بقلم: آدم بوسين
وا أسفاه على الأيام الخوالى للتيسير الكمى عندما اتفقت البنوك المركزية على اتخاذ إجراءات لتحفيز النمو الاقتصادي، فقد ولّت هذه الأيام، فى طوكيو، لم يستبعد هاروهيكو كرودا، محافظ بنك اليابان المركزي، تخفيضاً عميقاً لأسعار الفائدة السلبية فى البلاد.
وعلى النقيض، أعلن مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا المركزي، أنه ليس من مؤيدى أسعار الفائدة السلبية. ووصف توماس جوردان، رئيس البنك الوطنى السويسرى «النهج الحالي»، بما فى ذلك أسعار الفائدة، بالإيجابى.
وفى الوقت ذاته، قالت جانيت يلين، رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالي، فى خطابها أمام الكونجرس، إن أسعار الفائدة السلبية، هى الملاذ الأخير للولايات المتحدة.
وتعد تلك الضجة المبالغ فيها مجرد أداة سياسية، تعكس دراما الانقسام بين البنوك المركزية التى ارتكبت خطأين أديا إلى تشوية سياسة التيسير الكمى باعتبارها «غير تقليدية» وخطيرة كما كانوا يرونها، فى حين أنها نجحت على نحو كبير كما هو متوقع فى الحد من الفارق فى أسعار الفائدة، والحث على شراء الأصول عالية الخطورة وضبط العملة، وسوف تعمل على تثبيت سياسة أسعار الفائدة السلبية، ورغم أنها لا يمكن تطبيقها عالميا، فإنها أثبتت تأثيرها المفيد.
الخطأ الأول هو الاعتقاد بأن أغلبية القرارات المالية ستستجيب إلى حد كبير لأى تحولات فى تكاليف الاقتراض الحكومي، وفى الأيام التى سبقت الأزمة، زعم صانعو السياسة أن خفض أسعار الفائدة على المدى القصير كان كافياً للتأثير على جميع القرارات المالية المهمة.
وكان هذا الاعتقاد قائماً على عقدين من تجربة الولايات المتحدة غير النمطية، ولا تزال الاقتصادات الأخرى فى حاجة إلى المزيد من أدوات السياسة النقدية، كما فعلت أمريكا منذ بداية الأزمة، وغياب العلاقة المستقرة بين نمو الائتمان وأسعار الفائدة، جنباً إلى جنب تاريخ البنوك المركزية، كانا كفيلين بأن يجعلا صانعى السياسة والمستثمرين يدركون أن أسواق السندات الحكومية ليست هى الاستثمار الوحيد فى الأسواق المالية.
وللأسف، لا يزال وضع أى اعتبار لمثل هذه الاختلافات الهيكلية غائباً عن المخاوف المبالغ فيها حيال أسعار الفائدة السلبية، وهناك حقيقة بسيطة أخرى يتجاهلها كثيرون، وهى أن فى الاقتصادات الكبيرة مثل ألمانيا وإيطاليا، يحتفظ نسبة كبيرة من المدخرين بأصولهم فى الودائع البنكية ويحصل العديد من الشركات على تمويل من البنوك، ستكون أقل استفادة من أسعار الفائدة السلبية.
وعلى النقيض، فى اقتصادات مثل الولايات المتحدة وأستراليا، حيث يكون تمويل المدخرين والشركات أكثر مرونة، سيخرج المقترضون من البنوك ويتجهون إلى أشكال أخرى من الادخار والتمويل.
الخطأ الثانى هو تجاهل السياق السياسي، فأينما تكون المؤسسات، تكون هناك مصالح سياسية، ومناقشات أسعار الفائدة السلبية لا تضع هذا الأمر فى الاعتبار، فالتصريحات الرسمية، بالطبع، تكون منحصرة فى الإطار الذى يمكن أن تعترف به السياسة، ومثل هذا التقييد يحد من النقاشات ويؤدى إلى خاطأ فى السياسة النقدية.
فى الاقتصادات التى يعتمد فيها المدخرون على النظام المصرفى التقليدي، يكون رد الفعل السياسى على أسعار الفائدة السلبية أكبر، بينما فى الاقتصادات غير التقليدية فإن خيارات أكثر، حيث يميل المدخرون إلى تنويع أصولهم وبالتالى تكون مقاومة أسعار الفائدة أقل.
وإذا تفاعلت السياسة النقدية مع مثل هذه المسائل، فسوف تعكس الضغوط السياسية، ما يفسح المجال أمام اتخاذ تدابير لحماية البنوك والمدخرين من أسعار الفائدة السلبية، ولكن إذا قامت البنوك المركزية بحماية المدخرين من تداعيات الفائدة السلبية، فلن يكون أمامها حافز لتحويل النقدية من البنوك، والتأثير العام للسياسة النقدية سيكون ضئيلاً جداً.
لذلك، فلا ينبغى أن يُصاب أحد بالدهشة من أن سويسرا أمامها مجال أوسع للاستمرار فى السياسة النقدية عن اليابان أو ألمانيا أو إيطاليا، حيث تهيمن السياسة على النظام المصرفى التقليدي، ويكون التمويل وخيارات الادخار محدودة على نحو أكبر، وأقل عرضة لخروج المدخرين المتذمرين إلى أسواق المال العالمية، ولذلك من المتوقع أن تكون أسعار الفائدة السلبية أقل فاعلية فى مثل هذه الاقتصادات.
ومع اتخاذ تلك العوامل المتجاهلة فى الاعتبار، وعلى بنك إنجلترا المركزى والاحتياطى الفيدرالى أن يكونا أقل تردداً، حتى يصبح أمام الأسر المزيد من الخيارات، وأن يبدوا المزيد من المرونة حيال مدخراتهم أكثر من الأسر فى اليابان أو منطقة اليورو، وأسعار الفائدة السلبية ما هى إلا مجرد أداة سياسة نقدية جيدة فى بعض الأحيان وسيئة فى البعض الآخر.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز