قالت وكالة أنباء «بلومبرج» إن الضغوط تتزايد على مصر لخفض قيمة الجنيه لتخفيف أزمة نقص الدولار التى دفعت المسئولين لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، فى الوقت الذى يتم فيه تداول العملة بالقرب من مستوى قياسى منخفض فى السوق السوداء، بجانب أن الاحتياطيات النقدية تكفى لتغطية ثلاثة أشهر فقط من الواردات واتساع العجز فى الحساب الجاري.
وكشفت «بلومبرج» عن السيناريوهات المحتملة للسياسة النقدية لوقف نقص الدولار وزيادة استقرار سعر الصرف.
أولا: تعويم الجنيه
قالت الوكالة إن مصر قد تحذو حذو نيجيريا التى بدأت تخفيض قيمة عملتها بدرجة كبيرة فى يونيو الماضى عندما رضخ صانعو السياسات لضغوط السوق وانتهت سياسة ربط النايرا بالدولار الأمريكي.
وفى الوقت الذى بدأت فيه استراتيجية نيجيريا تؤتى ثمارها لم يسرع المستثمرون الأجانب فى الاستجابة ولا تزال العملة المحلية يتم تداولها بتراجع يبلغ نسبته 20% فى السوق السوداء.
وقالت ريهام الدسوقى، كبيرة الاقتصاديين فى «أرقام كابيتال» فى القاهرة، إن تطبيق مصر مباشرة لاستراتيجية التعويم الحر أمر ممكن لكنه محفوف بالمخاطر.
وأضافت الدسوقي، التى كانت ضمن 6 اقتصاديين قامت الوكالة باستطلاع ارائهم، أن التعويم يتطلب أن يكون لدى الأشخاص ثقة فى النظام حتى يضخوا حيازاتهم من العملة الأجنبية فى القناة السعرية الرسمية.
ثانيا: المعالجة بالصدمة
أوضحت الوكالة أن مصر يمكنها تكرار محاولتها السابقة التى قامت بها فى مارس الماضى لجذب رأس المال الأجنبى عندما خفض البنك المركزى الجنيه بأكبر نسبة منذ 13 عاما، وخفف ضوابط رأس المال، ورفع أسعار الفائدة، وقدم للمشترين الأجانب لأذون الخزانة الحكومية عقود تحوط ضد انخفاض قيمة العملة فى المستقبل.
وفشلت الاستراتيجية فى جذب التدفقات النقدية ولا تزال الحيازات الأجنبية للسندات المحلية قريبة من الصفر مقارنة بنحو 10 مليارات دولار نهاية عام 2010.
وقال جيسون توفي، خبير اقتصادى فى الشرق الاوسط لدى «كابيتال ايكونوميكس» المحدودة فى لندن، إن صناع السياسة ينبغى عليهم قدر الإمكان تطبيق التعويم الكامل.
وأضاف أن أى شىء أقل من ذلك قد لا يكون مرضيا لصندوق النقد الدولي، وبالتأكيد لن يكون مرضيا ايضا للمستثمرين.
وأشارت الدسوقى إلى أن هذه الخطوة يمكن أن تؤتى ثمارها فى هذا الوقت إذا تم تخفيض قيمة العملة بدرجة كبيرة وامتلك البنك المركزى المزيد من الاموال لتغيير النظرة إلى الجنيه.
ثالثا: التعويم المدار
خفضت مصر قيمة عملتها بنحو 25% فى عام 2003 وطبقت التعويم المدار حيث سمح البنك المركزى بتحريك سعر الجنيه ولكنه ضخ باستمرار الدولارات فى النظام المصرفى للحفاظ على بعض السيطرة على قيمته.
وطبقت هذه السياسة لمدة عشر سنوات اجتذبت فيها مصر مليارات الدولارات إلى أسواق الديون والأسهم، ووصلت فيها احتياطيات النقد الأجنبى إلى 36 مليار دولار بحلول نهاية عام 2010.
وتنتظر مصر ثالث أكبر اقتصاد فى افريقيا الموافقة النهائية لقرض صندوق النقد الدولى للمساعدة فى مساندة سعر الصرف.
وقال محمد أبو باشا، اقتصادى يعمل لدى المجموعة المالية «هيرميس» القابضة، إنه من شأن الحزمة التى قد تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار والتى قد تأتى من الصندوق وغيره من المؤسسات الأخرى فى أكتوبر المقبل أن تتيح للبنك المركزى تنفيذ تخفيض قيمة العملة لمرة واحدة قبل السماح لسوق ما بين البنوك فى المساعدة فى ضبط سعر الصرف.
وأوضح هانى جنينة، رئيس قسم الأبحاث فى «بلتون» المالية الذى تنبأ بخفض البنك المركزى قيمة الجنيه فى مارس الماضى: «سيكون لدينا نظام تعويم مدار قبل نهاية العام، وهو ما يعنى أننا سنشهد تقلبات أسبوعية فى الجنيه».
رابعا: تخفيض قيمة العملة تدريجيا
قال آلان كاميرون، اقتصادى لدى «ايكسوتيكس بارتنرز» فى لندن، إنه من المرجح أن تضعف مصر عملتها تدريجيا خلال المستقبل القريب.
وأضاف كاميرون: «ما زال هناك مقاومة فكرية داخل الدوائر السياسة لتحرير واسع النطاق لنظام العملة، خاصة أنه نظرا لاستقرار سعر الصرف على أنه مقياس لاستقرار النظام».
وأوضح كاميرون، أن هذه الاستراتيجية لا تعنى بالضرورة اختفاء السوق السوداء ولكن السؤال الأهم يكمن فى إمكانية تضييق الفجوة إلى مستوى مقبول بحوالى 10% على سبيل المثال.
خامسا: عدم فعل أى شىء
تقول الوكالة إن مصر لديها تاريخ من التراجع عن التغييرات الاقتصادية إذا كانت ستثير رد الفعل الشعبى والذى يعود تاريخه الى عام 1977 عندما ألغت الحكومة الزيادة فى سعر الخبز بعد اندلاع أعمال الشغب.
وفى الوقت نفسه فإن تدفق المساعدات الخليجية رفع بعض توقعات المستثمرين العام الماضى بأن الدولة يمكنها اعتماد سعر صرف أكثر مرونة، ولكن هذا لم يتحقق أبدا.
وتصارع مصر بالفعل واحدة من أعلى معدلات التضخم السنوية فى منطقة الشرق الأوسط والتى بلغت 14% ويدعم البنك المركزى الجنيه لتخفيف الضغط على ما يقرب من 50% من سكان مصر الذين يعيشون تحت أو قرب خط الفقر.
وأكدّ جنينة أن الفشل فى خفض قيمة الجنيه من المرجح أن يعرقل صفقة صندوق النقد الدولى، ويرفع تكلفة سندات اليورو بشدة، ويردع الاستثمارات الأجنبية.
وقال: «الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، وعدم التخفيض سيكون بمثابة تأجيل المحتوم، وبدلا من القيام بذلك مع دعم من تمويل صندوق النقد الدولى، ستضطر الدولة إلى القيام بذلك بدونه».