شهدت مصر خلال عامى 2015 و2016 أكبر عمليات استحواذ فى تاريخ صناعة الصحة، خاصة فى قطاع المستشفيات، بظهور شركة عملاقة وهى كليوباترا القابضة (كليوباترا والنيل بدراوى والقاهرة التخصصى والشروق)، وشركة ألميدا (مستشفيات السلام الدولى ومستشفيات دار الفؤاد).
كثير من الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع يجب أن نجد لها إجابات واضحة، فى مقدمتها: هل هذا هو الوقت المناسب لعمليات الاندماج والاستحواذ؟ وكيف يمكنك تحضير نفسك لهذ الإجراء؟ ومتى تقول نعم أو لا لهذا النوع من الصفقات؟.
دعونا نتفق أولاً، أن أصعب أنواع النمو، هو النمو العضوى (organic growth)، وهو بالتأكيد الأفضل ولكنه يحتاج الى وقت طويل جدا،ً والذى قد لا يسعفك فى خضم التنافسية الصعبة التى نشهدها جميعاً، بينما النمو من خلال الأندماج والاستحواذ هو أسرع وأقوى أداة يمكن للشركة استخدامها لتغيير اللعبة التنافسية لصالحها.
وللأسف السوق المصرى وبالذات قطاع المستشفيات (كجزء من صناعة الصحة) فقير المعرفة والخبرة فى مجال الاستحواذ والاندماج، ناهيك عن الثقافة المتوارثة القائمة على تشجيع العمل الفردى والأسرى.
أعتقد وأؤمن بأن هذا الوقت هو أنسب الأوقات لإتمام صفقات الاندماجات والاستحواذات “M&A” للأسباب الأربعة التالية:
أولاً: السوق المصرى مكون من عدد كبير من المستشفيات المتفاوتة فى الحجم والاستثمار، والخالية من السياسات والإجراءات المحددة، أى خالية من ثقافة محددة، وخالية من هوية واضحة (سيتضح المعنى لاحقاً)، لأن «اندماج النظراء» مشروع فاشل وسيؤدى الى واقع فوضوى.
الاندماج بين طرفين متكافئين لهما ثقافة داخلية “internal culture” يعتزان بها، له مخاطرة كبيرة بسبب بسيط وواضح وهو من سيتنازل لصالح الآخر، وهنا تكمن الفرصة، فرصة تحقيق الاندماج والاستحواذ، بسبب عدم اكتمال نمو الشركات نمواً كاملاً فمعظم تلك المؤسسات مازالت فى مرحلة النمو، من خلال الإبداع، ومازال الرعيل الأول هو من يديرها ولهذا سيسهل تحقيق الاندماج وفق ثقافة جديدة على كل المندمجين، ولن تفرض ثقافة أعلى، بل ستفرض ثقافة جديدة لا يعرفها أى من الشركاء المندمجين.
ثانياً: المصلحة الاستراتيجية، حدث ويحدث تغيير هائل بقطاع المستشفيات بمصر تحديدا، فدخول بعض اللاعبين (مجموعة أبراج وألميدا والسعودى الالمانى واندلسية) الكبار بهذا السوق، سيجعل الجميع يفكر وبعمق عن شكل السوق المصرى خلال الـ 5 سنوات القادمة.
ولهذا أعتقد، أن التفكير الاستراتيجى سيدفع باقى الشركات (المتفرجين) للتفكير فى عروض الاندماجات والاستحواذات.
ثالثاً: «ثلاثية الدولار والعقار والتضخم»، فتعويم الجنية المصرى والارتفاع الجنونى لأسعار الأراضى والعقارات المباعة والمؤجرة مع التضخم، كل ذلك سيدفع الجميع الى الاندماج لمواجهة المجهول المرتقب.
رابعاً: التطور التكنولوجى والطبى غير المسبوق بالتاريخ الإنسانى ذو التكلفة المتزايدة، والتى لا تقدر عليها الاستثمارات المصرية المتناثرة الصغيرة.
وأخيراً، أقول «لا تخافوا» فالاندماج والاستحواذ هو النهج الأكثر منطقية (أما ما أراه من جمود فهو الأسوء المنتظر لكل المؤسسات الخاصة، والتى ترى أن النمو التقليدى هو الافضل والأسرع، والحقيقة ان تلك المؤسسات ستخرج من المنافسة ومن السوق بأسرع، مما نتخيل)، وهو النهج لتحقيق النمو والتنافسية والبقاء.
وأتمنى أن نرى سنة 2017 وهى تغلق على عمليات استحواذ واندماج بقطاع المستشفيات، لإرجاع مصر مرة أخرى الى طريق المنافسة الاقليمية والقارية، وسنركز بالجزء الثانى من المقال على قراءة رقمية للاندماجات والاستحواذات لعامى 2015-2016 وسنعرض بعض التوقعات للاستحوذات خلال عامى 2017-2018.
بقلم: د. خالد سمير
العضو المنتدب لمستشفيات ومراكز دار العيون
ومؤسس جمعية إدارة وحوكمة وجودة القطاع الصحى