بقلم: ديفيد بايلينج
تغير بعض الأحداث، مثل الهجوم الإرهابى فى 9 سبتمبر أو خروج بريطانيا من «اليورو»، العالم بين ليلة وضحاها.. ولكن البعض الآخر يغيره ببطء وسرية.
ولعل الانفجار السكانى فى أفريقيا من النوع الثانى.
وأحد التغيرات الهيكلية الكبيرة التى ستشهدها العقود المقبلة، هو التحول الضخم نسبيا للنمو السكانى العالمى نحو أفريقيا. واليوم يعيش حوالى مليار نسمة فى أفريقيا، أى مثل ما يعيش تقريبا فى أوروبا والأمريكيتين. ولكن الفارق أن النمو السكانى فى هاتين القارتين توقف.
فعلى النقيض، سيتضاعف عدد السكان فى أفريقيا إلى 2 مليار نسمة بحلول 2050، كما ستضيف آسيا أيضا مليار نسمة ليصل عدد السكان بها إلى 5 مليارات نسمة.. ثم يتوقف عند ذلك، فى حين سيواصل عدد السكان فى أفريقيا النمو.
وتقول الأمم المتحدة إنه بحلول 2100، قد يتضاعف عدد السكان فى القارة السمراء مجددا، وإذا ثبتت هذه التوقعات صحتها، فستضم أفريقيا على الأقل 4 مليارات نسمة من إجمالى عدد السكان عالميا الذى سيبلغ 11 مليار شخص.
ويرجع هذا الارتفاع الكبير إلى حقيقة انخفاض معدل وفيات المواليد بقدر كبير، وتحسن متوسط العمر المتوقع، رغم مستوياته المنخفضة حتى الآن، كما لا تزال معدلات المواليد مرتفعة عند حوالى 5 أطفال لكل امرأة. وسيستمر عدد السكان فى أفريقيا فى التضاعف، إلا إذا انخفض معدل الخصوبة بحدة.
وتعد الأرقام فى أفريقيا مذهلة.
فالشعوب شابة، بمتوسط أعمار يبلغ 20 عاما مقارنة بـ 43 عاما فى أوروبا. وبحلول 2035، سيكون اكثر من نصف الباحثين الجدد عن عمل أفارقة.
وفى مقال كتبه الاقتصادى بول كروجمان فى عام 1994 بعنوان «اسطورة المعجزة الآسيوية»، أرجع النمو الاقتصادى الكبير ليس إلى ارتفاع الإنتاجية وإنما إلى زيادة المدخلات فى سوق العمالة.
ومع ذلك، فإن اقتصادات آسيا الناجحة لديها ميزات واضحة وهى ارتفاع معدلات الادخار، والخدمات المدنية ذات الكفاءة، والشعور بالهوية الوطنية والذى يغيب فى الدول الأفريقية التى تم ترسيم حدودها من قبل الاستعماريين، وبالتالى ما كان نعمة بالنسبة لآسيا، قد يمثل قنبلة لأفريقيا.
وتعد أفريقيا صافى مستورد للطعام، ومعظم الزراعة التى تتم فيها بغرض كفاف العيش، وفى تنزانيا التى تضاعف عدد السكان بها أكثر من 5 أضعاف من 10 ملايين نسمة عند الاستقلال إلى 55 مليونا حاليا، لا يستخدم 70% من المزارعين أى معدات معقدة أكثر من المجرفة.
وقد يتضاعف عدد السكان فى تنزانيا مرة أخرى بحلول 2035، ولحسن حظها تتمتع بأرض خصبة ومساحتها تعادل مساحة ولاية كاليفورنيا الأمريكية مرتين. ومع ذلك، سيتوجب عليها مضاعفة إنتاج الغذاء حتى تضمن البقاء.
ويعد حال تنزانيا أفضل من غيرها. فإذا نظرنا إلى النيجر المتضررة من الجفاف، سنجد أن الكثير من سكانها البالغ عددهم 17 مليون نسمة لا يحصلون على الطعام بشكل مستمر. ولدى المراة فى النيجر 7.6 طفل فى المتوسط. ومن المتوقع ان يتضاعف عدد سكانها 3 أضعاف إلى 55 مليون نسمة بحلول 2050.
وفى عام 2100، قد تصبح النيجر واحدة من أكبر 10 دول كثافة للسكان على الأرض، وبالتالى فإن الأمن الغذائى ضرورة ملحة بالنسبة لها.
وستحدث معظم الزيادة السكانية فى المدن. وخلال الـ35 عاما المقبلة، سيرتفع عدد سكان الحضر فى أفريقيا من 470 مليونا إلى 1.3 مليار نسمة، وفق مؤسسة «مو إبراهيم».
ففى عام 1960، كانت هناك 3 مدن أفريقية فقط بتعداد سكانى يزيد على مليون نسمة، فى حين توجد اليوم 56 مدينة، وبحلول 2030 سيكون هناك حوالى 100 مدينة مليونية.
ومن وجهة النظر المثالية، من المفترض أن تكون هذه المدن مهيئة، مثل كثير من المدن فى جنوب شرق وشمال آسيا، لتحسين الإيداع والإنتاجية والكفاءة لأقصى حد. ولكن للأسف، معظمها متراخ وغير مخطط، وحوالى نصف سكان المدن فى أفريقيا يعيشون فى «أحياء غير رسمية»، مثل حى كيبيرا فى نيروبي، وهو احد أكبر الأحياء الفقيرة فى العالم.
ويمكن تلخيص المشكلة الاكبر فى كلمة واحدة هى «الوظائف».
وعلى النقيض من آسيا، التى حولت المزارعين إلى عمال فى المصانع، فإن قطاع التصنيع غير مهيأ فى أفريقيا لذلك، وعدد قليل من الدول الأفريقية، من بينها إثيوبيا، هى من لديها سياسة صناعية متماسكة.
وقد يسبق الإنسان الآلى الأفارقة إلى العمل.
وستتطور قصة أفريقيا على مستوى الدول والمدن، ولكنها ستحتاج إلى ثورة زراعية، ومدن مخططة، وعشرات الملايين من الوظائف الرسمية الخاضعة للضرائب، والمؤسسات الجديرة بالثقة.. وهو مسعى صعب التحقيق. ولكن تحقيقه بشكل صحيح سيجعل أفريقيا محرك العالم.
والخطأ يعنى انتشار الهجرة الجماعية، والإرهاب، والصراعات.. لذا من مصلحة العالم بأكلمه، وليس أفريقيا فقط، أن تتمكن القارة من اتخاذ الإجراءات الضرورية الفورية للتعامل مع هذا الانفجار السكاني.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز»