بقلم: ساتياجات داس
اختار صناع السياسة تجاهل قضية الديون الجوهرية، فى الوقت الذى يحاولون فيه إحياء النشاط الاقتصادى.
ومنذ عام 2008، ارتفع إجمالى الديون العامة والخاصة فى الاقتصادات الرئيسية بأكثر من 60 تريليون دولار إلى 200 تريليون دولار، أى حوالى 300% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وهى زيادة نسبتها 20% تقريباً.
وعلى مدار الأعوام الثمانية الماضية، تباطأ نمو الديون ولكنه لايزال أعلى بكثير من معدل النمو الاقتصادى، نظراً لأن معدلات الاقتراض العام العالية لدعم الطلب والنظام المالى خففت تأثير التخفيض المتواضع للديون من قبل الشركات والأسر.
وإذا كان متوسط أسعار الفائدة 2%، فإن وقوف نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى عند 300% يعنى أن الاقتصاد يحتاج إلى أن ينمو بنسبة اسمية عند 6% لتغطية الفائدة.
وتضطرب الأسواق المالية حالياً بسبب المستويات العالية للديون التى تخنق الطلب، فى الوقت الذى تتراجع فيه قدرة الدول والمقترضين مرتفعى المديونية على زيادة الإنفاق، كما ان مدفوعات خدمة الدين تحول الدخل إلى مستثمرين ذوى الميل الأقل للاستهلاك.
ويعد إعادة السياسة النقدية لطبيعتها صعباً، لأن أسعار الفائدة الأعلى ستخلق مشكلات للمقترضين بآجال طويلة، وتصيب حاملى السندات بخسائر، ومن ناحية أخرى يقلل الدين المرونة، مما يجعل الاقتصادات أكثر عرضة للصدمات.
وكان نجاح محاولات زيادة النمو والتضخم لإدارة مستويات الاقتراض محدوداً، ولم يحصل التعافى على دفعة قوية.
ويتأثر النشاط الاقتصادى سلبا بالتباطؤ فى الطلب، والتجارة العالمية، وبالتدفقات الرأسمالية، ومكاسب الإنتاجية الضعيفة، وعدم اليقين السياسى. كما ظل التضخم منخفضاً بسبب تراجع اسعار السلع خاصة الطاقة، والطاقة الإنتاجية الفائضة فى الكثير من القطاعات، وتراجع قيم العملات.
وفى غياب النمو والتضخم، فإن البديل الحقيقى هو شطب الديون أو التعثر، وستضيع المدخرات المصممة لتمويل الاحتياجات المستقبلية، مثل المعاشات، ومطالبة الدول بتغطية هذه الخسائر، وتقليل الإنفاق الاقتصادى تضر أيضاً بالنشاط الاقتصادى.
وعندما يمنى المدخرون بخسائر يتضرر بشدة أيضاً النشاط الاقتصادى، كما يؤدى شطب الديون على نطاق واسع إلى خلق أزمات للبنوك وصناديق التحوط، ثم تضطر البنوك مرة أخرى للتدخل وضخ رأسمال فى البنوك للحفاظ على تكامل النظام المالى.
وفى ظل عدم قدرتهم على تعزيز النمو او التضخم، أو حتى التعثر وإعادة هيكلة الديون، يحاول صناع السياسة تقليل معدلات الاقتراض بسرية، وتعد أسعار الفائدة الرسمية حالياً أقل من معدل التضخم الحقيقى بما لا يسمح للمقترضين مرتفعى المديونية بالمواصلة فى ظل مستويات الديون المرتفعة بشكل غير مستدام.
وفى أوروبا واليابان، يتطلب الانكماش تبنى سياسة أسعار الفائدة السلبية، وما تنطوى عليه مت تخفيض فى القيمة الاسمية للديون.
وفى الواقع، يعد توريق الديون، وأسعار الفائدة السلبية المقموعة بشكل مصطنع، ضريبة على حاملى الأموال والسندات السيادية، لأنها تعيد توزيع الثروة على مر الوقت من المدخرين إلى المقترضين، وطابعى الأموال، مما يغذى عدم الرضا الاجتماعى والسياسى ويعيد للأذهان الكساد الكبير.
ويبدو أن الاقتصاد العالمى حاليا يدور فى حلقة مفرغة من التيسير الكمى حيث يجبر الاقتصاد الضعيف صناع السياسة على تطبيق إجراءات مالية توسعية وتيسير كمى، فإذا استجاب الاقتصاد، وارتفع النشاط الاقتصادى، فستشجع الآثار الجانبية للتيسير الكمى على سحب المحفزات، ولكن أسعار الفائدة المرتفعة ستبطئ الاقتصاد وتشعل أزمات مالية، ما سيطلق جولة جديدة من المحفزات.
أما إذا لم يستجب الاقتصاد، أو وقعت صدمات خارجية، فستكون هناك ضغوط لإدخال مزيد من المحفزات، نظراً لسعى صناع السياسة حينها لاستعادة السيطرة، وخلال ذلك ستواصل مستويات الديون الارتفاع، مما سيجعل الوضع أكثر تعقيداً، كما توضح التجربة اليابانية.
وكتب الاقتصادى لودفيج فون ميزيس، المتشائم بشأن ما تؤول إليه الأمور: «لا يوجد أى وسائل لتجنب انهيار طفرة جلبها التوسع فى الائتمان، ولا يوجد خيارات سوى أن تأتى الأزمة أقرب نتيجة التخلى الطوعى عن المزيد من التوسع فى الاقتراض، أو متأخراً ككارثة نهائية تتضمن نظام العملة».
إعداد – رحمة عبدالعزيز
المصدر صحيفة «فاينانشال تايمز»