أعتقد أنه لا يجب أن نعول كثيراً على نظرية المؤامرة عند قراءاتنا لملف تخريب مصر الذى نشرته مجلة الإيكونوميست مؤخراً.. فبغض النظر عن نوايا المجلة فى تناولها لهذا الملف والأوضاع الاقتصادية الصعبة فى مصر.. فإن كثيرًا مما جاء بهذا الملف حقيقى بشأن صعوبة الوضع الاقتصادى وانتقادنا للحكومة فى إدارة الملف الاقتصادى وبعض الملفات الأخرى.. وبات هذا الأمر حديثاً يومياً للجميع بدءًا من المواطن البسيط الذى يتناول الوضع الاقتصادى بمعاناته من ارتفاع الأسعار المتوالى وحتى رفع أسعار الكهرباء مؤخراً.. ثم أحاديث النخبة والخبراء ورجال الأعمال حول تأثيرات قانون ضريبة القيمة المضافة والموجات التضخمية التى ستصاحب تطبيق الضريبة.. إلى الحديث عن قرض صندوق النقد وشروطه الصعبة… كل هذه الأحاديث تقول إن الأوضاع الاقتصادية صعبة وإنها لا تدار بشكل جيد، وما كتبته الإيكونوميست يكتبه يومياً كثيرون من النخبة التى تدق أجراس الخطر.. الجميع لا شك يتحدث بوازع وطنى عن ضرورة إيجاد حلول لهذه الأزمات ومجمل كلامهم ما جاء بالإيكونوميست مع التحفظ على عنوان المجلة.. فها هو الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد فى مقاله بالأهرام بالأمس يقول بالنص: «إننا عدنا مرة أخرى لندق أبواب صندوق «النكد» الدولى ونعيد نفس الأسطوانة المشروخة برنامج الإصلاح مصرى مائة بالمائة.. مع علم الجميع بأن ما يقدمه الصندوق لن يشكل الحل الصحيح لأزمة مصر الاقتصادية التى تحتاج إلى قرارات شجاعة تقضى على تجارة السوق السوداء للدولار وتمنع استيراد كل ما يدخل فى نطاق الكماليات والترف وترفع حجم صادرات مصر إلى الخارج بدلاً من الهرع غير المبرر إلى صندوق النقد لنعيد قضية قديماً لم يكتب لها فى السابق أى نجاح».. انتهى كلام مكرم محمد أحمد ليدلى الكاتب الناصرى عبدالله السناوى بدلوه فى جريدة الشروق بالأمس أيضاً تحت عنوان رسائل الإيكونوميست يقول السناوى: «بغض النظر عن أى تحفظات على التسييس الزائد الذى انتهجته المجلة الاقتصادية الأكثر رصانة واحتراماً وتأثيراً عالمياً فى النخب الاقتصادية والمالية فإن مجمل انتقاداتها استندت إلى أساس لا يمكن نفيه، فالأزمة الاقتصادية متفاقمة فى مصر وحكومتها تتطلع لتوقيع عقد قرض مع صندوق النقد الدولى كطوق إنقاذ أخير قبل أى انهيار محتمل».. هذا ما قاله السناوى وحذر من انهيار محتمل وهو قريب فى المعنى لعنوان الإيكونوميست.
وتأكيداً على المصاعب الاقتصادية وأزمة اتخاذ القرار يطالب عبدالفتاح الجبالى، أحد مستشارى الحكومة فى مقال له بالأهرام بالأمس بضرورة إنشاء مجلس اقتصادى استشارى يتبع رئيس الجمهورية ليضمن بهذا القرار المجلس المشاركة الكفء فى صنع السياسة الاقتصادية.
ويطرح د. عبدالمنعم سعيد فى مقاله بـ«الأهرام» -أمس- «أكثر من دستة نصائح اقتصادية» وهذا عنوان مقاله ويعدد فى نصائحه حول الحلول اللازمة الاقتصادية الراهنة ضمن رسالة للسفير محمد أنيس سالم، ومن بين ما جاء بالمقال «أن أحداً لا يتآمر عليك إنهم فقط ينفذون سياستهم الخارجية والاقتصادية بينما الآخرون يهتمون فقط بمصالحهم وسوف يساعدونك أو يقاتلونك إذا كان ذلك يخدم مصالحهم.
ويقول أيضاً إن صندوق النقد هو آخر المصادر الممكنة للاقتراض لقد تم تصميمه بحيث ينقذ الدول التى على وشك الوقوع فى الإفلاس وثمن حزمة الإنقاذ التى يقدمها عادةً ما يكون برنامجاً للتقشف لكى يمكن استرجاع الاستقرار الاقتصادى ويتضمن البرنامج عادةً سياسات سيئة السُمعة.
ويختتم د. عبدالمنعم سعيد مقاله بأن مصر مرت بسهولة من الأزمتين العالميتين الآسيوية 1997 والأزمة العالمية 2008، إلا أنها تمر الآن بأزمتها الخاصة التى جاءت مع تعدد النظم والثورات واختلاط أوراق كثيرة هى الآن فى مفترق طريق تاريخى وفى مفترق الطرق هناك دائماً سكة السلامة وسكة الندامة وسكة الذى يذهب ولا يعود.
ويحذر المستشار عدلى حسين، المحافظ الأسبق فى جريدة الأخبار، عن أن فساد المحليات متواضع عن فساد الاستثمار تأكيداً على أن الفساد مستشر فى قطاعات أخرى وليس بالمحليات فقط.. ويتساءل الدكتور معتز بالله عبدالفتاح فى جريدة الوطن بالأمس هل الرئيس مهتم بالبنيان عن الإنسان.. هذه نماذج تمثل توصيفاً لحال البلد بأن هناك مشاكل موجودة وتتفاقم بسبب عدم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.. فى المقابل هناك معوقات وتحديات لا يجب إنكارها لها تأثيرها على صاحب القرار ما يحدث من تغيرات سياسية وعسكرية بالمنطقة، ولكن هناك دول تعيش ما نعيشه من إرهاب ومتغيرات بالمنطقة إلا أن الرؤى تختلف فى إدارتها للأمور، فلجأت إلى المصارحة بمشاكلها وإعلان رؤيتها للمستقبل، فنحن لسنا أفضل اقتصادياً من السعودية والإمارات اللتين اتخذتا إجراءات وأعلنتا خططاً ورؤى مستقبلية لإصلاح أوضاعهما الاقتصادية ولكنهما لم تلجآ لصندوق النقد فلديهما كفاءات من أبنائهما تستعينان بهم ولديهما مصداقية فى صياغة سياسات ترقى بمستوى بلديهما ومواطنيهما.. ولا أدرى ما الصعوبة فى أن نعترف بمشاكلنا وأن نسعى لحلها ذاتياً أولاً قبل اللجوء للخارج سواء للصندوق أو لطلب مساعدة الأشقاء.. لماذا لا نعترف أننا بأخطائنا صنعنا وطناً من زجاج بات سهلاً قذفه بالانهيار وبالضعف.. هل عقمت مصر عن كفاءات لحل مشاكلها ولماذا المكابرة فى التراجع عن بعض السياسات والخطط والمشروعات التى ليس لها جدوى حالياً ولماذا لا نتشارك نظاماً وحكومة وشعباً ممثلاً فى البرلمان والأحزاب والنخب والكفاءات فى حوار لإيجاد حلول لمشاكلنا.. إننا لا نطالب بوقف قطار المشروعات التنموية ولكن قد يكون من الأفيد أن نحول مسار هذا القطار لمشروعات أخرى قد يكون لها الأولوية الآن.. فالأجيال الحالية تريد أن تعيش حياة كريمة فى الدنيا قبل الآخرة حتى تترك للأجيال القادمة ذكريات جيدة عن أنها عاشت فى زمن جميل فى بلد احترم آدميتهم وحافظ على كرامتهم راعى حقوقهم، ضمن لهم الحريات والحاجات الأساسية.. إذا نحن حققنا ذلك فإننا نبنى مستقبلاً مزدهراً للأجيال القادمة، فالإنسان يجب أن يكون محور التنمية وهدفها.
أيها السادة لا تنشغلوا بمؤامرات الخارج عن الداخل، فالداخل أصعب إذا ما ضاق الحال بالناس.. وصفحات التاريخ تسرد الكثير من المواقف والتجارب لمن أراد أن يغير أو يتغير.