كيف يعمل الاتفاق الضريبى بين شركة أبل ودولة أيرلندا؟ وهل سترفع الغرامة الفاتورة الضريبية على أعمال الشركة فى أوروبا؟ ولماذا جاءت فى وقت حساس لعملاق التكنولوجيا الأمريكى؟ وما موقف أيرلندا من الحكم؟… جميعها أسئلة أثارها قرار المفوضية الأوروبية للتنافسية ومكافحة الاحتكار بتغريم «أبل» 13 مليار يورو كضرائب رجعية مستحقة لـ«دبلن».
استفز تحقيق أجراه الكونجرس الأمريكى بشأن الممارسات الضريبية الغريبة لشركة التكنولوجيا، المسئولين عن التحقيقات الأوروبية حول أعمال شركة «أبل» فى أيرلندا.
ففى عام 2013، خرج تيم كوك، المدير التنفيذى لشركة «أبل» سالمًا من استجواب علنى أمام أعضاء مجلس الشيوح الأمريكى، ولكن تفاصيل جلسة الاستماع أثارت فضول مسئولى لجنة التنافسية ومكافحة الاحتكار فى المفوضية الأوروبية.
ونتيجة لذلك، أصدرت اللجنة حكمًا يوم الثلاثاء الماضى يلزم أيرلندا باسترداد ما يصل إلى 13 مليار دولار من الضرائب بشكل رجعى بالإضافة إلى الفوائد من عملاق التكنولوجيا.
وهز الحكم أكبر شركة تكنولوجيا فى العالم، وأخذ المعركة ضد التهرب الضريبى من قبل الشركات الكبرى إلى مستوى جديد، وعمق الحكم الذى أعلنت عنه مارجريت فيتساجر، مفوضة شئون المنافسة ومحاربة الاحتكار فى الاتحاد الأوروبى، التوترات بين السلطات الأمريكية والأوروبية بشأن الحملة على ضرائب الشركات.
واستفادت «أبل» على مدار أكثر من 20 عامًا من الاتفاق الاستثنائى مع السلطات الأيرلندية، والذى مكنها من تجنب دفع أى ضرائب على جميع أرباحها تقريبًا فى أوروبا والأسواق العالمية الأخرى.
ويعود تاريخ الاتفاق مع هيئة الإيرادات الأيرلندية إلى حكم ضريبى عام 1991، حل محله حكم آخر فى 2007، وتعد هذه الأحكام بمثابة خطابات طمأنة توضح المسائل الضريبية إلى شركة ما، ورغم سرية تلك الخطابات، فقد ظهرت للنور عندما نقب مسئولون أوروبيون فى أعمال لجنة فرعية بمجلس الشيوخ الأمريكى.
وركزت التحقيقات الأوروبية على المحاباة فى المعاملة الضريبية فى «دبلن» لشركتين تابعتين لـ«أبل»، وعلى إذا ما كانت الشركات الأخرى تتلقى نفس المميزات.
وإحدى هذه الشركات هى «أبل سايلز انترناشونال – ASI» والتى تمت هيكلتها بحيث تُسجل جميع الأرباح من مبيعات الآى فون ومنتجات «أبل» الأخرى فى أوروبا والشرق الأوسط، وأفريقيا والهند فى أيرلندا، أما الشركة التابعة الأخرى فهى «أبل اوبرايشن يوروب»، والتى تصنع بعض أجزاء الحواسب الآلية.
وفيما يتعلق بالضرائب، تلقت الشركتان معاملة مماثلة، وكان حكما 1991 و2007 يعنيان أن جميع الأرباح تقريبًا يتم تخصيصها لـ«مقر رئيسى» لم يكن به موظفون ولا مبنى، ولا وجود له إلا على الورق.
وفحص المسئولون محاضر اجتماعات «المقر الرئيسى» ولم يجدوا سوى مؤتمرات هاتفية لم تستمر لأكثر من 20 دقيقة، ولم تناقش أكثر من إدارة النقدية، وتخصيص توزيعات الأرباح.
وذكرت «فاينانشيال تايمز» أن أكثر ما يميز هذا الهيكل هو أن المقر الرئيسى كان يعد «بلا دولة» لأسباب ضريبية، وبالتالى لا ضرائب تدفع على الأرباح التى تنسب إليه، وجزء كبير من هذه الأرباح يذهب لتمويل البحث والتطوير.
وقالت المفوضية الأوروبية – استنادًا على بيانات أصدرها مجلس الشيوخ الأمريكى – إن أرباح شركة «ASI» بلغت 16 مليار يورو فى 2011، تم نسبها جميعا باستثناء 50 مليون دولار للمقر الرئيسى، ودفعت «أبل» 10 ملايين يورو ضرائب عليها لـ«دبلن».
وكانت الضريبة على الـ 16 مليار يورو فعليا 0.05%، وانخفضت الضريبة إلى 0.005% فى 2014 رغم نمو أرباح الشركة.
وتقول فيتساجر، مفوضة شئون المنافسة ومحاربة الاحتكار فى الاتحاد الأوروبى إن الاتفاق الضريبى بين «أبل» وايرلندا سمح بتخصيص «اصطناعى» للأرباح بما يمكّن «أبل» من دفع ضرائب أقل بكثير من الشركات الأخرى، وهو ما يشكل تحديًا لقوانين الاتحاد الأوروبى.
وتذهب تداعيات الغرامة الضريبية بالنسبة لـ«أبل» لأبعد من الضرائب المستحقة لأيرلندا، فقد أعلنت المفوضية الأوروبية عن موسم مفتوح لإعادة النظر فى كيفية معاملة الأنشطة التجارية للشركة بباقى دول أوروبا.
أضاف فيستاجر، بمجرد نشر الحكم المكون من 130 صفحة، إن السلطات الأوروبية الأخرى بإمكانها الاطلاع على التحقيق، وإذا توصلوا إلى أن «أبل» كان ينبغى عليها تسجيل المبيعات التى تمت بدول أخرى فى تلك الدول، فيتعين عليهم مطالبتها بدفع المزيد من الضرائب محليًا، موضحة أن هذا من شأنه تقليص المبلغ المفترض دفعه لأيرلندا.
وإذا قررت فرنسا (التى تفرض ضرائب على الشركات بنسبة 33%) والسويد (22%) وألمانيا (حوالى 30%) أن المبيعات تمت بالفعل داخل ولاياتها القضائية، فستواجه «أبل» فاتورة أعلى بكثير من الضريبة التى تفرضها أيرلندا عند 12.5% من الأرباح.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن الغرامة الضريبية التى كانت تلوح فى الأفق منذ أكثر من عامين، لم تكن لتأتى فى وقت أسوأ بالنسبة لـ«أبل».
فعلى المدى القريب، يأتى اكتشاف المفوضية بأن أكبر شركة فى العالم من حيث القيمة استفادت عبر 25 عامًا من المساعدات الحكومية غير القانونية من أيرلندا قبل أسبوع من إطلاق أحدث جهاز «آى فون» لها، ويعد كل إصدار جديد حيويًا لمستقبل الشركة، نظرًا لأن مبيعات الجهاز تشكل ثلثى إيراداتها.
ويأتى هذا الإصدار بالأخص فى وقت يعانى منتجها الرئيسى من تراجع فى المبيعات، ما يضع المزيد من الضغوط على تيم كوك، المدير التنفيذى للشركة لإنجاحه.
ورغم أن الغرامة تعادل ربع صافى أرباح العام الماضى، يبدو أن المحللين والمستثمرين فى وول ستريت لا يهتمون بالمخاطر المالية على «أبل»، وإنما يركزون أكثر على الضرر الذى سيلحق بسمعتها باعتبارها شركة تدافع عن الحقوق المدنية، وتروج لمجموعة من المسئوليات الاجتماعية.
وكان رد «أبل» سريعًا على الغرامة الضريبية الأوروبية، وكتب كوك خطاباً للعملاء على موقع الشركة أول أمس الثلاثاء مذكرًا فيه باستثمارات الشركة الطويلة فى أيرلندا، وخلقها لمليون ونصف وظيفة عبر أوروبا سواء موردين أو مطورى تطبيقات، ومؤكدًا على وضعها كأكبر دافع للضرائب فى العالم.
ومع ذلك، قال إدوارد كلاين بارك، أستاذ الحقوق فى جامعة جنوب كاليفورنيا، إن «أبل» أكثر الشركات ربحية فى العالم، مضيفاً أن الأمر لا يتعلق بقدر الضرائب الذى تدفعه، وإنما بقدر الضرائب مقارنة بحجم الأرباح العالمية التى تحققها.
ولم تتأثر وول ستريت كثيرًا بالغرامة، وانخفضت أسهم الشركة بنسبة 1% فقط يوم الثلاثاء بعد أن طمأنت الشركة المستثمرين: «نحن لا نتوقع أى تأثير قريب المدى على نتائجنا المالية من هذا القرار».
كما لا يتوقع والت فيسيك، محلل فى شركة «BTIG» تضرر العلامة التجارية أو مبيعات «الآى فون» بقدر كبير وقال «لا أعتقد أن معركة الشركة مع دولة على مقدار الضرائب سوف تؤثر على قرار شراء الهاتف من قبل المستهلكين».
وأثارت الغرامة ردود أفعال غاضبة فى الولايات المتحدة وإيرلندا، وأكدت دبلن أن «أبل» دفعت كل الضرائب المستحقة عليها، وأنكرت معاملتها بأى محاباة.
وقال وزير المالية الأيرلندى، مايكل نونان، إنه سوف يسعى للحصول على موافقة البرلمان على استئناف الحكم، وتابع «من الضرورى أن ندافع عن نزاهة نظامنا الضريبى، لتقديم اليقين الضريبى لقطاع الأعمال، ومقاومة زحف قواعد المساعدات الحكومية الخاصة بالاتحاد الأوروبى».
واتهمت وزارة الخزانة الأمريكية المفوضية الأوروبية بأنها تحاول أن تصبح «هيئة ضريبية فوق قومية» بسبب حملتها العنيفة على التهرب الضريبى، وهو ما يهدد الاتفاقات الدولية بشأن الإصلاح الضريبى.