بقلم: كاليستوس جوما
شعر العالم بأكمله بالصدمة من قرار الناخبين فى المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبى. ولم تكن أفريقيا استثناء، خاصة بالنظر إلى علاقاتها التاريخية الوثيقة مع كثير من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.
وسارع الخبراء والمسئولون الأفارقة، إلى التعبير عن مخاوفهم من سحابة عدم اليقين الاقتصادى، واحتمالات وقوع كارثة فى المستقبل القريب.
وربما كانت نامبيا، الدولة الأفريقية الوحيدة التى قللت من شأن تداعيات خروج بريطانيا، ربما لأن صادراتها إلى الاتحاد الأوروبى تراجعت كثيرا فى السنوات الأخيرة، ولكن باقى أفريقيا محقة فى أخذ الأمر على محمل الجد، على الأقل فيما يتعلق بالمستقبل قريب الأجل.
ومع ذلك، ومن المنظور بعيد الأجل، ينبغى أن تكون إفريقيا متفائلة. وتعكس معظم المخاوف من مرحلة ما بعد خروج بريطانيا، الأفكار التقليدية التى تتجاهل الأهداف الاقتصادية لكلً من الدول الأفريقية وبريطانيا. وتفترض التحذيرات الرهيبة بشأن وضع أفريقيا كمصدر للمواد الخام إلى بريطانيا وأوروبا، أن مجالات التعاون بين القارتين ستظل مقتصرة على تجارة السلع.
ولكن تطمح أفريقيا إلى أكثر من ذلك بكثير.
فبينما تستمر الشعوب الأفريقية الشابة فى النضوج، ستدفع تجاه مزيد من الابتكار، والاعتماد الأقل على صادرات السلع.
وفى الواقع، تستهدف أجندة أفريقيا لعام 2035، والتى تبناها الاتحاد الأفريقى عام 2013، تأسيس قارة مكونة من مجموعة«اقتصادات التعلم»، أى الاقتصادات المتنوعة، القائمة على التعليم والابتكار، وذات دور أكبر فى سلاسل الإنتاج العالمية من مجرد استخراج المواد الخام.
وفى عام 2014، تبنى الاتحاد الأفريقى استراتيجية العلوم والتكنولوجيا والتطوير لأفريقيا «STISA» ـ وهى خارطة طريق للكيانات الحاكمة الوطنية والإقليمية لزيادة استثماراتها فى البحث، والبنية التحتية، والتعليم، والشروط الضرورية الأخرى للابتكار التكنولوجى وريادة الأعمال، وبخلاف هذه الاستثمارات، تضع الخطة إطارا للتعاون بين أفريقيا وجيرانها الشماليين.
وتضع خارطة «STISA» التعاون العلمى فوق السياسات الوطنية. ورغم أن التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى ينظر إليه عموما بانه عرَض على زيادة الحس القومى فى بريطانيا، فإنه لا يعنى أن المملكة المتحدة ستتوقف عن النظر للعلوم والتكنولوجيا على أنها محركات النمو الاقتصادى.
وفى الواقع، تكاتف العلماء فى بريطانيا بالفعل للمطالبة بعدم المساس بالتمويل الأوروبى للبحث فى المؤسسات البريطانية فى أى مفاوضات لخروج بريطانيا. وأيا كانت نتيجة تلك المفاوضات، فإن الاحتمالات لا تزال قوية بالنسبة لأفريقيا للدخول فى شراكات مستقبلية مع بريطانيا والاتحاد الأوروبى لتعزيز أجندة الابتكار.
وفى المستقبل، على ما آمل، ستشكل القضايا القومية والإقليمية أهمية أقل بالنسبة للابتكار. ولكن حاليا، قد تؤدى المنافسة الجديدة بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى وبريطانيا إلى المزيد من الاستثمارات فى العلوم والتكنولوجيا داخل هذه الدول، وهذا سوف يحدث فى مراكز الابتكار المعروفة أى فى المدن ذات الجامعات التى تجرى أبحاثا، ولديها قطاعات تكنولوجية وعلمية، وعقبات أقل أمام رواد الأعمال.
ومثل «سيليكون فاللى»، ستكون هذه المراكز مثل أنظمة بيئية مناطقية ذات حضور عالمى. وبناء على ذلك، فسواء جاءت الابتكارات من بريطانيا أو الاتحاد الأوروبى أو غيرهم، ستكون هناك فرص فى السوق العالمى بالنسبة للدول الأفريقية التى استعدت لهم.
وهذا الاستعداد سيتطلب تغييرا فى الدبلوماسية الاقتصادية فى أفريقيا. وعدلت بالفعل رواندا، وأثيوبيا، وكينيا سياساتها الخارجية، خصوصا فى مجال اختيار السفراء وتحديد أماكن عملهم من أجل التركيز على القضايا الاقتصادية والتجارية العالمية.
وعلاوة على ذلك، سيتحسن وضع أفريقيا على الساحة الاقتصادية العالمية بشكل كبير بعد الانتهاء من مفاوضات منطقة التجارة الحرة القارية فى 2017.
وهذه المنطقة ستشكل سوقا يحوى أكثر من مليار شخص بناتج محلى إجمالى أولى يزيد على 3 تريليونات دولار.
كما أن هذه المنطقة من شأنها إزالة العوائق التجارية وتعزيز الاستثمار فى البنية التحتية حتى تصبح الدول الأفريقية لديها المقدرة الصناعية اللازمة للمنافسة عالميا، وبشكل عام، منطقة التجارة الحرة القارية تعد فرصة كبيرة لأفريقيا لإعادة تشكيل علاقاتها مع بريطانيا وباقى العالم.
وتفتقر التوقعات المتشائمة لاقتصادات أفريقيا القائمة على الصادرات بعد خروج بريطانيا، لحقيقة مهمة، وهى أن هذه الاقتصادات ستكون قريبا أقل اعتمادا على صادرات السلع.
وعندما تؤخذ إمكانات أفريقيا فى ريادة الأعمال والابتكار فى الاعتبار، سيشير المنظور طويل الأجل إلى مستقبل أكثر إشراقا بكثير.
إعداد/ رحمة عبدالعزيز
المصدر/ موقع بروجكت سينديكيت