركة المرور أو ازدحام عربات المترو، خلال الذهاب أو العودة من العمل.
وهذا على الأرجح صورة واحدة فقط من صور المواجهات العديدة، إن لم تكن يومية، مع أنظمة البنية التحتية المكتظة.
وفى الاقتصادات المتقدمة والناشئة، على حدٍ سواء، تعد الطرق والكبارى فى حاجة للإصلاح، وشبكات المياه، إما أنها بالية وإما غير كافية، وشبكات الكهرباء مثقلة بالأحمال، ما يؤدى إلى انقطاع التيار الكهربائي.
ويقلل العديد من الدول من استثماراتها فى البنية التحتية منذ عقود، ما نتج عنه مشكلات وصعوبات فى حياة الشخص اليومية. والأسوأ من ذلك، أنه خلق عوائق أمام النمو الاقتصادي.
وبينما يعد ضخ التمويلات الضخمة أمراً لازماً لمعالجة مشكلات البنية التحتية، فإن التوصل إلى المال لا يعتبر سوى جزء من الحل، إذ تحتاج الحكومات، أيضاً، إلى إصلاح تنظيم ورقابة البنية التحتية.
ولم يعد الجمهور قادراً على قبول مشروعات تخرج تكاليفها عن نطاق السيطرة.
والقدرة الفريدة لمشروعات البنية التحتية على توفير فرص عمل على المدى القصير، وتعزيز الإنتاجية على المدى الطويل، أمر معروف بالنسبة لصانعى السياسة. ولكن نادراً ما يتحول الكلام إلى فعل، رغم المستويات القياسية المنخفضة لأسعار الفائدة خلال الثمانية أعوام الماضية.
ويحتاج العالم إلى زيادة الاستثمار فى وسائل النقل وأنظمة الطاقة والمياه والاتصالات من 2.5 تريليون دولار سنوياً إلى 3.3 تريليون دولار كل عام حتى 2030، من أجل دعم النمو الاقتصادى المتوقع فقط، وذلك وفقاً للتقديرات الجديدة من معهد «ماكنزي» العالمي.
ولكن رغم الحاجة الواضحة للتحرك، فإن الاستثمار فى البنية التحتية تراجع بالفعل فى 11 دولة من دول مجموعة العشرين منذ الأزمة المالية العالمية التى اندلعت عام 2008.
والحكمة التقليدية تفيد بأن المخاوف المالية تجعل من المستحيل جمع تمويل حكومى كاف.
وفى الواقع، هناك فرصة كبيرة لزيادة استثمارات البنية التحتية العامة، ولا سيما فى ظل استمرار تكاليف الاقتراض عند مستوياتها القياسية المنخفضة.
وفى بعض الحالات، من الممكن إيجاد التمويل دون رفع الضرائب، إذ تستطيع الحكومات زيادة إيراداتها من خلال فرض رسوم على المستخدم، والاستحواذ على الارتفاع فى قيمة العقارات، وبيع الأصول الموجودة، وإعادة تدوير العائدات، ويمكن أن تسمح معايير المحاسبة العامة بانخفاض قيمة أصول البنية التحتية خلال دورة حياتها، بدلاً من إضافة تكاليفها على نحو فورى إلى العجز المالى خلال الإنشاء.
وتستطيع أن تبذل الحكومة، أيضاً، مزيداً من الجهد لتشجيع استثمار القطاع الخاص، بدءاً من توفير اليقين التنظيمى، والقدرة على فرض أسعار تنتج عائدات مقبولة معدلة وفقاً للمخاطر.
وعلى نطاق أوسع، تستطيع الحكومات اتخاذ خطوات حيال إنشاء سوق يربط على نحو أكثر كفاءة بين المؤسسات الاستثمارية التى تسعى للاستقرار وتحقيق إيرادات على المدى الطويل والمشروعات التى تحتاج إلى تمويل.
وبعيداً عن التمويل، يوفر قطاع البنية التحتية الأكثر كفاءة فرصة أكبر، فالتأجيلات التى تمتد لسنوات وتجاوز الارتفاع فى التكاليف التى تصل إلى مليارات الدولارات، من القصص المألوفة، للأسف، فى الأشغال العامة. وعندما تتحول الكبارى إلى مشاريع غير مفيدة، يصبح العامة أكثر عزوفاً عن الاستثمار.
ويتعين على الحكومات، أيضاً، أن تعمل على إخضاع المؤسسات والعمليات لسيطرتها المباشرة.
وأكد عملنا مع الحكومات فى مختلف أنحاء العالم، أن تحسين حوكمة مشاريع البنية الأساسية والإشراف على تنفيذها من الممكن أن يؤديا إلى خفض تكاليف البنية الأساسية بما قد يصل إلى 40%.
ويبدأ هذا بسلوك نهج منظم يعتمد على البيانات فى اختيار المشاريع الصحيحة، ولا تدرس الدول الأفضل أداءً، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، المشاريع بشكل منعزل، بل تدرس كيف يدعم كل منها أهدافها السياسية، وتقارنها بمشاريع أخرى قد تدر عائدات أفضل.
ولا تعد استراتيجية «تأجيل عمل اليوم إلى الغد» قابلة للتطبيق فى التعامل مع احتياجات البنية الأساسية على مستوى العالم. ويرجع الأمر إلينا فى تجنب ترك إرث من التكاليف المؤجلة والأساسيات المتدهورة للأجيال القادمة، وما دامت الأموال متاحة، دعونا نستفِد منها.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: بروجيكت سينديكيت