خطة تأديب بريطانيا تردع دول السوق الموحدة عن تكرار تجربتها
النخبة السياسية تاجرت بكراهيتها للتكتل الموحد لتحقيق مكاسب تافهة
تقول صحيفة الجارديان البريطانية، إنه لا أحد يريد أن يكون الحاقد، ولكن إلحاق الضرر السياسى والاقتصادى ببريطانيا لأقصى حد سيتكفل بإيقاف مشعلى الحرائق الآخرين فى الاتحاد الأوروبى.
ويمكن أن يساعد إعادة اختراع الديمقراطية البريطانية فى التغلب على التهديد البازغ فى المستقبل القريب الذى هو أخطر من خروجها من الاتحاد الأوروبى وهو التوصل لاتفاق تخارج معقول بالنسبة للمملكة المتحدة.
وتشير التقارير الواردة من بروكسل إلى أن البحث جارٍ عن حل وسط يتم بموجبه منح لندن حق استمرار الوصول إلى السوق الموحدة بالإضافة إلى تقديم تنازلات على قواعد حرية التنقل للحد من الهجرة إلى بريطانيا، وهذا سيكون خطئاً فادحاً لأن خروجها من هذا المأزق بسهولة سيكون مدمراً بالنسبة للاتحاد الأوروبى.
ويرى يوريس لايوندايك فى مقاله المنشور فى الصحيفة البريطانية العريقة، أن الخطة البديلة يمكن أن يطلق عليه المشروع المؤلم فعندما يبدأ الاتحاد الأوروبى التفاوض على شروط الطلاق من المملكة المتحدة فى المدة المحددة بعامين وفق مادة الانفصال رقم 50 من معاهدة برشلونة فيجب العمل على إلحاق أكبر ضرر سياسى واقتصادى بها.
وتقوم اقتراحات الخطة على سحب الميزات المالية من لندن لجذب شركات آسيا والشركات متعددة الجنسيات الأفريقية والأمريكية الى بلدان أوروبا الأخرى، ويجب تقديم مساعدات سخية للجامعات والشركات لجذب أفضل العقول من منافسيها فى المملكة المتحدة، وعلى سبيل المثال من خلال تقديم جوازات سفر تحمل شعار الاتحاد الأوروبى بأسره.
وهناك العديد من الضربات يمكن للاتحاد الأوروبى، أن يفعلها للتأكد من أن المملكة المتحدة تواجه العشرية السوداء من الركود الاقتصادى والعزلة السياسية، وتعتبر النتيجة المثالية لهذه الخطة ألا يعود اقتصادها إلى حجمه قبل الاستفتاء بحلول عام 2030.
الحجة الأولى للأضرار بالمملكة المتحدة منع أى محاولة خروج متهورة أخرى تقوم على أساس من الأكاذيب، فالأحزاب التى تعانى من فوبيا الوحدة الأوروبية منتشرة فى جميع أنحاء القارة العجوز (خصوصاً مع تصاعد قوة أحزاب اليسار) وهم تواقون لتكرار هذا الإنجاز الذى حققه نظرائهم البريطانيين الذى اعتمد على التشويه وأنصاف الحقائق والعنصرية والأوهام للخداع فى طريقهم إلى هذا النصر.
ويعتقد هؤلاء، أن هناك مفاضلة واضحة بين السيادة الوطنية والازدهار الاقتصادى على أساس أن كل مفهوم أقل أهمية من الآخر فى محاولة لتأطير معضلة التعاون الأوروبى فى هذه المقارنة لتحقيق الفوز حتى أنها تلجا للكذب والخداع والتحريض، لكن أفضل طريقة لثقب هذه الخرافات بخلاف الإشارة إلى الكارثة الاقتصادية هو جعلها تتحقق فى بريطانيا.
كما هو الحال مع جميع حالات الطلاق يحدث التعاطف مع الشريك الأكثر تضرراً ويتطور إلى الشعور بالذنب أحياناً لكن هذه المشاعر سوف تتبدد عندما يواجه الأوروبيون فى النهاية حقيقة العلاقة السياسية المسيئة خصوصاً فى العقد الماضى.
فطوال السنوات المنقضية كان الاتحاد الأوروبى يتحلى بالصبر بينما الحكومة البريطانية لم تفوت فرصة لتقويض أو الحط من قدر وابتزاز الدول الأعضاء حتى وصل الأمر إلى العمل بنشاط على تخريب السياسة الأوروبية.
وظلت المملكة المتحدة بإلحاح أكثر من أى طرف آخر تنتقد الاتحاد الأوروبى لكونه كبير جداً وتعتبره غير عملى فخرج رئيس الحكومة الأسبق ديفيد كاميرون من التحالف مع حزب أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية فى البرلمان الأوروبى لينضم إلى فريق مختلط من الأحزاب الهامشية التى تعانى من فوبيا الاتحاد الأوروبى.
يأتى هذا بأن جزءاً كبيراً من النخبة السياسية البريطانية يستغل الاتحاد الأوروبى لتحقيق أهداف تافهة خاصة به وكأنه فى مباراة كرة قدم وبطريقة غير مسئولة.
وعندما كانت منطقة اليورو معلقة بخيط رفيع وأوشكت على السقوط، قال جورج أوزبورن وزير المالية، إنه من الضرورى أن يعلن للعالم أنه لا يوجد بلد أفضل استعداداً لخروج اليونان المتعثر أكثر من بريطانيا، ثم عندما كان هناك اتفاق لإنهاء الفوضى فى منطقة العملة الموحدة صوتت المملكة المتحدة ضده.
وأشار تحليل الجارديان إلى أنه أيضاً عندما حاولت فرنسا الحد من عدم المساواة من خلال زيادة الضرائب على الأغنياء، كانت الحكومة البريطانية بشكل رسمى تجهز السجادة الحمراء للمليونيرات من الفرنسيين.
ولا يمكن نسيان الأكوام اليومية للإساءة الى أوروبا فى الصحف البريطانية على مدى العقود الماضية، ثم هناك نايجل فاراج زعيم حزب الاستقلال، الذين يبدو أن لديه حاجة ضروية لإهانة زملائه فى بروكسل.
ووعد كاميرون بإجراء استفتاء لأغراض سياسية أيضاً تخدم حزبه ليعلن عن وضع مصير أوروبا فى صندوق الاقتراع لمجرد إرضاء حزب الديمقراطيين الأحرار بهدف تشكيل حكومة ائتلافية، ولم تكن هناك مصلحة من هذا الاستفتاء سوى رؤية فريقه يفوز بالأغلبية المطلقة فى الانتخابات، مما اضطره للوفاء بوعده.
ولم يكتف بذلك بل ذهب كاميرون إلى بروكسل لابتزاز قادة أوروبا الآخرين لإعطائه تنازلات وإلا فإن سيدعم الفريق المطالب بانسحاب بلاده من الاتحاد الأوروبى.
من جهته نظر بوريس جونسون عمدة لندن الأسبق ووزير الخارجية فى الحكومة الجديدة إلى أن الاستفتاء فرصة لتحقيق حلمه بأن يصبح رئيس الوزراء المقبل، فقط أراد رؤية فوز فريقه أيضاً.
وتقودنا لعبة النخبة البريطانية إلى الحجة الثانية لتبنى مشروع مؤلم فالديمقراطية البريطانية أبدت عورتها منذ حرب العراق حيث تكرر مشهد قيام كبار الساسة باستخدام التلاعب ومخادعة الناس لبيع فكرة ما، مع الاختيال بالعضلات المفتولة وإيهام الأنصار بنتائج لن تتحقق.
فليس هناك أمل فى أن تطهر الديمقراطية البريطانية نفسها حتى تتجسد أمام البريطانيين كارثة الخروج من الاتحاد الأوروبى وذلك عندما تجف منابع التوظيف وتدمر سمعتها بتحويلها لدولة فاشلة.
والواقع أن هذا سيكون وسيلة جيدة لقياس النتائج بعد عقد من الآن إذا كان المشروع المؤلم نجاحاً وأفضل قياس لذلك هو أن تصبح اسماء مايكل جوف (وزير العدل البريطانى فى حكومة كاميرون)، وبوريس جونسون، وأندريا ليدسوم (وزيرة الطاقة السابقة والقيادية بحزب المحافظين) ونايجل فاراج مثيرة للاشمئزاز بنفس الطريقة التى باتت معها اسماء تونى بلير وجورج دبليو بوش مقززة حالياً.
تبدو الدعوة الى تدمير دولة أوروبية من قبل أقرانها رهيبة، ولكن ليس خطأ أوروبا أن المملكة المتحدة صوتت لصالح إسقاط نفسها فى حفرة ضد كتلة الاتحاد التى تمثل 9 أضعاف حجمها.
ومع ذلك، يتعين على الأوروبيين تذكير أنفسهم أن هناك ملايين من البريطانيين فعلوا كل ما فى وسعهم لمنع هذه الكارثة، ومن الأهمية بمكان، أيضاً أن يستمر القادة الأوروبيين خصوصاً ميركل وفرانسوا هولاند رئيس فرنسا فى التأكيد على أن هذه الصفقة المؤلمة لا تهدف إلى عقاب الشعب.
الهدف من مشروع الألم هو حماية الاتحاد الأوروبى من مشعلى الحرائق فى أماكن أخرى والمساعدة فى أن تعيد بريطانيا إنتاج ديمقراطيتها بطريقة جيدة لأن ذلك يعنى أن القصة على الأقل سيكون لها نهاية سعيدة، وبعد سنوات سيتم النظر إلى المشروع المؤلم على أنه كان مشروع حب صعباًَ.