8.7% تراجعاً فى الصادرات التركية فى 2015.. والليرة إلى أدنى مستوياتها فى سنوات
عزوف المستثمرين الأجانب وانخفاض جودة أصول القطاع المصرفى وتآكل رؤوس أموال البنوك
فشلت محاولة استيلاء الجيش على السلطة فى تركيا فى أقل من 12 ساعة، ورغم أن ذلك زاد من شعبية الرئيس رجب طيب أردوغان، بحسب مجلة إكونومى مونيتور، فإنه من المتوقع استمرار حالة عدم الاستقرار فى البلاد، وهو ما يعنى تعرض الاقتصاد التركى لأضرار بالغة تتعلق بانخفاض الاستثمار الأجنبى المباشر المتراجع بالفعل، وتقليل قيمة العملة المحلية (الليرة) مع احتمال خفض التصنيف الائتماني.
ولأنه إذا عطس أحدهم تراجعت أسعار البورصة، كما يقول المضاربون، فإن المعنويات السلبية سوف تسيطر على سوق الأسهم، بينما عائدات السندات مرشحة للصعود. وفى القطاع المصرفى من الطبيعى أن تتراجع معدلات الإقراض، وأن ترتفع تكاليف الائتمان.
وتسيطر التخوفات على بعض المحللين من حدوث موجة انتقامية بعد ازدياد شعبية أردوغان؛ لنجاحه فى إدارة أزمة محاولة الإطاحة بحكومته من سدة الحكم فى دولة لديها تاريخ طويل من الانقلابات فى أعوام 1960، 1971، وعام 1980 الذى كان الأكثر وحشيةً، وكان آخرها فى عام 1997، والمعروف باسم انقلاب ما بعد الحداثة، حيث هدد الجيش الحكومة بانقلاب لإجبارها على الاستقالة.
ومن المتوقع فى هذه الظروف أن يحدث صدام مع المعارضة التركية، رغم دعمها حكومة العدالة والتنمية، ضد انقلاب الجيش، إذا استغلت السلطة الحالية الزخم الشعبى لتمرير تعديل دستورى يحول الحكم إلى نظام رئاسى يركز السلطة فى يد منصب الرئيس.
وفى النهاية، فإن المحصلة هى استمرار حالة عدم الاتزان فى الأسواق لفترة طويلة قد تشهد مزيداً من إراقة الدماء، خصوصاً فى الصدام مع الأكراد فى الجنوب أو جراء التفجيرات المتكررة الأخيرة فى قلب أنقرة وإسطنبول عاصمتى الحكم والمال فى تركيا.
وعموماً فإن الاقتصاد التركى سيكون الضحية الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة ولحملة التطهير بالنسبة لأردغاون والانتقام بالنسبة لآخرين، ما يعنى خفض تصنيفه وتراجع حركة السياحة المتضررة بالفعل نتيجة الانفجارات والهجمات الانتحارية فى الآونة الاخيرة، وهى فى أسوأ معدلاتها منذ عام 1999، كما أن الاستثمار الأجنبى المباشر ينخفض بشكل ملحوظ.
ومما لاشك فيه أن الأثر الأكبر لكل ذلك سيكون هبوط معدلات الاستهلاك، وتخلف النمو الاقتصادى وراء متوسط النمو البالغ 3.8% على مدى السنوات العشر الماضية، فضلاً عن ارتفاع التضخم إثر صعود أسعار البترول وضعف العملة. قد نرى تدهور تصنيف تركيا الائتمانى عن المستوى الحالى، وهو فى مؤسسة ستاندرد آند بورز بى بى موجب أى «مستقر»، وفى وكالة موديز للائتمان بى ايه ايه 3 بمعنى أنه «سلبي» وبالنسبة لوكالة فيتش فإن سالب بى بى بى، وهو ما يرمز إلى «مستقر».
أما عن الليرة فإن مرحلة الاضطراب التى تعيشها أخيراً قد تستمر لمدة أطول من المتوقع، فرغم صعودها، الاثنين الماضى، فى أول أيام التداول بعد فشل الانقلاب العسكرى، فإن آخر تعاملاتها يوم الجمعة الماضى شهد هبوطها مقابل الدولار الأمريكى 3.016 ليرة أى أقل بنسبة 4.8% من سعر الإغلاق السابق لها عند على 2.878، وهو أدنى مستوى فى ستة أشهر وأكبر انخفاض منذ عام 2008. لكن متوسط السعر المتوقع خلال الأسابيع المقبلة بحسب مجلة اكونومنيتور 3.10 ليرة للدولار.
وتختلف الأزمة الاقتصادية التى تنتظر تركيا عن باقى الأزمات ضمن تداعيات الانقلاب الفاشل؛ لأن الأضرار متشعبة ومتصلة وآنية أيضاً.
ففى الوقت الذى يحتاج فيه الاقتصاد للاعتماد على التمويل الأجنبى بطريقة أكثر عمقاً، هناك احتياطيات نقدية منخفضة ودين خارجى يرتفع وتقلص المدخرات المحلية، وهو ما يزيد الحاجة الى التمويل الأجنبي.
ونظراً إلى ارتفاع حدة المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، فإن الازمات الاقتصادية تتفاقم خصوصاً فى ظل الخلافات مع روسيا التى أثرت بشدة على التدفقات السياحية وشركات البناء والصادرات الغذائية. كما أن عدم الاستقرار الداخلى يتصاعد منذ انهيار عملية السلام الكردية وتزايد هجمات الدولة الإسلامية والأنشطة المسلحة لحزب العمال الكردستانى وكلاهما يضر أيضاً بالسياحة ويهدد كذلك الصادرات إلى الشرق الأوسط.
وقد تأثرت بالفعل الصادرات التركية بفعل تراجع أسعار البترول والسلع الأخرى بنحو 11 مليار دولار فى عام 2015، حيث إن الطلب على المنتجات والخدمات التركية قد تأثر سلباً فى أكبر مصدرى البترول فى منطقة الخليج. ونتيجة ذلك تراجعت الصادرات فى عام 2015 إلى 143.7 مليار دولار بتراجع 8.7% عن مستويات 2014.
ويتوقع الخبراء تفاقم أزمة تراجع الاستثمار الأجنبى المباشر التى دامت فى الفترة من 2007-2015 حيث هبط الاستثمار الأجنبى المباشر فى تركيا بنسبة 41%؛ بسبب حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم وعمل الحكومة على إضعاف قيمة العملة لزيادة الصادرات. لكن المجلة الاقتصادية أشارت إلى عيب مزمن فى طريقة ادارة الاقتصاد التركى، وهو عدم القدرة على التنبؤ بطريقة منظمة.
وتعتبر العقبة الرئيسة أمام عودة التدفقات القوية للاستثمار الأجنبى هى تباطؤ الاستهلاك وتآكل العائدت خصوصاً مع استمرار حالة عدم اليقين السياسى أهم رادع لتدفق الاستثمار الأجنبى المباشر بعد محاولة الجيش التركى الفاشلة الاستيلاء على السلطة.
على جانب آخر، تعد أسواق الأسهم من أكبر الجهات المعرضة للخطر من الأداء السلبى فى عام 2016، رغم أن إسطنبول منذ بداية العام الجارى وحتى الآن، كانت ثانى أفضل بورصة من حيث الأداء فى أوروبا الشرقية بمتوسط عائد 15.47% يتفوق عليها فقط بورصة كازاخستان حيث حققت متوسط عائدات 19.8%. وكان هذا الأداء يرجع إلى النمو الاقتصادى الأفضل مما كان متوقعاً، عند 4.8% فى الربع الأول مدعوماً بنمو الاستهلاك الخاص لكنه خسر 20% فى الربع الثانى وعلى مقربة من المنطقة الحمراء بنهاية 2016.
كما يتوقع المراقبون أن تسجل أسواق السندات ارتفاعاً فى العوائد مع هبوط تدفقات رأس المال، وهو ما يؤدى إلى خفض أسعار السندات المتاحة فى السوق، وعادة ما يتبع زيادة العائدات صعود أسعار الفائدة فى السوق بسبب الضغوط على البنك المركزى التركى، وتحديداً عندما تكون هناك حاجة لخفض أسعار الفائدة وزيادة السيولة فى الأسواق.
أما عن البترول فإن تركيا تملك موقعاً استراتيجياً على طرق تجارة مواد الطاقة وبين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وروسيا والأسواق الأوروبية ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار. لكن الحد الأقصى للارتفاع يتوقف على حدوث مزيد من عدم الاستقرار السياسى من عدمه، وحدوث إلغاء محتمل للاستثمار الأجنبى فى قطاع الطاقة.
وانتقلت مجلة اكونومونيتور إلى الحديث عن القطاع المصرفى فمن المرجح أن يشهد مزيداً من التراجع فى الربحية، حيث تشير قراءة التوقعات المستقبلية أن السيولة المالية سوف تكون التحدى الأبرز خلال الفترة المقبلة.
ومع الساعات الأولى لمحاولة الانقلاب هرع الآلاف من المواطنين لسحب أموال من الصراف الآلى، ومع استئناف البنوك لعملها ضخ البنك المركزى مزيداً من السيولة لطمأنة الأسواق، لكن الأزمة المستمرة مع الوقت هى انخفاض الربحية فى الفترة من 2007-2015 والتى تقاس بالعائد على حقوق المساهمين، حيث هبطت بنسبة 54.4% من 24.8% فى ديسمبر 2007 لتصل الى 11.3 فى ديسمبر عام 2015.
ويعانى الاقتصاد التركى أصلاً تراجع ما يعرف بجودة الأصول وسط إطار قانونى يفتقد لطرق معالجة حالات الإفلاس وضمانات الحقوق الشخصية فى وقت يتوقع الخبراء ارتفاع القروض المتعثرة عما هى عليه حالياً، فاعتباراً من شهر ديسمبر عام 2015 بلغت القروض المتعثرة نسبة إلى حجم القطاع المصرفى 3.1% بزيادة 0.3% على 2015، لكنها تعتبر نسبة منخفضة إلى حد ما لكنها تبقى مرشحة للصعود فى ظل الأزمات المتلاحقة.
تجدر الإشارة، أيضاً، إلى أن هذه النسبة قد تكون خادعة؛ نظراً إلى عدم وجود قانون للإفلاس الشخصى، ما يجعها مسجلة كديون فى دفاتر البنوك دون الإشارة إلى تعثر أفرادها.
وعادة ما يسيطر الحذر على أداء البنوك فى فترات عدم اليقين السياسى وهو ما يؤكد توقعات تباطؤ نمو القروض الجديدة رغم تأكيد الخبراء متانة استقرار الإقراض فى القطاع المصرفى التركي.
ويعزو الخبراء هذا الحذر نتيحة تراجع الودائع، وبالتالى نقص السيولة المتاحة فى القطاع.
وبحسب الإحصاءات المسجلة بالدولار، فإن الفترة 2007-2015، شهدت ارتفاع الودائع بنسبة 12% أو 25% بالليرة، لكن هذا النمو سينخفض فى عام 2016؛ نظراً إلى ارتفاع نسبة المحافظ المقومة بالدولار الذى سيسجل صعوداً فى سعر الصرف خلال الفترة المقبلة.
وتعتبر المنطقة الحرجة فى قلب القطاع المصرفى هى ارتفاع تكاليف الائتمان فاستراتيجياً تحتاج القطاعات ذات الصلة أو الأكثر تضرراً مثل الفنادق والسياحة إلى تراجع هذه الكلفة، ولو عن طريق ميزات تفضيلية تقرها الحكومة.
وتتعرض البنوك التركية إلى مزيد من الضغوط فى 2016، حيث من المقرر أن يؤدى تطبيق القواعد الإضافية وفق اتفاقية بازل 3 لزيادة احتياطات رأس المال، وزيادة الحد الأدنى لحساب المخاطر، فضلاً عن تراجع قيمة العملة المحلية، ما يؤدى لتآكل نسب كفاية رأس المال (حجم رأسمال البنك إلى المخاطر المحتملة).
وفى وقت الأزمات من الضرورى للحكومة المركزية، أن تعمل على ضخ الأموال على المستوى المحلى، لكنه أمر مكلف للغاية، فاعتباراً من 16 يوليو 2016، كان معدل الفائدة فى تركيا 7.50%، مقارنة بصفر % فى منطقة اليورو 0.25- 0.50% فى الولايات المتحدة. كما أن زيادة رأس المال عن طريق مصادر أجنبية ستظل صعبة مع تراجع سعر صرف الليرة التركية.
ويحتاج القطاع المصرفى التركى إصلاحات سريعة لتعزيز الربحية، فإذا قامت الحكومة فى أنقرة بعمل التحسينات المطلوبة، فيمكن للمصارف جذب الاستثمار الأجنبى المباشر. ويحتاج المستثمرون إلى الاستقرار فى سعر الصرف، وحماية رأس المال وخلق بيئة قانونية موحدة واضحة لحالات الإفلاس والضمانات الشخصية.
وللمضى قدماً يجب أن يكون الاستقرار هو الأولوية القصوى فى تركيا، وفى أسرع وقت ممكن. ففى الماضى وعلى الرغم من الرياح المعاكسة من الناحية السياسية أثبتت حكومة العدالة والتنمية تمتعها بمرونة كبيرة، ولكن الاقتصاد يحتاج إلى تدفقات رؤوس الأموال من الخارج، ويحتاج لطمأنة المستثمرين الأجانب، وإلا فإنهم قد ينسحبون مع عواقب وخيمة جداً على النمو الاقتصادي.