ما يقرب من 5000 مؤسسة للرعاية الصحية تقدم خدماتها لنحو 90 مليون مواطن من خلال الهيئة العامة للتأمين الصحى، والتأمين الخاص ومستشفيات القطاع الحكومى والأهلى والخاص ونموذج العلاج بالتبرعات (NFF=No Fee for service model).
على الرغم من أن نماذج العلاج المجانى بالتبرعات NFFS لا تزال فى مراحل التعلم والتطور، إلا أن العديد من هذه المنظمات حققت نجاحاً ملحوظاً فى الحفاظ على جمع الأموال وجذب المزيد من الأموال وتحسين الجودة مع الحد من الوفيات والاعتلال.
وبينما تستمر نتائج واعدة فى الظهور، من هذه المنظمات -التى كان يعتقد الكثير أن فكرتها هى أقرب إلى الخيال من الواقع الجدي- فنحن نتوقع أن 10 ملايين شخص سيشملهم هذا النموذج من التغطية الطبية بحلول عام 2030.
وبالمثل، فإن قطاع الرعاية الصحية يتجه نحو القيمة المضافة وليس الكم، (الوضع الحالى هو ارتباط دخل مقدمى الخدمة من ازدياد المترددين وازدياد أعداد التحاليل والكشوفات والعمليات، ولقد أدى هذا التوجه إلى ازدياد هائل فى عدد الإجراءات الطبية وخاصة العمليات الجراحية والقيصريات والأشعة والتحاليل الطبية)، ومن المتوقع أن يزيد إلى حد كبير فى السنوات الخمس القادمة، الاعتماد على نموذج العقود على أساس القيمة والنتائج وليس الكم، وأن تزداد الحاجة إلى السجلات الإلكترونية (الملف الصحى الموحد) لتحقيق نجاحات حقيقية لتطبيقات التعاقد على أساس القيمة وليس الكم.
ونؤمن بأن الاتجاهات الجديدة لنموذجى العلاج المجانى بالتبرعات NFFS ونماذج القيمة وليس الكم، سيؤديان إلى الإسراع فى الطلب على الخدمات الوقائية والعلاجية المرتبطة بالنتائج وكذلك الاعتماد على التكنولوجيا التى تمكن النظم الصحية وغيرها من المنظمات لإدارة مشتركة للصحة والرعاية للسكان، وأن هذين النموذجين سيدفعان وبقوة نحو المزيد من الكفاءة التشغيلية وتحسين الإدارة المالية وفعالية إشراك المستهلكين فى إدارة صحتهم وإدارة منظومة الرعاية الصحية والنقطة الأخيرة وهى من أهم النقاط التى ستحدث تغييرا كبيرا فى القطاع الصحى بمصر خلال السنوات العشر القادمة.
ويمكن بسهولة أن نعرف مشاركة المستهلكين فى إدارة صحتهم وإدارة منظومة الرعاية الصحية بأنها إشراك الأفراد فى المحافظة على صحتهم وصحة أسرهم من خلال تقييم وتطوير المنظومة الصحية والاستفادة من تجاربهم السابقة مع الحد من التكلفة، ومشاركة المستهلكين يمكن شرحها من خلال مشاركة مجموعة من سكان منطقة جغرافية محددة يشتركون معا فى نفس المخاطر الصحية ويستفيدون معا من مجمل الإصلاح.
ولنجاح تلك المشاركة، يجب أن نطبق البرامج الاستباقية لتحديد المجموعات الأكثر تضررا (مرض السكرى – مرضى السرطان– مجموعات كبار السن والأمراض المرتبطة) وتحديد طرق احتواء التكاليف.
ولإشراك المواطنين فى تنظيم وضبط العملية الصحية بمصر، لا بد من اعتماد استراتيجية بسيطة تتمثل فى إنشاء شبكات من الشراكة الجديدة التفاعلية، التى تستهدف السكان ومقدمى الخدمة ومديرى التعاقدات، والتوفيق بين مقدمى الخدمات والعقود لتحقيق القيمة والنتائج وليس الكم، مع وضع بروتوكولات لتبادل البيانات بكفاءة بين المؤسسات الصحية والصحية المساعدة وغير الصحية مع المكاشفة والإشهار الطوعى للمعلومات كبداية لتحقيق نوع من الحوكمة السريرية لوضع أسس للتقييم المجتمعى بصورة مستمرة.
وعلاوة على ذلك، لا بد من تجميع البيانات من مصادر متعددة، متباينة، لدفع رؤى جديدة فى تخطيط الرعاية الصحية، وتحديد أنواع ودرجات المخاطر، والتكلفة التفصيلية للرعاية الصحية، وذلك باستخدام السجل الالكترونى للرعاية الصحية «Electronic Healthcare Record» (الديموغرافية والسريرية وعلم الاجتماع المعلوماتي)، وإدارة موحدة للمعلومات الصحية بالمؤسسات الخدمة ««Management Information System.
ونرى أن تحقيق النجاحات السريعة ممكن أن يحقق من خلال التحول من إدارة المرضى (المختارين) إلى إدارة جميع المرضى، ومن إدارة بعض المرضى لإدارة جميع المرضى ومن التركيز على مرض واحد إلى التركيز على أمراض متعددة واستخدام خطط الرعاية المبنية على الأدلة، ومن أعمال الإدارة اليدوية إلى المميكنة المتطورة، ومن فرق العلاج المهلهلة وغير المتصلة الى فرق العمل الجماعى والمشاركة المجتمعية، ومن التحليل بأثر رجعى للتحليل المتزامن.
ونؤمن بأن هناك احتياجا شديدا للاستثمارات لنتمكن من خلق منصة تكنولوجيا المعلومات الطبية الملف الصحى الموحد «EHR» وبرنامج موحد لإدارة تكنولوجيا المعلومات الصحية بالمؤسسات الصحية المصرية MIS والتطبيب عن بعد والرعاية الصحية عن بعد وهذا العمل يحتاج إلى جمع البيانات من مناطق ومصادر متنوعة ومن أجهزة متعددة تستخدم فى المنازل وفى العمل ومن مصادر للبيانات المتنوعة من مديرى مصلحة الصيدلة ومطالبات التأمين الصحي.
إن استخدام أدوات التكنولوجيا المتطورة والصحيحة سيساعد فى تنبيه فريق الرعاية لمساعدة المريض على نحو أفضل من الوضع الحالى وذلك للحد من أنشطة لا لزوم لها ومجهودات لا طائل لها من قبل الفرق الطبية والطبية المساعدة، كما انه سيساعد فى تحديد فجوات الرعاية الصحية بدقة لتوجيه المخصصات المالية المناسبة ووفق برامج متخصصة تستفيد من تكنولوجيا المعلومات المتطورة.
إن نموذجى العلاج المجانى بالتبرعات NFFS ونماذج القيمة وليس الكم سيساعدان على خلق ما يسمى بسجل المخاطر من خلال دمج البيانات السريرية والمالية والتشغيلية من مصادر مختلفة فى وعاء واحدة سنتمكن من خلق قيمة مضافة لمتخذى القرارات.
هناك ضرورة ملحة لتسجيل البيانات الصحية وخلق نموذج تفاعلى لتحديد مستوى المخاطر الآنية والمتوقعة لتجنبها ولتحسين أداء الرعاية الصحية واحتواء التكاليف.
نعتقد أن الرعاية الصحية ستشهد انقلابا كبيرا للغاية وتحولا هائلا للمستهلكين لتلك الخدمات، من مجرد متلق للخدمة إلى مشارك ومراقب ومتطور ومحدد لمستقبل رعاية صحته وصحة أسرته ومجتمعه.
بقلم- أ.د خالد سمير
العضو المنتدب لمستشفيات ومراكز دار العيون ومؤسس جمعية إدارة وحوكمة وجودة القطاع الصحى