قالت وكالة «بلومبرج»: إن الوصف الأفضل للاقتصاد العالمى حاليا هو الاقتصاد المتباطئ للغاية. فالعالم نجح نوعا ما فى الخروج من الصعوبات التى واجهته ولكنه لم يحقق نموا سريعا.
وبدعم من تخمة السيولة التى وفرتها البنوك المركزية، تجنب العالم العديد من المخاطر، ونما بوتيرة ثابتة غير مدهشة منذ عام 2010.
ومن المتوقع أن ينمو بنفس الوتيرة خلال العام المقبل، أى ينمو نموا بطيئا ولكن دون أن يتراجع، جراء تصويت المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبى.
قال ديفيد هينسلى مدير قسم الاقتصادات العالمية لدى «جى بى مورجان»: «ربما يتراجع النمو العالمى بنسبة 0.25% نتيجة خروج بريطانيا، مما سيجعل النمو العالمى عالقا فى مستوى 2% أو 3%، التى سجلها الاقتصاد العالمى فى السنوات الأخيرة».
ونظرا لأن هذا النمو البطىء جاء بعد أعمق ركود شهده الاقتصاد بعد الركود العظيم، فقد فشل فى تهدئة قلق المستثمرين والشركات، التى تضررت بشدة خلال الأزمة، مما دفعها للحد من الإنفاق، الأمر الذى أعاق بدوره قوة الحركة الصاعدة للنمو.
ولم يجد وزراء التجارة فى مجموعة العشرين الذين اجتمعوا أوائل الشهر الحالى ما يدعو للتفاؤل، إذ قال وزير التجارة الصينى إن الاستثمار العالمى عبر الحدود قد يتراجع بنحو 15% العام الحالى نظرا لأن حركة التجارة لا تزال راكدة.
وقال بيتر هوبر، كبير خبراء الاقتصاد لدى «دويتشه بنك»: «لقد كان توسعا مخيبا للآمال، فلم يكن كافيا للحد من البطالة، ولا سيما فى الولايات المتحدة».
والسؤال هنا هو: «إلى أى مدى سيستمر هذا الوضع الراهن من النمو الضعيف؟».
فالبنوك المركزية دفعت بالفعل سياساتها النقدية إلى حدها الأقصى، إذ خفضت أسعار الفائدة إلى ما دون 0% فى بعض الدول، وقامت بشراء كمية كبيرة من السندات الحكومية.
والضغوط الشعبوية التى تغذيها مستويات المعيشة الراكدة آخذة فى التصاعد، وأدت إلى تصويت بريطانيا على ترك الاتحاد الأوروبى يوم 23 يونيو الماضى، وصعود دونالد ترامب وبيرنى ساندرز على غير المتوقع كمرشحين للرئاسة الأمريكية.
وتبدو الأسواق المالية مضطربة من انخفاض عائدات السندات، الذى يشير إلى القلق المتنامى بين المستثمرين بشأن التوقعات، فى حين أن انتعاش أسعار الأسهم يشير إلى غياب بعض القلق.
ورغم الصعود والهبوط الذى شهده الاقتصاد الأمريكى، نما الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 2.1% فى المتوسط سنويا منذ الركود الذى انتهى فى عام 2009، مما صنف هذا التوسع كأبطأ وتيرة نمو فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ويعد وضع المستهلكين، حجر الأساس بالنسبة للاقتصاد الأمريكى، جيدا جدا، مع اقتراب صافى دخل الأسرة من أعلى مستوياتها عند مقارنته بالدخل الشخصى المتاح.
وتعد القاعدة الرأسمالية للبنوك الأمريكية قوية وقادرة على مواجهة أى انكماش حاد فى الاقتصاد، وذلك وفقا لاختبارات الضغط التى أصدرها بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى الشهر الماضى.
وتعد رئيس الاحتياطى الفيدرالى جانيت يلين، وزملاؤها عالقين بين رغبة إعادة السياسة النقدية إلى طبيعتها فى ظل تعافى الاقتصاد، والقلق من أن تلك الخطوة قد تحد من التوسع الاقتصادى من خلال ارتفاع قيمة الدولار.
وبعد رفع أسعار الفائدة نهاية العام الماضى لأول مرة منذ عام 2006، أجل البنك المركزى خطته لرفع أسعار الفائدة مرة أخرى مرارا وتكرارا، ويبدو الآن أنه لن يتخذ تلك الخطوة حتى شهر ديسمبر، وفقا لبنك «مورجان ستانلى».
وأحد أسباب تردد «الاحتياطى الفيدرالى» هو الخطر من أن ضعف أرباح الشركات سيدفع الشركات إلى كبح جماح الاستثمار والتوظيف، مما سيؤدى بدوره إلى تباطؤ النمو.
وقال الخبراء الاقتصاديون فى بنك «جولدمان ساكس»: إنه من المرجح أن يتراجع الاقتصاد البريطانى أوائل العام المقبل كنتيجة لتداعيات الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبى فى جميع أنحاء البلاد.
وستضرر، ايضا، باقى دول أوروبا من تداعيات استفتاء بريطانيا، ولكنها ستستمر فى النمو، وخفض صندوق النقد الدولى توقعاته لنمو منطقة اليورو لعام 2017 من 1.6% إلى 1.4%.
وبخلاف الولايات المتحدة، فإن أوروبا لا تزال مثقلة بالقروض المعدومة ومستويات البطالة المرتفعة التى تعيق النمو، وهو ما عوضه السياسة التحفيزية، التى تبناها البنك المركزى الأوروبى، التى قال صندوق النقد الدولى: إنه ينبغى توسيعها ما لم ترتفع معدلات التضخم.
ويتضح النمو البطىء فى آسيا أيضا التى على الرغم من أنها لا تزال المنطقة الأسرع نموا فى العالم، فإن ضعف الطلب على صادراتها، وانخفاض أسعار السلع، وتباطؤ الصين دفعوا الناتج نحو التراجع.
وقال أيدان ياو، كبير خبراء الاقتصاد لدى «أكسا» لإدارة الاستثمارات: «يبدو أن آسيا بأسرها عالقة فى نموذج النمو البطىء للغاية».
ويعزى جزء كبير من هذا التباطؤ إلى الصين، إذ ناضلت أسعار الفائدة المنخفضة والحوافز المالية الضخمة حتى الآن فى كسب القوة الدافعة للنمو.
وفى اليابان، تواجه السلطات تداعيات ارتفاع قيمة الين مقابل الدولار بنحو 20% العام الحالى، مما زاد من الضغوط الواقعة على شركات التصدير فى البلاد.
وتوقع بعض المحللين أن يطلق بنك اليابان المركزى حزمة تحفيزية إضافية فى اجتماعه المقرر عقده يوم 29 يوليو. وتخطط الحكومة أيضا لجولة أخرى من التحفيز المالى.