طوال عقود عديدة، نشأ الشباب السعودى معتاداً على شغل وظائف القطاع العام السهلة المدعومة بالرواتب السخية والمزايا التى تسد تكلفتها من خلال عائدات البترول فى المملكة.
وقالت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، إن تلك الظاهرة ولّدت التردد فى السعى لشغل وظائف القطاع الخاص، التى تتضمن ساعات عمل أطول ومزايا أقل، والنتيجة هى شغل المغتربين – الذين يشكلون نحو ثلث الكثافة السكانية فى السعودية التى تبلغ 30 مليون نسمة – لنحو 85% من وظائف القطاع الخاص.
ولكن ولى ولى العهد الطموح محمد بن سلمان، يريد تغيير هذا الأمر، وإذا نجح، سيُصدم ملايين السعوديين صدمة عنيفة فى ظل مساعى الأمير الشاب لتنفيذ خطة تحول جريئة ترمى إلى تقليص فرص التوظيف فى القطاع الحكومى ودفع نحو نصف السعوديين للبحث عن عمل فى القطاع الخاص مطلع عام 2020.
وبينما يوافق المحللون على أن الإصلاح الجذرى لازماً لتحديث الاقتصاد القائم على البترول، يكمن الخطر فى أن المضى قدماً مع التغيرات الاجتماعية قد يثير استياء شعبياً.
وقال سيمون ويليامز، كبير خبراء الاقتصاد لمنطقة الشرق الأوسط لدى بنك «إتش إس بى سى»: «هذه هى النقطة التى سيُختبر فيها حق التزام القادة بعملية التعديل، ومن المرجح أن تزداد حدة مقاومة التغيير قبل أن تهدأ نظراً لتراكم الخسائر الاقتصادية والاجتماعية وظهور حالة التعب واليأس من الإصلاح.
والمبدأ الجوهرى لخطة التحول القومية، التى أطلقها الأمير محمد الشهر الماضى، هو خفض معدلات البطالة من 11.7% إلى 9% مطلع عام 2020، و7% خلال العقد التالى، وتصل معدلات البطالة بين الشباب إلى نحو 30%.
ويدرك صانعو السياسة، أن الشباب الذين لا يشغلهم شاغل، هم فريسة سهلة للتطرف على أيدى الجماعات الإسلامية المتشددة، مثل “داعش”، وتجنيدهم للقيام بالهجمات المحلية أو تعيينهم فى ساحات القتال فى سوريا واليمن.
ولمعالجة هذه المشكلة، فإن خطة التحول القومية تتضمن هدفاً طموحاً بتوفير 450.000 فرصة عمل فى القطاع الخاص مطلع عام 2020 من خلال التوسع فى القطاعات غير البترولية، مثل التعدين والسياحة، ولكن فى الوقت ذاته، تتضمن الخطة تقليل عدد موظفى القطاع الحكومى بنسبة 20%، كجزء من هدفها المتمثل فى الحد من الدور المهيمن للدولة.
وقال الأستاذ فى كلية لندن للاقتصاد ستيفن هيرتوج، إن ذلك يتضمن خفضاً غير مسبوق فى الوظائف الحكومية، فى وقت يناضل فيه سوق العمل فى القطاع الخاص فى أعقاب انهيار أسعار البترول.
وأضاف هيرتوج، أنه فى حين يستمر السكان السعوديون ممن هم فى سن العمل فى النمو بوتيرة سريعة، فإن مثل هذا الخفض فى الخدمة المدنية سيكون صعباً من الناحية السياسة على نحو كبير.
وقال الكاتب السعودى عبدالله العلمى، إن الحكومة ستكون فى حاجة إلى إصدار تشريعات لتحسين ظروف العمل بالنسبة للسعوديين وجعل القطاع الخاص أكثر ملاءمة للمواطنين.
وتضمنت المقترحات السابقة تقليل ساعات العمل فى القطاع الخاص، ويومين عطلة أسبوعية، وإغلاق منافذ البيع بالتجزئة فى وقت مبكر حتى يتسنى للعمال السعوديين قضاء مزيد من الوقت فى المساء داخل المنزل.
وقال العلمى: “يعد هذا بالتأكيد تحدياً كبيراً لأن السعوديين نشأوا معتادين على العمل فى القطاع العام الأكثر راحة، ولنكن واقعيين، فحتى يقبل السعوديون هذا التحول إلى القطاع الخاص، نحتاج إلى تغيير ثقافة العمل”.
وتدرس وزارة العمل أيضاً تنفيذ نسخة جديدة من برنامج “نطاقات” ولوائح العمل التى استحدثت عقوبات وحوافز فعالة للشركات لتوظيف المزيد من السعوديين، ولكن الشركات تقول، إنها تناضل بالفعل مع حصص التوظيف القومية التى تراقبها الوزارة عن كثب.
وقال مدير إحدى شركات الخدمات المالية الأجنبية الذى رفض نشر اسمه، إن المشكلة الحقيقية هى إيجاد السعوديين المؤهلين، ومن ثم العمل على الاحتفاظ بهم، لأن» أى سعودى لديه مهارات قابله للتسويق يعلم أن بإمكانه ترك العمل فى التو واللحظة، فإذا تشاجر حتى لو على شىء لا يستحق، سيترك العمل».
وبينما يحرص بعض السعوديين على الانضمام إلى القطاع الخاص لاسيما الوظائف الإدارية، يفتقر العديد منهم للمهارات اللازمة للتنافس مع العمالة الأجنبية الرخيصة.