بقلم: جودرن براون
رئيس وزراء سابق لبريطانيا
حظيت بريطانيا برئيس وزارء جديد الأسبوع الماضى، ولكن مستقبل الدولة بعد انفصالها عن الاتحاد الأوروبى لا يزال مجهولا إلى حد كبير، ومن المرجح تأجيل تنفيذ قرار الناخبين بالخروج.
وأول هذه المجهولات هو تاريخ بدء مفاوضات الخروج، ومن المفترض أن تنتهى عملية الانفصال خلال عامين من تطبيق أحكام المادة 50 من معاهدة لشبونة، ولكن رئيس الوزارء الجديد، تيريزا ماى، قالت: إنها لا تريد تحريك المفاوضات حتى نهاية العام الجاري.
وثانى هذه المجهولات، هل ستتمكن المفاوضات من معالجة شروط خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، وتنظيم التجارة المستقبلية بين الدولة والسوق الأوروبى الموحد؟، ورغم أن بريطانيا ستدعى أنه بموجب المادة 50 يتعين على المتفاوضين الأخذ فى الاعتبار إطار العلاقات المستقبلية، سوف يصر مفاوض التجارة الأوروبى على مناقشة الترتيبات المستقبلية إلى ما بعد المغادرة.
ويتعلق المجهول الثالث بأهداف التفاوض البريطانية، وهل ستسعى لكسب وصول كامل للسوق الموحدة (الخيار النرويجى) أم إلى جزء منه (الخيار السويدى)؟ ام ستلجأ إلى خيار التعريفة المنخفضة الكندية، أم ستتاجر مع أوروبا وفقا لنفس الشروط التى تلتزم بها الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية؟
وينبع المجهول الرابع من مخاوف الناخبين بشأن الهجرة الوافدة، وإلى أى مدى ستكون ترتيبات التجارة الجديدة متوقفة على تقييد الحركة الحرة للعمالة، ورفضت رئيس الوزراء الجديدة أى مشاركة فى السوق الموحدة دون اتفاق بشأن إدارة الهجرة.
والأمر المجهول الخامس هو الموقف التفاوضى للاتحاد الأوروبى نفسه، بدءا ممن سيقود التفاوض المفوضية الأوروبية أم مجلس الوزراء، وأوضحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أنها لن تمنح المفوضية الضوء الأخضر للتفاوض بالنيابة عن ألمانيا، وينبع من داخل هذا السؤال تساؤل آخر، هل ستتفق أوروبا على موقفها التفاوضى النهائى قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية فى الربيع المقبل، والانتخابات العامة الألمانية التى سوف نجرى الخريف القادم.
والمجهول السادس هو الظروف الاقتصادية التى ستتم فى ظلها المفاوضات، ويبدو أن بريطانيا تنزلق نحو الركود حيث تضع الشركات خططها الاستثمارية قيد الانتظار، وبالتالى سيزداد ضغطها على الحكومة للتتحرك بشكل أسرع، خاصة أن الانتظار سوف يؤدى لتآكل الثقة، وبالتالى يضعف موقف بريطانيا التفاوضى.
وهناك أيضا مجهول سابع، وهو هل سوف تتمكن بريطانيا من النجاة، ومنذ قرنين عرف عن اللورد نوث بأنه ضيع الاتحاد البريطانى مع أمريكى، أما رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، فسوف يذكر التاريخ له أنه فقد اتحادين الأول مع أوروبا والثانى مع اسكتلندا.
وهناك طريقة لتقليل عدم اليقين والمخاطر، وهى أن تعلن الحكومة سريعا أنها ستتفاوض مع الاتحاد الأوروبى على أساس الخيار النرويجى للعضوية فى السوق الأوروبى الموحد، كما ينبغى أن توضح أن حاملى جنسيات الدول الأعضاء فى الاتحاد مرحبا بهم للبقاء فى الدولة.
وهذه الطريقة سوف تمنح الشركات البريطانية ما تريده، وهو الوصول إلى السوق الموحد، وبالتالى سيظل على بريطانيا المساهمة فى ميزانية الاتحاد الأوروبي، مع الاحتفاظ بحق وضع سياسات الزراعة والثروة السمكية والتفاوض على الاتفاقات التجارية الخاصة بها مع الصين والهند على سبيل المثال، كما أن الانضمام للسوق الموحد يتميز باتاحة المجال أمام اسكتلندا للتجارة مع الدول الأعضاء فى الاتحاد.
وهناك مجهول ثامن وأخير وربما الأكبر وهو المخاوف بشأن الدور العالمى لبريطانيا مستقبلا، خاصة كيف سوف تستجيب للتحول الذى لا مفر منه لمركز الاقتصاد العالمى نحو آسيا، وللابتكارات التكنولوجية، التى سوف تحدث ثورات فى القطاعات والوظائف.
وأظهرت نتيجة الاستفتاء أن المشاعر المؤيدة لخروج بريطانيا تتركز فى المناطق التى كانت يوما ما مركزا للثورة الصناعية البريطانية، ولكنها تعج الآن بالمصانع والورش المهجورة بسبب المنافسة الآسيوية، وهذه المناطق تمردت على نصيحة النخبة السياسية والتجارية للتصويت بالبقاء، بل وطالبت بالحماية من تقلبات التغير العالمى.
وبالتالى تحتاج بريطانيا الآن مناقشة أكثر شمولية لكيفية مواكبتها لتحديات التغير العالمى وكيف ستعمل مع المجتمع الدولى لتحقيق ذلك، وقد يتطلب هذا تنسيق السياسات النقدية والمالية عبر دول مجموعة العشرين، وبذل اقصى الجهود لتوسيع التجارة العالمية، والتركيز على العلوم والتكنولوجيا والابتكارات التى هى مفتاح النمو المستقبلى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت